راقب ميزان قلبك .. ولا تجعل شهواتك تتحكم بك الله يطمئن المهزومين ب"أحد" .. أنتم الأعلون آية تعيد حق اليهودي .. وأنا وأخي لسنا على ابن العم بنو إسرائيل يقولون لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا! كلما هبت عواصف الفوضى والاضطراب انطلقت الشعوب تستلهم روح الدين بحثا عن خلاص .. ويعتبر معتز عبدالرحمن أنه يقدم كتابه "وقت مستقطع" كشمعة تعين على الظلام. ارتبط الكاتب لدى قراء الإنترنت بمقالاته الجريئة في نقد واقعنا المأزوم ، وها هو ينقب بآيات الذكر ليهتدي لخارطة طريق واقعية جدا تكشف أن الأمم لا تخرج من التيه إلا بالعدول عن الأسباب التي دفعت للدخول فيه.. ! الكتاب يمتاز بالعمق على صغر حجمه، وقد صدر مؤخرا عن دار "مقام" للنشر، ولاقى رواجا كبيرا بين فئة الشباب بالأخص لأنه لخص لهم كل اختلط بأذهانهم من مفاهيم بعد الثورة، وعلاقتها بالدين، وبالفعل فغلاف الكتاب يشي بذلك تماما . قدم للعمل د. محمد علي يوسف، والذي اعتبره سيرا على درب الأولين، كالشيخ الغزالي في تفسير القرآن موضوعيا، لاستنباط العبر الدالة . سمع وطاعة من فاتحة الكتاب، لسورة البقرة، يخوض الكاتب عالم الإيمان وصفات المؤمنين، ومنها تصديقهم بالغيب بجوارحهم لا عقولهم وحدها، وما يتبع ذلك من السمع والطاعة. كما يتذكر صحابة الرسول "ص" والذين سمعوا الآية الكريمة : لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير} (البقرة:284). فشق ذلك عليهم، وهنا قال لهم رسول الله ألا يكونوا مثل اليهود الذين قالوا "سمعنا وعصينا" ، فاستجاب الصحابة للرسول فأثابهم الله لامتثالهم بأن أنزل آياته التي تعد خواتيم سورة البقرة "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون" والتي كان بها سعة لهم لأن المؤمن لا تكلف نفسه إلا وسعها. وأحيانا يكون غرض الأمر الديني هو اختبار الإيمان بحد ذاته، وليست كل الأمور تقاس بالعقل المادي المجرد، وإلا فلماذا يصوم الفقير، وهو ممن يعانون الجوع فعلا طوال العام! ولماذا يقبل المسلم الحاج حجرا لا يضره ولا ينفعه! ولماذا تتحول القبلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، كلها أشياء لتمييز المؤمن من المنافق الذي يشك في مصدر التكليف. لهذا أيضا فقد رسب بنو إسرائيل بالاختبار، حين لم يجدوا رابطا بين معرفة قاتل أحدهم وذبح بقرة، كما تتكرر مع بني إسرائيل قصص تنبيء عن تمردهم، فهم الذين رفضوا دخول القرية سجدا بعدما فتحها الله عليهم، ورفضوا اتباع محمدا لأنهم علموا أن وليه جبريل عليه السلام الذي يتخذونه عدوا! وقد أخذوا بعض ما جاءهم بالتوراة وتركوا بعضها، ونهاهم الله عن قتال بعضهم لبعض وفعلوا، وزادوا بأن سلب المنتصر ممتلكات المغلوب، فكانت عاقبتهم الطرد واللعن والعذاب لما امتازت به قلوبهم من نفاق، فهم يقولون أطعنا ويتولى فريق منهم معرضين. آفة الكبر هل كان إبليسا ناكرا لألوهية الله وخلقه له ؟ .. لا ، فقد كان يعبده ويعلم أنه لا شريك له ويقسم بعزته ليغوين خلقه، مع ذلك! وهنا أوقع إبليس نفسه بدائرة الكبر فلم ينفع تصديقه شيئا وطرد من رحمة الله، ويلتقط الكاتب درسا هاما من قصة آدم وإبليس بسورة البقرة، وهي أن التكليفات لا يشترط أن تحقق هواك بل أحيانا تكتب أشياء هي كره لنا ومخالفة لشهواتنا، وإذا ما اخطأت فعليك بالندم والتوبة كما فعل آدم عليه السلام أبو البشر. وتلفت السورة لفئة تعبد الله على حرف إن أصابها خير اطمأنت به، وإن أصابتها فتنة انقلبوا على وجههم فخسروا الدنيا والآخرة . لا تهنوا .. ولا تحزنوا في سورة "آل عمران" نلمح خطابا يطيب جراح المهزومين، فقد انقلب النصر لهزيمة بغزوة أحد، بعد أن تسارع الرماة على الغنائم وتركوا الجبل كما أمرهم الرسول، ومع ذلك يذكرهم ربهم بنصرهم في غزوة بدر على قلة عددهم والتي أذل الله بها أنوف صناديد قريش، والسبب كان الإرادة . هنا يؤكد المؤلف أن " الاستغراق في الحزن والتباطؤ في إعادة التصحيح يتسببان في زيادة الخسائر، فيصعب التعويض" ، ولهذا فقد استنفر الرسول المجاهدين برغم آلامهم النفسية والجسدية بعد هزيمة أحد ليخبرهم بأمر غزوة جديدة تسمى "حمراء الأسد" والتي ذكرها الحق في كتابه العزيز "الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم"، هؤلاء الذين قال لهم قومهم إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزاد إيمانهم وقالوا حسبنا الله، ويخبر القرآن بأنهم انقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء.. بعد أن من الله عليهم بنصر بلا معركة، فقط لأنهم تغلبوا على أحزانهم. القرآن أيضا اهتم بسبب الهزيمة أي عصيان الرماة لأمر الرسول ، فخاطب المسلمين بأن "منكم من يريد الدنيا" ، وشهوات الدنيا رأس كل خطيئة، وهنا ينصحك الكاتب بقوله : راقب عدادات القلب وتوازن القوى داخله لتطمئن أنه لم ينحرف. ثم هناك درس آخر نتعلمه مع تلك السورة القرآنية، وهو أن الله ينظر لأعمال المرء وجهده فيها لا النتيجة النهائية التي توصل إليها، فلقد ظل شهداء أحد من اشهر شهداء العصر النبوي وإلى الآن يزور المسلمون قبورهم في المدينةالمنورة، وزارهم النبي (ص) قبل وفاته، لأنهم قضوا نحبهم تحت حصار مطبق تحصدهم السيوف والسهام وهم ثابتون يحمون رسول الله ويضعون نحورهم دون نحره راضين. مدرسة العدل هكذا يسميها الكاتب، ونعني سورة "النساء" ، فهي تشمل معاني العدل الحياتية بحياتنا، وهي أهم الفضائل الغائبة ببلادنا والتي باختلالها عم البلاء ، السورة تخبر عن العدل مع الزوجات ومع اليتيم ومع الشركاء في المال ورد الأمانات لأهلها والعدل بالمواريث، وكذا اهتمت السورة بالعدل مع الوالدين والجار والمستضعفين وبن السبيل والمقتول خطأ، وركزت على جوانب هامة منها التثبت من المعلومات قبل إشاعتها "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم، ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتهم الشيطان إلا قليلا" ونستطيع أن نقول أن الآية الحاكمة للعدل وتجنب الهوى هي "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا" وفي الحياة نشاهد موازين مختلة للعدالة، فأصحاب الأعمال لا يضعون لائحة واضحة لحقوق العاملين عندهم، لتكون تقييم المواقف بناء على الهوى. ومن الملامح الهامة للعدل والتي يتأملها مؤلف الكتاب في الآية الكريمة "إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما" أنك قد تحيد عن العدل مع أصحاب المال والسلطة طمعا فيما لديهم، ولكن البعض أيضا يحيدون عن الحق مع الفقراء تعاطفا معهم ، وكلا الفريقين غير منصف، فالله لذلك يعلم عباده أن يتوخوا العدالة في أي موقف بغض النظر عن تعاطفهم أو طمعهم ! كما زادت السورة بآية بليغة عن العدالة حتى مع الذين نبغضهم لأن ذلك أقرب للتقوى. ويعيدنا الكاتب لقصة الدرع الذي سرقه واحد من بني ابيرق ولما شعر بافتضاح أمره دسه في بيت رجل يهودي، وحين عرض الأمر على رسول الله (ص) كاد أن يميل لأن الأدلة كلها ثابتة ضد اليهودي، وهنا ينزل الله من فوق سبع سماوات آية تبريء اليهودي فيقول : "يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا". ويعلق الكاتب بقوله أن مبدأ " أنا وأخي على ابن عمي" لا يعرفه الإسلام ، بل إن نصرك لأخيك ظالما ومظلوما دعوة صريحة تعني ردعه عن الظلم أو رفع الظلم عنه إن كان صاحب حق. يقول الكاتب معتز عبدالرحمن أن الإسلام لم يكتف بذلك وإنما أحيا ضمير الفرد ليكون خير رقيب على المجتمع، وقال صلى الله عليه وسلم أنه بشر وربما تكون حجة أحد المسلمين أبلغ من الآخر فيحكم له ، ولكن من حكم له بشيء لأخيه المسلم سيكون قد باء بقطعة من النار، وتخيل من يضع نفسه بهذا الموقف فهل يظلم؟! على أبواب التيه إن العقيدة التي جاء بها الأنبياء والمرسلين إلى البشرية عقيدة واحدة وهي دعوة الخلق لعبادة الله وحده ، ولكن جاء كل نبي بشريعة تلائم قومه، وهناك أمم أمرهم الله بالصبر على البلاء ، وهناك أمم جاءت شريعتها متضمنة دفع البلاء ، وقد تعرض بنو إسرائيل للمرحلتين، فصبروا على إيذاء فرعون ولكنهم لم يدفعوا القوم الجبارين لدخول الأرض المقدسة مع نبي الله موسى عليه السلام، فكانت عاقبتهم التيه في الأرض أربعين سنة بسيناء. ولم ينتهي التيه إلا بجيل جديد نفذ الأمر الأول وجاهد . ويلج الكاتب من هذه القصة بسورة المائدة لمناقشة أسباب ضياع فلسطين ، فهي لا تحظى بأمة تدفع طغيان الأمريكان والصهاينة، رغم أن شريعتنا تأمرنا بذلك. كما يلمح الكاتب إلى ان الابتلاء نوعان: ابتلاء الشدة وابتلاء الرخاء، بدليل قوله تعالى في سورة الأنبياء : "كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون" . وقد خشى رسول الله على أمته من انبساط الدنيا وإلهائها، لا الفقر! وينهي الكاتب بأن الفخر بخيرية أمة محمد مشروط بالالتزام بهديه، وإلا فسنتحول لتفاخر بني إسرائيل ونلقى مصيرهم! في الحلقة الثانية "رأسماكية الإسلام" .. سخرية من المهزومين نفسيا فضل العامل على العابد كفضل القمر ليلة البدر تقديس الرموز خطيئة كبرى لم يرتكبها الصالحون أظلم الليل يتبعه الفجر .. وشتان بين الغباء والتفاؤل التسامح لا يعني الدروشة .. وخطوات تعدل ميزاننا المائل