"إنقلاب جديد شبيه بذاك الذي شهدته بوروندي، في 13 مايو/ أيار الماضي، قد يطيح بالرئيس بيير نكورونزيزا عن صهوة جواده، في حال تمسّكه بسياسة الهروب إلى الأمام".. هذا ما توقع الخبير السياسي الفرنسي ميشيل غالي أن تصل إليه الأوضاع في هذه الدولة الأفريقية التي تعيش أجواء سياسية مضطربة مؤخراً. غالي؛ الأستاذ المختص في الشؤون الأفريقية بمعهد العلاقات الدولية في باريس، قال، في حديث للأناضول، إنّ "جميع العناصر اللازمة لحدوث انقلاب جديد تبدو متوفّرة بحسب السياق الحالي الذي تشهده بوروندي، فهناك شباب ثائر لا يهدأ، ومعارضة ومجتمع مدني ملتزمان بالمضي قدما في الاحتجاجات، إلى جانب حزب حاكم (المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية- قوى الدفاع عن الديمقراطية) مثقل بالانقسامات والخلافات، دون إغفال حقيقة ما راج من أنّ بعض المراقبين الدوليين يجدون في الانقلاب حلاّ مقبولا في مواجهة تصرّفات ميليشيات شباب الحزب الحاكم". "التصدّع الداخلي الذي يعاني منه الحزب الحاكم في بوروندي تجلّى، على وجه الخصوص، من خلال محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادها قائد أركان الجيش، الجنرال غودفرواد نيومباري، منتصف مايو/ أيار الماضي، والذي يعدّ من مؤسسي الحزب ورفيق نكورونزيزا في السلاح، كما أنّه من نفس العرقية (الهوتو/ أغلبية)"، بحسب الخبير السياسي. وعلاوة على ذلك، أشار غالي إلى وجود أسباب وعوامل أخرى قد تعصف بالنظام البوروندي خلال الفترة المقبلة، أبرزها "مناورة نكورونزيزا فيما يتعلّق بمسألة تقسيم السلطة بين أبرز العرقيات المكوّنة للبلاد، وهي عرقية الهوتو (أغلبية) والتوتسي (أقلية كانت مفضلة من قبل المستعمر البلجيكي)، وعرقية تواس، وهم أقدم سكان بمنطقة البحيرات الكبرى. فهذه المناورة هي ما يمنع وصول السكان (من عرقيات غير الهوتو) إلى المناصب السامية في الإدارة والجيش، وهذه النقطة كفيلة بتأجيج التوتّر وتعزيز فرص قلب النظام، بل إنها هي ما سيدق الإسفين في نعش هذا النظام". واتّفاق أروشا الموقّع، في 28 أغسطس/ آب 2000، بين الحكومة البوروندية والمجموعات المسلحة، يشكّل شرطا لا غنى عنه لتحقيق السلام في البلاد، وينصّ على ضرورة تقسيم السلطة بين جميع سكان البلاد، بغض النظر عن الانتماء العرقي، كما ينص –تماما مثل الدستور البوروندي- على أنّ الولايات الرئاسية لا تتجاوز الاثنتين. غير أنّ نظام "الحزب - الدولة" الذي ينتهجه نكورونزيزا، يستدرك الخبير الفرنسي، "يبدو بعيدا عن احترام هذا الميثاق، حيث فضّل الرئيس البوروندي المقرّبين منه ومحيطه الواسع (على بقية مواطنيه)". ومن جانبه، يعتبر نكورونزيزا أنّه من غير المنطقي احتساب ولايته الرئاسية الأولى التي أعقبت الحرب الأهلية في بلاده (1993- 2005)، بما أنها كانت عبر تزكيته من أعضاء البرلمان، وليس عبر الاقتراع الحرّ المباشر، ما يعني أنّ ترشّحه الحالي سيكون لولاية ثانية وليست ثالثة كما تروّج له المعارضة. ومع أنّ الاحتجاجات البوروندية المندلعة منذ 26 أبريل/ نيسان الماضي، وخلّفت ما لا يقلّ عن 47 قتيلا، وأجبرت 100 ألف مدنيا على مغادرة البلاد بحثا عن ملجأ آمن في دول الجوار، إلا أنّ نكورونزيزا لايزال يتحدّى المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الافريقي، والمؤسسات الدولية على غرار الأمم المتّحدة، والتي دعته، مؤخرا، إلى سحب ترشّحه، لتجنيب البلاد انزلاقة جديدة نحو الدمار، في إشارة إلى الحرب الأهلية التي وضعت في المواجهة عرقيتي الهوتو والتوتسي، وأسفرت عن مقتل 300 ألف شخص، بحسب الأممالمتحدة. ومن جانبها، لا يبدو أنّ المعارضة ومنظمات المجتمع المدني في بوروندي مستعدّة للتنازل قيد أنملة عن مطالبها، خصوصا عقب إرجاء الانتخابات التشريعية للمرة الثالثة على التوالي، إلى 29 يونيو/ حزيران الجاري، بعد أن كانت مقررة ل 26 من الشهر نفسه، وأرجأت الانتخابات الرئاسية إلى 13 يوليو/ تموز المقبل، وانتخابات مجلس الشيوخ إلى 24 من الشهر ذاته. مشهد ضبابي يقف على رمال متحركة، بحسب الخبير الفرنسي، لاسيما إثر فرار اثنين من المسؤولين صلب الهيئة المشرفة على الانتخابات، الأسبوع الماضي، إلى رواندا، وإعلان المبعوث الخاص للأمم المتحدة لمنطقة البحيرات الكبرى، ووسيط الأزمة البوروندية، سعيد جنيت، في تصريح صحفي، بأنه سيغادر بوروندي. وإضافة إلى ما تقدم، وعلى ضوء الوضع المضطرب الذي تشهده البلاد، قررت كلّ من بلجيكا، المستعمر السابق لبوروندي، وهولاندا، تعليق دعمهما للانتخابات، في خطوة ضيّقت الخناق على نظام نكورونزيزا الذي بدأ يفقد شركاءه تباعا، ولم يتبقّ له من مساند سوى فرنسا التي لم تعلن بعد قطع مساعدتها في مجال تدريب قوات الأمن البوروندية. أما البلدان التي قادت عملية توقيع اتفاق أروشا، وخصوصا الولاياتالمتحدةالأمريكية وجنوب أفريقيا، فقد اكتفت بالإعراب عن قلقها حيال ما يحصل في بوروندي ونبذها للعنف.