شكك سياسيون وقانونيون لبنانيون في مصداقية المحكمة العسكرية في البلاد، ووجهوا إليها انتقادات شديدة وصولا إلى المطالبة بإلغائها، وذلك بعد قرارها المخفف، أمس الأربعاء، بسجن ميشال سماحة الوزير اللبناني السابق الموالي لنظام بشار الأسد، لمدة أربع سنوات ونصف السنة وتجريده من حقوقه المدنية، بعد إقراره بأنه اشترك مع رئيس مكتب الأمن الوطني السوري في مخطط لتنفيذ تفجيرات واغتيالات بلبنان. وأمام المحكمة العسكرية، برئاسة العميد خليل إبراهيم، أقر سماحة في 20 أبريل/ نيسان الماضي بأنه نقل متفجرات من مكتب رئيس الأمن الوطني السوري في دمشق، اللواء علي مملوك، إلى لبنان بسيارته بهدف تنفيذ سلسلة تفجيرات واغتيالات لسياسيين ورجال دين، لخلق بلبلة في الساحة السنية شمالي لبنان، حيث التأييد للثورة السورية على الأسد منذ مارس/ آذار 2011. وسماحة موقوف منذ 9 أغسطس/ أب 2012، ما يعني أن مدة تنفيذ عقوبته تنتهي بعد سبعة أشهر، لكون سنة السجن في القانون اللبناني هي تسعة أشهر، وفقا لصحيفة "النهار" اللبنانية على موقعها الإلكتروني. وقال الأمين العام لتيار "المستقبل"، أحمد الحريري ل "الاناضول"، إن "موقفي أعلنته بشكل صريح، أؤكد عليه ولن أزيد عليه". وكان الحريري، دعا في أول تعليق لم أمس على الحكم، ب "إغلاق المحكمة العسكرية بالشمع الأحمر". وأوضح الحريري، ردا على سؤال حول ما اذا كان هناك من تحركات على الأرض سترافق هذا الاعتراض، "سنبقي اجتماعاتنا مفتوحة في 14 آذار لتقرير أي خطوات إضافية". من جانبه، سخر النائب أنطوان زهرة عن حزب "القوات اللبنانية" المنضوي في قوى "14 آذار" المؤيدة للثورة السورية، في حديث ل "الاناضول" من الحكم، وقال "أرى في الحكم اتهاما مبطنا لميشال سماحة بالغباء، وبالتالي يبدو أنه على سماحة نفسه ان يعترض على هذا الحكم ليدفع عنه تهمة الغباء". وتساءل قائلا: "هل من المعقول ان وزيرا مثل ميشال سماحة لعب أدوارا عديدة في التنسيق بين جهازي الاستخبارات السورية والفرنسية، يتحول إلى مجرد ناقل لمتفجرات من دون أن يعرف أنها في سيارته أو لا يدري وجهتها وماذا يفعل بها ؟، بل ولا تتواجد لديه أي نية جرمية ويصبح بريئا رغم اعترافه؟". وقال: "سياسيا، أقول انه يجب وضع حد للمحاكم الاستثنائية والحد من صلاحيتها، ذلك انه لا يمكنها ان تحل مكان القضاء العدلي العادي". وطالب بضرورة "وضع حد للمحكمة العسكرية في لبنان وحصر صلاحياتها بالشؤون العسكرية فقط". من جانبه، قال وزير العدل السابق والخبير القانوني، إبراهيم نجار، في حديث ل "الاناضول"، إن "كل اهل القانون والقضاء في لبنان فوجئوا مفاجأة غير مسبوقة بهذا القرار لأن الاعلام كان قد وضع في تناول العامة مشاهد وتصريحات واقرارات لم تكن تترك مجالا للشك" بتورط سماحة. وأضاف أنه "نتيجة لذلك فإن هذا القرار وضع تحت المجهر كل ما يتصل بالمحكمة العسكرية لا بل أصبحت هذه المحكمة موضع شك". وأوضح انه "انطلاقا من احترام المبدأ الدستوري بالفصل بين السلطات، فلا يمكن لوزارة العدل ان تتدخل بأي شكل من الاشكال في تغيير الحكم أو إخراج القضية من المحكمة العسكرية وإحالتها إلى القضاء العادي أو حتى المجلس العدلي". وقال "أدعو لإلغاء المجلس العدلي لأن قراراته لا تقبل الطعن، وهذا يخالف المبادئ الاولية لما يسمى القضاء العادل". وأضاف: "لم يعد بوسعنا إلا أن ننتظر من محكمة التمييز العسكرية أن تعيد الصدقية للمؤسسة التابعة لها"، لكنه شدد على انه "حتى لو قامت محكمة التمييز بتغيير الحكم فإن هذا القرار الذي صدر عن المحكمة العسكرية "أمس" بهذه الطريقة جعل الرأي العام يشكك بصدقية هذه المحكمة". ووصف وزير العدل اللبناني أشرف ريفي قرار المحكمة العسكرية بأنه "فضيحة". وجرى توقيف سماحة، المستشار الإعلامي للأسد، في عملية معقدة اشترك فيها أحد عناصر شعبة المعلومات اللبنانية، ويدعى ميلاد كفوري، في صيف 2012، بتهمة نقل متفجرات إلى لبنان، بالتعاون مع النظام السوري، لتنفيذ عمليات اغتيال لسياسيين. وكان قد تم تأجيل المحاكمة عدة مرات بسبب صعوبة تبليغ واستدعاء مملوك إلى المحكمة حتى قرر القاضي فصل القضيتين. واستجوبت المحكمة العسكرية سماحة بتهمة "تأليف عصابة إرهابية وإدخال متفجرات من سوريا إلى لبنان ومحاولة تفجيرها لقتل سياسيين ورجال دين ومواطنيين بالتعاون مع مملوك"، بحضور جميع محامي الدفاع عنه، فأقر بجميع التهم التي نسبت اليه، واصفا ما قام به بأنه "خطأ كبير". وقال سماحة إن "بعض المتفجرات كانت تستهدف تجمعات لافطارات رمضانية، بالإضافة إلى قتل سياسيين شماليين ونواب، بينهم النائب خالد الضاهر، ومفتي عكار (الشيخ زيد زكريا) وآخرين ليكون لها تأثير على الشارع والرأي العام". ومضى قائلا إن الأشخاص الذين كانوا على علم بهذه العملية "هم أربعة فقط، وهم: أنا وعلي المملوك ورئيس مكتبه العقيد عدنان (مجهول باقي الهوية) وميلاد كفوري"، المخبر الذي أوقع بسماحة، فيما نفى سماحة أي علاقة للأسد بهذا المخطط.