لم يمض أكثر من 70 يوما على زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الفرنسية باريس في نوفمبر الثاني الماضي، حتى تم الإعلان في فبراير من العام الجاري عن صفقة بيع 24 طائرة حربية فرنسية من طراز "رافال" وفرقاطة، ومعدات عسكرية أخرى، إلى مصر بقيمة 5.2 مليار يورو. الصفقة والتي تم توقيعها خلال زيارة لوزير الدفاع الفرنسي جان إيف لو دريان للقاهرة في 15 فبراير الماضي، أثارت جدلا تصاعد مجددا بعد تقرير نشره موقع "ديفينس نيوز" الأمريكي المتخصص في الشؤون العسكرية يوم الأحد الماضي، قال فيه إن فرنسا أجرت تعديلات على الطائرة قللت من قدراتها، وذلك قبل تسليمها لمصر، وشملت التعديلات إزالة القدرات الصاروخية النووية وشبكة اتصالات حلف الناتو، وهو الأمر الذي لم تؤكده باريس أو القاهرة أو تنفيه حتى اليوم. وظهر الانقسام السياسي الحاد الذي تعيشه مصر في التعاطي مع هذا التقرير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فبينما هلل له معارضو السلطة في مصر، وقالوا إن فرنسا باعت الوهم للقاهرة وورطوها رغم ظروفها الاقتصادية الصعبة في شراء طائرات ليس لها سوق، قال الفريق المؤيد للسلطة الحالية إن"الطائرة تبدو متطورة وتضيف للإمكانيات القتالية للجيش المصري، رغم التعديلات التي أجريت عليها، وذهب هؤلاء إلى أبعد من ذلك وقالوا أن مصر تهدف من امتلاكها هذه الطائرات إلى الضغط على إثيوبيا في المفاوضات حول بناء سد النهضة، واستخدامها في مقاومة الإرهاب في سيناء، وفق مراسل الأناضول. وما بين آراء متحمسة وأخرى رافضة، غابت وجهة النظر المتخصصة الهادئة، التي لا تضخم من الحدث وتحمله أكثر مما يحتمل، وفي نفس الوقت لا تقلل من أهمية الصفقة. أحد هذه الآراء المتخصصة كانت للخبير العسكري صفوت الزيات العميد المتقاعد في الجيش المصري، والذي رأى أنالجدل الذي أثير حول التعديلات الفرنسية في الطائرة، أخذ أكبر من حجمه، ووصفها ب"التعديلات المنطقية". وقال الزيات في تصريحات خاصة للأناضول إن "مصر لا تملك ذخائر نووية، وليس لديها نية لذلك، بل أنها إحدى الدول الرئيسية الموقعة على اتفاقية منع الانتشار النووي، وبالتالي لا يوجد مبرر لوجود هذه الخاصية بالطائرة رافال، وينصرف نفس الأمر على التعديل الخاص بإزالة شبكة اتصالات حلف الناتو، فمصر ليست عضوة بالحلف حتى تبقي فرنسا على هذه الخاصية بالطائرة". وتصنف هذه الطائرة على أنها من طائرات القتال، ولذلك ليس لها أي علاقة بالاستخدام في مقاومة الإرهاب، بحسب الزيات. وأضاف أنه "تؤدي هذه الطائرة مهام على مسافات بعيدة تتجاوز 1500 كيلومتر، ولكن هذه الخاصية لا تؤهلها لأداء مهام تفوق قدراتها". وفيما يقول البعض إن الطائرة تشكل ورقة ضغط على إثيوبيا في قضية سد النهضة، وهو ما يرفضه الزيات، موضحا أن "أداء مهام بعيدة كتلك التي يتم الترويج لها يحتاج لأنظمة تزود جوي بالوقود لا تمتلكها مصر". وتتيح هذه الأنظمة إعادة التزود بالوقود جواً من طائرة إلى طائرة أخرى أثناء تنفيذ الرحلة دون توقف، بما يضاعف من مدى وقدرة المقاتلات في تحقيق أهدافها. وتتخوف مصر من تأثير سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على حصتها السنوية من المياه التي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب، بينما يؤكد الجانب الإثيوبي أن سد النهضة سيمثل نفعا لها خاصة في مجال توليد الطاقة، وأنه لن يمثل ضررا على السودان ومصر. ورأى العميد المتقاعد في الجيش المصري أن حيازة الطائرة ليس بالضرورة بغرض استخدامها قتاليا، مشيرا إلى أنه أحيانا ما تكون حيازة السلاح أهم من الاستخدام. وفي وقت سابق، شدد الزيات في تصريحات خاصة لوكالة الأناضول على الأبعاد السياسية للصفقة والتي تتجاوز الحاجة الملحة لها عسكريا. وقال إن "هناك ثلاثة أسباب ذات بعد سياسي، أولها رغبة مصر في تأييد فرنسا لموقفها من الأزمة الليبية، وثانيها حاجتها لتقديم رسالة لأمريكا أن بإمكانها تنويع مصادر تسليحها، وثالثها الحاجة إلى تحقيق توازن معقول مع إسرائيل فيما يتعلق بقدرات سلاح الجو، خاصة بعد إعلان الولاياتالمتحدةالأمريكية تزويد إسرائيل بطائرات إف - 35، وهي أحدث طائرات في سلاح الجو الأمريكي". هذه الأسباب السياسية التي يرى الزيات أنها دعت مصر للتعاقد على شراء الطائرة رافال، ربما لم يتوفر مثلها لدول أخرى فضلت طائرات أخرى غير الطائرة رافال، لأن سعرها غير تنافسي. وفي وقت سابق رفضت الهند والبرازيل والإمارات شراء الطائرة الفرنسية "رافال"، رغم اهتمامها بالطائرة. ورفضت الإمارات العربية المتحدة في نوفمبر الثاني من عام 2011 شراء الطائرة "رافال " لأسباب اقتصادية، ووصف الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، الطائر بأن "أسعارها غير تنافسية". وقال بن زايد، في تصريحات صحفية حينها، "للأسف يبدو أن شركة داسو المنتجة لرافال لا تدرك أن الإرادة السياسية وكافة الجهود الدبلوماسية لا يمكنها أن تتغلب على الشروط التجارية غير التنافسية وغير القابلة للتطبيق العملي". وحدث نفس الأمر بالنسبة للبرازيل، والتي قررت استبدال الطائرة رافال بالطائرة السويدية "جريبين" في عام 2013 لنفس السبب. وقالت صحيفة "فولها" البرازيلية في 15 ديسمبر الأول 2013، إن العرض الفرنسي ببيع 36 طائرة "رافال" ب 4 مليارات دولار "غير مقبول بسبب السعر"، الذي اعتبر مرتفعا. وتكرر الأمر ذاته مع الهند، والتي رأت أن ما تحتاجه من الطائرة لا يعادل الثمن المقرر لشرائها، فقررت حينها الاستغناء عنها، واستبدالها بالطائرة الروسية " SU-50-PAK". وكان من المقرر في 2009 أن تشتري الهند 36 طائرة رافال بقيمة 8 مليارات دولار، بما يعادل 340 مليون دولار للطائرة الواحدة ، شاملة خدمات الصيانة والتدريب، لكنها فضلت الطائرة الروسية التي تؤدي الأهداف المطلوبة وتباع بسعر أقل. ورغم هذه السيرة المتعثرة للطائرة بسبب سعرها غير التنافسي، إلا أن اللواء المتقاعد في الجيش المصري علاء عز الدين وهو الرئيس السابق لمركز الدراسات الاستراتيجية بالقوات المسلحة، قال إن " ثقتنا في قدرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على المفاوضة في الأسعار وهو ما ظهر بشكل واضح في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، تجعلنا لا نشك في أنه حصل على أفضل سعر، ويضاف إلى ذلك الشروط الميسرة التي أعلن عنها لسداد قيمة الصفقة". ووقعت مصر خلال زيارة وزير الدفاع الفرنسي "جان إيف لو دريان" للقاهرة في 15 فبراير الماضي أول صفقة لشراء طائرات رافال في تاريخ شركة داسو المنتجة لها منذ بدء إنتاجها قبل نحو عقدين، وذلك بقيمة 5.2 مليارات دولار. وقالت صحيفة "ليزيكو" الاقتصادية الفرنسية، يوم 5 فبراير الماضي، أن "قيمة الصفقة، بين 5 - 6 مليارات يورو (بين 5.73 مليار و6.88 مليار دولار)، وستمول شركة "كوفاس" الفرنسية للتأمين على الديون ما يصل إلى 50 % من الصفقة عبر تسهيل ائتماني. فيما قالت مجلة لوبوان الفرنسية إن "الصفقة في حدود 5.3 مليار يورو، شاملة الطائرات والسفينة وتسليحها، دون اعتبار كلفة التأمين الخارجي، بعد أن ضمنت الحكومة الفرنسية نصف مبلغ الصفقة، ويمكن أن تمول شركة (كوفاس) الفرنسية للتأمين على الديون ما يصل إلى 50 % من الصفقة عبر تسهيل ائتماني" وتمول الحكومة المصرية باقي الصفقة من خلال مجموعة من البنوك بما فيها بنك "كريدي أجريكول"، حيث ستدفع مصر 50% من مقدم الاتفاق وتدفع البنوك الباقي، بحسب المجلة. واعتبر عز الدين هذه الشروط الميسرة في السداد كافية لتنفيذ الصفقة من الناحية الاقتصادية، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الحديث في هذا الأمر - رغم أهميته- يتضاءل عندما نتحدث عن المزايا العسكرية والسياسية التي يمكن جنيها من وجود الطائرة في الجيش المصري. وتتمتع الطائرة بقدرات قتالية عالية، فهي متعددة المهام من الجيل "الرابع والنصف"، كما أنها تستطيع حمل 9 أطنان من الأسلحة في 14 نقطة على جسم الطائرة، وتستطيع حمل 6 صواريخ "إي إي إس إم" الفرنسية التي تصل دقة تصويبها إلى 10 أمتار، ويمكنها تأدية مهام على مسافات بعيدة تتجاوز 1500 كيلو متر، وفق تقرير لموقع ديفينز نيوز. وقال عز الدين "عندما يكون عندك طائرة بهذه المزايا، فأنت تكسر احتكار السلاح الأمريكي للجيش المصري، وهذا في حد ذاته ميزه كبيرة". ورفض عز الدين الربط بين الرغبة في امتلاك الطائرة والوضع في لبيبا، مضيفا: "عندما استدعت الضرورة تنفيذ عمليات في ليبيا فعلت ذلك وبالإمكانيات المتوفرة لديها الآن، دون الحاجة لامتلاك الرافال". ولا يملك عز الدين تصورا لاستخدمات الطائرة رافال، طالما أن مصر قادرة على تنفيذ أي عمليات في ليبيا، وهي الجبهة المشتعلة حاليا، بما هو متوفر لديها من طائرات. وأعاد اللواء المتقاعد في الجيش المصري ما قاله الزيات، قائلا: "مجرد امتلاك السلاح يردع العدو حتى لو لم تستخدمه".