ربطت الحكومة الإيفوارية بين الإفراج عن 50 سجينا من الموالين لغباغبو (الرئيس السابق لكوت ديفوار)، وبين "رغبة رئيس الدولة في الذهاب باتجاه المصالحة الوطنية" في وقت يشهد فيه أكبر تنظيم معارض شرخا عميقا خلف انقساما حادا بين جناحين متنافرين. وفي ظل هذا الانقسام، لم تحظ هذه المبادرة الحكومية برضا جميع أطياف المعارضة، لا سيما تلك الممثلة في أكبر أحزابها وأكثرها وزنا، الجبهة الشعبية الايفوارية، المنقسمة في الوقت الراهن الآن إلى معسكرين: المعسكر الموالي للوران غباغبو (الرئيس الايفواري السابق المحتجز في لاهاي، على خلفية الأزمة التي أعقبت انتخابات 2010/2011) ومعسكر حلفاء "آفي نغيسان" (الرئيس المنتهية ولايته للجبهة الشعبية الايفوارية). ففي حين يعيب الموالون ل "نغيسان" على مناصري "غباغبو" تصلب مواقفهم ويتهمونه بالسعي إلى "إثارة القلاقل"، يعتبر الموالون لغباغبو أن الشق المقابل انخرط في "لعبة السلطة" والمهادنة معها. وعلى أساس هذا الانقسام، لا يبدو الحزب الذي كان أسسه "لوران غباغبو" كمن ينطق بكلمة رجل واحد، كما تختلف مقاربة أطيافه المتنازعة لمواقف السلطات في ابيدجان الراغبة - كما تؤكد في تصريحاتها - في "طمأنة الأطراف الداخلية الفاعلة في المشهد السياسي والمراقبين في الخارج"، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في شهر أكتوبر/تشرين الثاني 2015. ففي الوقت الذي اختار فيه الموالون ل "نغيسان" طريق الحوار مع الحكومة، يرفض مناصرو غباغبو –الذين يوصفون بأنه صقور الحزب- أي موقف يذهب في هذا الاتجاه "دون حضور لوران غباغبو" الذي يحاكم أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بتهمة ارتكاب "جرائم ضد الانسانية". في هذا السياق تحديدا، صرح "اندالو بامبا مامادو"، الكاتب العام للجبهة الشعبية الايفوارية والمكلف بالاتصال والتسويق السياسي، الموالي ل"آفي نغيسان"، للأناضول: "بالنسبة لنا، لم نفز بالمعركة بعد، رضانا يعتمد على إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين والوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع". من جانبه، يتهم "لوران اكون"، الكاتب العام السابق للحزب وهو من الموالين ل "غباغبو"، مناصري "نغيسان" بالانخراط في "لعبة السلطة". ويضيف: "لا نستطيع أن نكون القاضي والمتهم في نفس الوقت. منذ يوم 13 سبتمبر 2014، رفضنا هذه اللجنة الانتخابية المستقلة (بدعوى انحيازها للسلطة). كل الذين سينخرطون في هذا التمشي (في إشارة إلى شق آفي نغيسان) لا يمثلون إلا أنفسهم. على آفي أن يتحمل مسؤوليته كاملة. لا ينبغي إعطاء الانطباع على أن كل شيء على ما يرام في البلاد في حين أن ذلك غير صحيح بالمرة". ويعتبر "اكون" إن السلطات تسعى إلى إبراز "نغيسان" في صورة الطرف المهتم بالحوار. وأوضح بشأن ذلك: "نحن طلبنا الحصول على وسيط. وهذا ليس بالأمر المستجد ولكن الحكومة اختارت الدخول في الصراعات. لا يمكنها إصدار الدعوات متى تشاء، إقرار جدول الأعمال وتاريخ الاجتماع والقيام باجتماع دون تقرير كتابي"، وحذر المسؤول قائلا "سنختار الوقت المناسب لمعارضة العملية الجارية". في الصف المقابل، جهة الحكومة، صرح "جويل نغيسان"، الناطق الرئيسي باسم الحزب الحاكم -تجمع الجمهوريين" حزب الرئيس "الحسن واتارا"- للأناضول بأن "إطلاق سراح 50 من الموالين لغباغبو يعكس رغبة رئيس الدولة في تحقيق السلام والمصالحة الوطنية" مع المعارضة. ويذهب المحامي والباحث في العلوم السياسية، "جوليان جيوفري" من جامعة كوكودي (ابيدجان)، في تعليق له على مبادرة الحكومة في هذا الاتجاه بالقول: "لا يمكننا الحديث عن مناورة سياسية من السلطة. جميع الايفواريين يرغبون في السلام والمصالحة الوطنية". وأضاف "جيوفري": "جميع الايفواريين أدركوا الحاجة إلى السلام. انظروا إلى الفنانين ورجال الثقافة، انظروا إلى الناس في المناطق الريفية أو حتى الرياضيين، جميعهم يمثلون فخرا لوطنهم. الطبقة السياسية هي الوحيدة التي تحتاج إلى تحسين صورتها". وكانت كوت ديفوار قد شهدت أزمة سياسية ما بين عامي 2010 و 2011 على خلفية نتائج الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، التي خلفت جدلا كبيرا بعد الحديث عن عمليات تزوير. وأصر كل من المترشحين على أحقيته بالفوز بالانتخابات، بعد أن أقر المجلس الدستوري بانتصار "لوران غباغبو" الرئيس المتخلي، فيما أقرت اللجنة الانتخابية المستقلة والمجتمع الدولي بفوز "الحسن واتارا". وانتهى الصراع باعتقال "لوران غباغبو" في تاريخ 11 أبريل/نيسان 2011، فيما سقطت آخر قلاع الموالين له في 4 ماي/أيار من نفس العام وإعلان المجلس الدستوري بشكل نهائي عن "الحسن واتارا" رئيسا للبلاد، في اليوم ذاته.