تأثير الرئيس الإيفواري السابق "لوران غباغبو"، اخترق قضبان سجنه بمدينة لاهاي بهولندا، مقر المحكمة الجنائية الدولية، ليطال المشهد السياسي في كوت ديفوار، ويخلق الجدل حتى صلب حزبه، الجبهة الشعبية الإيفوارية، أبرز تشكيلات المعارضة. فبين أنصاره المتشبّثين بإطلاق سراحه، ومقاطعة الحياة السياسية، وبين رئيس الحزب (باسكال آفي نغيسان) الذي أثار الجدل أخيرا بتصريحات نارية تؤيّد انخراط المعارضة في الهيئة المستقلة للانتخابات، تنبثق الانقسامات، وتستعر المواجهات بين الشقين.. جدل كشف عن مدى التأثير الذي تحظى به شخصية الرئيس الإيفواري السابق، حتى وهو منزوع الحرية. وفي خضمّ التجاذبات التي تعيش على وقعها الجبهة الشعبية الإيفوارية، في الآونة الأخيرة، على خلفية الانقسامات التي تشهدها بشأن العديد من الملفات السياسية، يعقد الحزب، اليوم السبت، اجتماعا للنظر في مسألة الهيئة المستقلّة للانتخابات، وذلك على خلفية انسحابها من جلسة التصويت لانتخاب أعضاء مكتبها. وكان عدد من قيادات المعارضة في كوت ديفوار انسحبوا، في 5 سبتمبر/ أيلول الجاري، من قاعة التصويت لانتخاب أعضاء مكتب الهيئة المستقلّة للانتخابات، بينهم "آلان دوغو" من الجبهة الشعبية الإيفوارية، و"بيرتن نغوران غانين" من تحالف القوى الديمقراطية (إئتلاف المعارضة، ويضمّ من بين أحزاي أخرى، الجبهة الشعبية)، إضافة إلى كلّ من "لابيه بوني مارسيال، ممثّلا عن مؤتمر الأساقفة الكاثوليك في كوت ديفوار. ورغم انسحاب المعارضة، وبعد أكثر من ثماني ساعات من المناقشات المشحونة ببعض التوتر، انتهت جلسة انتخاب الهيئة، في الجلسة المنعقدة في التاريخ نفسه (5 سبتمبر/ أيلول الجاري)، برئاسة أوغيست ميريمون، بإعلان أسماء الأعضاء الستة الجدد للهيئة. وتم انتخاب "يوسف باكايوكو" رئيسا للهيئة المستقلة للانتخابات، وثلاثة نواب له، هم سورو كونيه وجيرفيه كوليبالي وأوغيست ميريمون، فيما انتخب أندريه زانو غوجونون سكرتيرا، وفكتوار آلي أملان نائبة له، غير أنّ الجبهة الشعبية الإيفوارية، رفضت على لسان رئيسها "آفي نغيسان" وبقية فصائل المعارضة في كوت ديفوار، التشكيلة الجديدة، وطالبوا بالحصول على رئاسة الهيئة كشرط لمشاركتهم في الانتخابات القادمة. ومع احتدام الجدال بين المعارضة والأغلبية الرئاسية (أغلبية الرئيس الإيفواري الحالي الحسن واتارا)، امتدّ فتيل الخلافات إلى مختلف مكوّنات الجبهة الشعبية الإيفوارية، ليطفو شبح الانقسامات إلى السطح، وذلك حين اندلعت الخلافات بين رئيس الحزب (آفي نغيسان) وزملائه، في وقت يقبع فيه "لوران غباغبو" في سجنه بمدينة "لاهاي" في هولندا، بمقتضى مذكّرة اعتقال صادرة بحقّه عن المحكمة الجنائية الدولية، على خلفية ضحايا أزمة ما بعد انتخابات 2010 و2011، والتي أودت بحياة ما لا يقلّ عن 3 آلاف إيفواري، بحسب أرقام الأممالمتحدة. ويواجه "آفي نغيسان" اتّهامات من شقّ من حزبه بالعمل خلسة على محاولة استبعاد محو "غباغبو" من الذاكرة الجماعية في كوت ديفوار، وخصوصا من ذاكرة أنصار الحزب. تهم سعى القيادي المعارض إلى ردّها عنه، عبر تصريحات غطّت مختلف الصحف الإيفوارية، قائلا "إنّه لأمر سخيف ومحزن أن يفكر أحدهم في مثل هذا الأمر، لأنّ طيّ صفحة غباغبو يحتاج إلى ملصقات، وهو - قبل ذلك وبعده- لا يشكّل صفحة، وإنما هو كتاب بأكمله". ردّ لم يفلح في رأب الصدع الحاصل بين كوادر الحزب وقياداته، كما لم يقنع "سيري غوانون"، أحد القيادات السابقة في الحزب، قبل استبعاده منه من قبل "آفي نغيسان". "غوانون" اتّهم الأخير بسعيه نحو "إقامة اتفاق مع الحكومة" (الحالية). وبأسف بالغ، يتابع الرئيس السابق للشباب في الجبهة الشعبية الإيفوارية "كوناتيه نافيغي"، المعركة المندلعة "بين الكبار"، مكتفيا بالتعقيب على الوقائع، للصحافة المحلية، عقب عودته من المنفى (غانا)، في 9 أبريل/ نيسان، حيث قضّى 3 سنوات، بقوله "إنه لأمر محزن أن نرى المبنى الذي شيّده لوران غباغبو في طريقه نحو الانهيار.. الجميع سيتحمّل الخسارة، ولذا لا ينبغي التغاضي عن الهدف المشترك، والمتعلّق بالإفراج عن غباغبو، وغزو السلطة بأسرع ما يمكن". أما بالنسبة للمحلل السياسي الإيفواري " جيفري جوليان كواو"، وهو أيضا رجل قانون، فيرى أنّ المسألة تتعلّق في جوهرها بمعرفة ما إذا كان بإمكان الجبهة الشعبية الإيفوارية تجاوز لوران غباغبو في استراتيجيتها الحالية، أم أنّها ستنخرط في "رقصة مروّعة" قد لا تكون قادرة على إنهائها. وختم المحلّل السياسي حديثه قائلا للأناضول "آفي نغيسان يتطلّع إلى ضمان مشاركة حزبه في اللعبة السياسية، غير أنّ الشقّ المحافظ (في الحزب) يعارضه بشدّة، متمسّكا بمسألة الإفراج عن غباغبو كخط توجيهي للحزب، ولذلك، فمن الطبيعي أن لا تكون الإجابة يسيرة. الجبهة الشعبية ولدت وترعرعت حول شخصية وجاذبية لوران غباغبو السياسية، لذا، فمن الصعب فصل الأخير عن الحزب، لأنّ وعي أنصاره مختزل في حقيقة واحدة وهي أن الجبهة الشعبية الإيفوارية هي لوران غباغبو، ولا شيء غير ذلك".