يُعد لويس عوض واحداً من أشهر مفكري مصر وكُتباها المشهورين في القرن العشرين، فلعوض العديد من المؤلفات والدراسات الفكرية والثقافية التي تُعد من أهم المراجع عن الكثير من الأحداث التي مرت بها مصر. وقد أقام مجلس الأعلى للثقافة في يومي 12 و13 يناير الماضيين، عدة ندوات عن المفكر الكبير بعنوان "لويس عوض معاصراً" وذلك بمنسابة مرور مائة عام على مولده، وأصدر المجلس في نفس الوقت كتيب صغير يحوي ملخص أبحاث قدمها العديد من الكتاب عن عوض يحمل نفس الاسم. لويس عوض وأدب الحياة يقول الكتاب إبراهيم فتحي، في أحد أبحاثه، إن لويس عوض كان من أوائل النقاد العرب الذين عمّقوا مصطلح الحساسية الجديدة، وهو مصطلح يعتبر نقلة في الإبداع الشعري والإبداع عموماً، وكان عوض يدعو في كتاباته لأدب الحياة بدلاً من أدب المجتمع، ومن المرجح أنه كان يقصد بذلك إبداع الذوات الفردية الحية بالفعل، بدلاً من "كليشيهات" صادرة عن نُظم آلية وشعارات جاهزة. فعوض كما يقول فتحي يضع الفرد الحي المُبدع مقابل النظام المتحجر الآلي، ولويس عوض يُعتبر أن مدرسة الأدب الاجتماعي الهادف قد عاثت في أدبنا الجديد فساداً تُسخره لشعارات الكفاح ولشعارات الكِفاح، إلا أنه رغم ذلك فقد واصل عوض متابعة مبدعي الشعر والقصة والرواية بمنهج تنويري تجديدي يصارع آفات الردّة المُتشحة بالدين أو تمجيد قوالب شكلية موروثة. المُقدّس عند لويس عوض تقول الكاتبة أماني فؤاد، في بحثها عن لويس عوض، إنه آمن بالتحديث والحرية، وحمل على عاتقه مسئولية جادة تجاه قضايا التنوير والتبشير بقيم الحرية، وأنه أسهم في منتصف القرن العشرين في "تثوير" كل ما يبدو يقيناً وجاهزاً، وكل ما يبدو قديماً وثابتاً ومُقدساً. وتضيف أماني فؤاد أن لويس عوض الناقد والفكر استطاع أن يستثير ويستفز المجتمع الثقافي ودفعه إلى إعادة النظر وتجديد الأفكار؛ لفهم وتفسير كثير من ظواهر الأدب وقضايا الشأن العام. الصدمة الحضارة يوضح الكاتب حسن عبد ربه المصري، إن القاهرة التي سافر إليها لويس عوض من المنيا حاملاً آماله وأحلامه قد فرضت عليه أن يمر بتجربة تعرّف من خلالها على خبابا الحكومة، ويومها الذي هو بسنة! وأنه عانى الأمرين لمدة ثلاث سنوات يتنقل فيها بين المصالح الحكومية لإنهاء أوراق سفره للخارج، وبعد أن سافر إلى أوربا تعرض عوض للعديد من الصدمات الحضارية الناتجة عن اختلاف الوضع بين مصر وأوروبا. وصُدم عوض بالمعاملة السهلة معه من موظفي الحكومة على عكس مصر، كما صدمه بشدة جدية الشعب الإنجليزي ونشاطه، حتى أنه قال ذات مرة عن الشعب الإنجليزي: "البلد كلها نساء ورجال في انطلاق منذ الصباح الباكر، وليس كحال مصر المليئة بالعاطلين". الهزيمة وإعادة قراءة التاريخ يقول الكاتب شريف يونس، إن هزيمة 1967م، جعلت لويس عوض كغيره من مثقفي عصره في مراجعة رؤيته وأولوياته، ودفعته وهو الذي انشغل طويلاً بقضايا اللغة والأدب والثقافة والسياسة إلى إعادة قراءة تاريخ مصر الحديث. ويؤكد يونس أن عوض قرأ التاريخ المصر الحديث قراءة ليبرالية الاتجاه، مع ميل للإصلاح الاجتماعي. عوض والنقد الثقافي يقول الكاتب عبد الرحمن حجازي، إن كتابات لويس عوض النقدية تمثل ما نسميه اليوم "النقد الثقافي"، وذلك لأن ثقافته تتمثل في إلمامه باللغة العربية واللغات الأوروبية، واطلاعه على الأدب الإنجليزي والفرنسي والثقافة اللاتينية واليونانية في أصولها. وأن عوض يمثل صورة المثقف في عصر التحولات الفكرية التي شهدتها مصر في النصف الثاني من القرن العشرين، كما أنه واحد من المثقفين الذين نشأوا وتربوا وتعلموا وفق المُثل التي أرساها المثقفون الأوائل والأساتذة العظماء كأمثال سلامة موسى وعباس العقاد وطه حسين. شهوة إصلاح العالم يقول الكاتب عبد الرحيم الكردي، إن البيئة التي نشأ فيها لويس عوض، بالإضافة إلى ذكائه الفطري واستعداده الشخصي للتمرد، كان لهم دور كبير في تضخم هذه النزعة الإصلاحية في شخصيته. وقد تجلت صورة شهوة إصلاح العالم عند لويس عوض، في كل ما كتب تقريباً، فهو حسبما يؤكد الكردي، كان يختار شخصياته والجوانب التي يلقي عليها الضوء متوافقة مع نزعته الإصلاحية تلك. عوض والحركة النقدية الحديثة يقول الكاتب عبد الرحمن هلال، إن لويس عوض يُعد واحداً من هؤلاء المفكرين والنقاد العرب الذين أسهموا في تأسي الحركة النقدية المُعاصرة، فهو يمثل مجموعة من القيم والمعانية والأفكار التي أثرت الإبداع المصري. وقد شغلت قضية الصراع بين القديم والجديد فكر لويس عوض، كما يؤكد هلال، وذلك منذ وقت مبكر في حياته، وحسم عوض هذا الصراع بالانتصار للجديد ورفض القديم، كما شغلته أيضاً قضية الصراع بين الشعر التقليدي والشعر الجديد، وفي النهاية قرر عوض أن الشعر مثل الحياة يتغير ويتطور، معلناً تأيده لكل جديد في الحياة. ديمقراطية التعليم والثقافة تقول الكاتبة فريدة النقّاش في بحثها عن لويس عوض، إنه سار على طريق رفاعة الطهطاوي وطه حسين، وكرّس جزءاً أصيلاً من جهده الفكري وإنتاجه لديمقراطية التعليم وديمقراطية الثقافة، فدافع بجسارة عن إلزامية التعليم العام ومجانيته و"علمانيته". ودافع عوض أيضاً عن مبدأ الثقافة خدمة لا سلعة، داعياً الحكومة لنشر الثقافة وتقديمها كخدمة للناس، كما دعا إلى خطة واسعة لتطوير التعليم ومناهجه، وتغذية التلاميذ، والاستفادة من الأمم المتقدمة في هذا الشأن. لويس عوض بين النقد والإبداع "لم يكن الأمر سهلاً، ولا كانت الطرق ممهدة"، هذه ما قاله الكاتب محسن عبد الخالق، في مقدمة بحثه عن لويس عوض، فعوض كما يؤكد سالم رجل متعدد الثقافات، شغل دوائر المثقفين بكتابات لها ملمس الشوك، وآراء أحياناً لها مذاق العلقم. ويقرر سالم أنه برغم خلافه مع بعض أطروحات وأفكار عوض، غير أن ذلك لا يحول دون أن نقف بتقدير أمام ما قدمه هذا المفكر من دور مؤثر في حركة الاستنارة وتكثيف الوعي من خلال إقامته جسراً ثقافياً يربط بين الثقافة العربية والعالمية من خلال محاولاته المنتظمة لرصد الحركة الثقافية خارج حدود مصر. لويس عوض صحفياً يقول الكاتب الصحفي محمد بركات، إنه ما أكثر ما كُتب عن لويس عوض مفكراً وناقداً، لكنه يرى أن الإسهام الصحفي للويس عوض لا يقل قيمة وعمقاً عن إسهاماته في مجالات الفكر والنقد. فلويس عوض الكاتب الصحفي ملأ الدنيا وشغل الناس على امتداد ما يقرب من ثلاثين سنة، وضرب بسهم وافر في ميدان الصحافة، فكان واحداً من الأساتذة الكِبار في مجال المقالة الصحفية في مصر. سلاح الصدمات الكهربائية يقول الكاتب نسيم مجلي، إن لويس عوض إثر عودته من إنجلترا، كان متأثراً بمعايشة المثقفين الأوروبيين، بل ومنحازاً للاشتراكيين منهم بصفة خاصة، وكان مولعاً ب"شيلي" وشعره الثوري، ويترنم بقوله الشهير "تلهبني شهوة إصلاح العالم". وبعد معاهدة 1936م، وتجميد الحركة الوطنية والدستورية، ونشوب الحرب العالمية الثانية، أثرهما في تعميق التناقضات الاجتماعية داخل المجتمع المصري وكشفها على السطح، وفي هذا المناخ العصيب وجد لويس عوض نفسه، فعمد إلى إشاعة مفاهيمه عن الحرية وتغيير العالم في طلبته أثناء شرحه للنصوص الأدبية. ومن هذا يتضح كما يقول مجلي اهتمام لويس عوض تكوين العقلية الشابة الماثلة أمامه على التفكير الحر، فهو يحاول أن يخرجها من عالم الأدب وقيود النص الأدبي على علم الأنثروبولوجيا، أو علم النفس والأدب المقارن، كنوعٍ من الصدمات الكهربائية، مما جعل التقليديين و"الرجعيين" يناصبونه العداء.