على مدار العصور وفي مختلف دول العالم وقعت جرائم تعذيب مختلفة بحق الشعوب، وثبتت تلك الجرائم في صفحات التاريخ. ومن محاكم التفتيش في العصور الوسطى إلى جرائم الاحتلال ومراكز التحقيق العالمية وجهازي الشاباك والموساد الإسرائيليين وجوانتانامو، وبعض أقسام الشرطة ومقار أمن الدولة يسجل التاريخ عمليات تعذيب يندى لها الجبين. خالد شيخ الرجل الثالث في تنظيم القاعدة وقاهر المخابرات الأمريكية "خالد شيخ محمد" وهو كويتي الجنسية وباكستاني الأصل، اعتقلته السلطات الباكستانية بالتنسيق مع القوات الأمريكية في مارس 2003 حتى تم تسليمه وتحويله إلى سجن جوانتنامو والذي لاقى فيه أشد أنواع التعذيب حتى اعترف أنه المسئول الأول عن أحداث 11 سبتمبر بالإضافة إلى التخطيط لحوالي 29 عملية جهادية. وواجه خالد شيخ محمد، تهما منها التخطيط لهجمات 11 سبتمبر بالإضافة إلى الهجوم على النادي الليلي بجزيرة بالي الاندونيسية والمشاركة في هجمات أخرى وقعت عام 1993 على مركز التجارة العالمي، والتي اتهم بها ابن شقيقه واعتقل على إثرها عام 1996. ولم ينجح المحققون الأمريكان في انتزاع أي اعتراف من خالد شيخ بعد أكثر من 180حالة إيهام بالغرق، فقد كشف كتاب "إجراءات صعبة" والذي أصدره المدير السابق للجهاز الوطني للعمليات العسكرية التابع ل"CIA" والذي أشرف على التحقيق مع خالد شيخ وغيره عن أساليب التعذيب في وكالة الاستخبارات الأمريكية، أنه تم حرمانه من النوم والإبقاء عليه يقظا لمدة 180 ساعة وهو ما أجبره على الاعتراف. وأكد رودريجير مؤلف الكتاب إنه "حتى وسيلة التعذيب بالماء لم تفلح معه، ولم تروعه الوسيلة الوحيدة التي أفلحت معه، كانت هي حرمانه من النوم"، بالإضافة إلى الكثير من الأساليب التي أثبتت فشلها منها تجريده من ملابسه وتعريته وإجباره على الوقوف داخل الزنزانة والاكتفاء بتغذيته بسوائل بروتينية وإجباره على ارتداء حفاضات والتي فشلت جميعها في انتزاع أية معلومات منه. سيد بلال "شهيد التعذيب" كما يلقبه الكثيرون شاب سكندري ضحية مصرية للتعذيب حتى الموت في مقار أجهزة الأمن أثناء تحقيقات قضية انفجار كنيسة القديسين الذي وقع مع الساعات الأولى لعام 2011، ولقي حتفه مساء الخميس 6 يناير بعد يوم واحد من القبض عليه بسبب انتماؤه للتيار السلفي. و"بلال" من مواليد عام 1981 وأب لطفل، تعرض للاعتقال مرة عام 2006، وفي قضية القديسين اتصل به أحد الضباط للحضور إلى مقر أمن الدولة واستجوابه في قضية ما، ثم اصطحبه أفراد إلى منزله حيث تم تفتيشه وبعثرت محتويات شقته، وبعد ذلك بيوم واحد فؤجى أهله باتصال من مركز "زقيلح الطبي" يفيدهم بوفاة ابنهم، وضرورة الحضور لاستلام جثمانه. وكان جسد بلال به جروح ثاقبة وسحجات بكل جسده، وجاء في تقرير الطب الشرعي إن "بلال لقي مصرعه متأثرا بإصابة في الرأس مما أدي إلي نزيف بالمخ بالإضافة إلى وجود انسكابات دموية تكدمية بعضلات القفص الصدري تمتد من الضلع الرابع الأيسر حتى الأخير والرئتين محتقنتين مع وجود كدمات بالفص السفلي للرئة اليمني". قضايا تعذيب تم الحكم بها في نوفمبر 2006 أمر أحد ضباط الشرطة إلقاء القبض على سائق ما في حي بولاق، الضحية "عماد الكبير" والجاني نقيب الشرطة إسلام نبيه والمكان قسم بولاق الدكرور. تبدأ القضية داخل القسم حيث التعدي على "الكبير" بالضرب والشتائم ثم وصول الأمر إلى الاعتداء الجنسي وهتك العرض. القضية افتضحت بعد تصوير عملية تعذيب"الكبير"، ونشر المقطع على موقع "يوتيوب" وهو المقطع الذي سرعان من انتشر وتناوله النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان وبدأ التحقيق في القضية، وتحديد الضابط الجاني ومحاكمته. خالد سعيد ومن أبرز ضحايا التعذيب المصريين "شهيد الطوارئ" ومفجر الثورة خالد سعيد الشاب السكندري الذي لقى مصرعه في السادس من يونيو لعام 2010 بعد تعرضه للضرب المبرح على يدي اثنين من أفراد الشرطة بالإسكندرية، بعدما رفض أن يتم تفتيشه دون مبرر إلا إنهما اصطحباه إلى إحدى العمارات المجاورة وضرباه حتى الموت. وكان مقتل سعيد شرارة أشعلت الغضب في مصر وأثارت ردود فعل عالمية من منظمات حقوق الإنسان، وتم تنظيم عدد من الوقفات الاحتجاجية في الإسكندرية والقاهرة تحت شعار "كلنا خالد سعيد" كما حملت صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" نفس الاسم" وتوالت الدعوات للوقفات الاحتجاجية، وتلاها الدعوة للتظاهر في 25 يناير. القضيتان تم الحكم بهما، وإن كان الحكم غير كاف بالنسبة للبعض، فقد تم الحكم على النقيب إسلام نبيه بالسحن لمدة ثلاث سنوات، إلا إنه خرج بعد ثلاثة أرباع المدة، وبعدها تم تحويل الكبير إلى نيابة أمن الدولة طوارئ لاتهامه بترويع المواطنين وحيازة أسلحة نارية، والحكم في قضية خالد سعيد بالسجن المشدد عشر سنوات لكلا المتهمين. تعذيب نفسي وثمة نوع آخر قد لا يكون تعذيبا مباشرا إلا إن له تأثيراته السلبية وهو الحبس الاحيتاطي وهو ما أجبر عدد من المعتقلين على الخوض في معركة الأمعاء الخاوية أبرزهم عبد الله الشامي مصور قناة الجزيرة الإخبارية، والذي نجح في استرداد حريته والآخر الذي يصارع الموت حاليا هو محمد سلطان الذي شارف على إتمام عام كامل مضربا عن الطعام من أجل إطلاق سراحه. وكان سلطان قد تم القبض عليه من منزله هو وعدد من زملائه في أغسطس 2013 بدلا من والده الدكتور صلاح سلطان، ويعاني سلطان الابن من العديد من الجلطات بالإضافة إلى إصابته في إحدى ذراعيه خلال عملية فض اعتصام رابعة، إلا أن حالته الصحية الآن في انهيار مستمر، فكثيرا ما يضرب عن المحاليل الطبية ويرفضها وهو ما يؤثر عليه سلبا، مع تأكيده وأسرته أنه لا تنازل عن فكرة الإضراب حتى يخلى سبيله. وإن كان الحكم غير مرض أحيانا إلا أن الكثير من قضايا التعذيب لم يتم إثباتها أو الحكم فيها واستعادة حقوق ضحاياها، وهو ما اعتبره عدد من الحقوقيين أنه جريمة لا تسقط بالتقادم مهما طال أمدها، وهو ما ينص عليه الدستور الحالي، وأنه للنيابة العامة أن تحقق في كل جرائم التعذيب وتتخذ الإجراءات. جريمة لا تسقط بالتقادم ومن جانبه، قال أسعد هيكل منسق لجنة الحريات بنقابة المحامين، إن جريمة التعذيب لا تسقط بالتقادم ولا يجري عليها قانون الإجراءات الجنائية، مضيفا إنه "يجوز للنيابة العامة أن تحرك تحقيقا في أي وقت مهما مضى الوقت عليها، كما يحق للمضرور سواء كان متوفيا أو على قيد الحياة أن يقيم دعوى تعويض تجاه الجهات التي مارست تعذيبا بحقه. ووفقا لهيكل "يحق لكل ضحايا التعذيب سواء من أيام حكم عبد الناصر أو معتقلي جوانتانامو أو أي فترة وقعت تلك الجريمة بحقه أن يحرك دعوى لاسترداد حقه"، مضيفا أن هناك تعديلات طرحها المجلس القومي لحقوق الإنسان في هذا الصدد على قانون الإجراءات الجنائية بتشديد العقوبة وحفظ حقوق الضحايا وينبغي البت في هذه الاقتراحات. وأكد أن التعويض على فترة الحبس الاحتياطي يختلف عن التعويض في قضايا الانتهاكات الجسدية والتعذيب والتي نص عليها الدستور المصري إلا إنها تحتاج لنص قانون لتفعليها لكن المحبوس احتياطيان لا يستطيع أن يطلب تعويض عن فترة حبسه إلا إذا قضي ببراءته مما نسب إليه من اتهامات. انتهاكات لا تزال موجودة وقال مينا ثابت الناشط الحقوقي أن الأزمة في قضية التعذيب هي قصور تعريفها، فقانون العقوبات يحددها بأنها خاصة بتعذيب الضباط أو المحققين لاستخراج اعترافات من المتهمين، مضيفا أنه وفقا لنص مادة اتفاقية مناهضة التعذيب التي وضعتها الأممالمتحدة في الثمانينات من القرن الماضي، تحدد التعذيب بأنه أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد ،جسديا كان أم عقليا،يلحق عمدا بشخص. وأضاف أن هذا التعريف غير موجود في نصوص القانون المصري رغم إقراره في الدستور، مضيفا إنه ما زالت تلك الممارسات والانتهاكات والتعذيب مستمرة في أجهزة الشرطة وأفراد السلطات التنفيذية مخالفة للنص الدستوري الذي تم التصويت عليه وإقراره من قبل الشعب. وتابع، التعذيب لا يعني فقط الانتهاكات الجسدية والنفسية بل هو أي معاملة قاسية تحط من كرامة الفرد أو تتسبب في إذلاله وكلها جرائم، مضيفا إنه ينبغي على البرلمان المقبل أن يدخل تعديلات على قانون العقوبات، أو حتى يستحدث قانونا آخر يضع فيه التعريف الدولي للتعذيب. وأوضح أن النص الدستوري موجود لكن على البرلمان القادم أن يضع قانونا يبين فيه كل ما يندرج تحت مسمى التعذيب لكي يقيد تلك الجريمة ويحجم أي مسلك قد يستخدمه القائم بالتعذيب، بالإضافة إلى تغليظ العقوبات سواء بالسجن أو فقدان الوظيفة وألا تقتصر العقوبة فقط على التعويض المادي. كما أضاف إنه يجب وضع آلية من خلالها يستطيع أي شخص تعرض للتعذيب أن يتقدم للجهات المعنية بشكوى يتم البت فيها واتخاذ قرار بشأنها وحمايته من أي ضرر قد يصيبه جراءها. اقرأ فى الملف " التعذيب.. جريمة الأنظمة القمعية" * " للكبار فقط" .. أقسي وأبشع أدوات التعذيب على مر التاريخ (صور) * استجوابات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.. تحقيقات أم إرهاب؟ * حقوقيون ل«محيط»: يجب أن نعرف حقيقة مشاركة مصر في عمليات تعذيب ال«سي آي إيه» * روسيا تستغل تقرير ال «CIA» لضرب أمريكا.. والصحف ترفع الحرج عن العرب ** بداية الملف