يرى عبد الرحيم الكردى أن جميع تصوراتنا النقدية إن هى إلا حقول اختبار متهجى ومعرفي لتحسين وعينا بالنصوص والواقع والعالم، وهذا ما تقودنا إليه الروائية أحلام مستغانمي عبر نص يدفع بنا عبر أصقاع إبداعية تدور فى ممكنات التاريخ ومتاهات السياسة ومستشرفات المستقبل .. ومستغانمي تأتي هنا متكئة علي تفاصيل من فسيفساء الجمال الحي، التي توهمت بطلتها إنها قادرة على لمسها والقبض عليها وامتلاكها وارتشاف قطراتها، أرادت عن طريق هالة البطلة، أن تنهله بكل مشتهياته من شهرة وموسيقى وصوت عذب مصفي . تغلفه أجواء أرستقراطية، يوم رآها البطل لأول مرة في ذلك البرنامج، هشة وقوية، متمنعة وشهية، امرأة بأخلاق رجالية، تتحدى القتلة .. وتأبى الجلوس إلى طاولة اللصوص، تجار الدين والسياسة، تمناها امرأة يمكن أن يأتمنها على ضعفه .. يحكي لها ما لم يقله لامرأة لم يشتهيها . اشتهى أن يكون لها نصاً مغلقاً، وتكون له نصاً إبداعيا مفتوحاً .. وكما تدفعنا كافة النظريات النقدية حال اشتغالها المنهجي على النصوص الإبداعية، بدأ البطل يبدع علاقته مع نصه ، متحاشياً أن يطلعها على نقاط ضعفه .. وليقينه أن النصوص متمردة بطبعها منفتحة صوب مستقبل جمالي ومعرفي، بدأ يتأهب لخوض غمار صفقة بوسائله . .. فى ذروة خطر – الثراء – الذى لم تختبر خطراً مثله، وحسبته عوضا عن حياة قاتمة يضغط عليها الجهل والإرهاب، وجاء المخلص، " فارس من الزمن المعاصر يحب تدليل فريسته لأنه في كل ما يفعل يدلل نفسه أولاً وفي كل قانون يضعه يضمن البند الأول أن يكون هو السيد الأحد .. لقد اقتحمتها الرغبة كما اقتحم البطل الفينيقي كونها . ليغير مسار دورانها . هذا الخطر اعتبرته نكتة بالنسبة إلى فتاة كانت تخاطر بحياتها أيام الإرهابيين كي تحافظ على دخلها الزهيد من التدريس .. هذا الرجل الذي يرقص علي حلبة الحياة، علي يديه تحول الحب بين الطرفين إلى نزال صاخب رغم صمته، يتحين فيه كل طرف فرصة إجهاد غريمه وإخضاعه لشروطه وقانون لعبته .. هو الذي يجيد لعبته وجد فيها أيقونة صالحة لملء فراغات التفاصيل العامرة بزخم صفقاته، لتخفيف الضغوط وتجديد ثقته فى إبداع ذكائه، ورغم وعيها بهذا الدور فقد اندفعت لأدائه كما تؤدي رقصتها معه بحركات -2- أنيقة خفيفة متناغمة، وبعد الرقص تعذر عليها المشي عبر طريق ليس طريقها، بل وجدت نفسها وسط إعصار يحملها وشعرت بأن لا امرأة عاشت حلما خرافياً كالذي تعيشه .. ها هي تنجرف نحو مجرة أضاءت ببريق المال والثراء الفاحش ومهد لقلبها طريقاً خطراً . قلبها الذي لاقي من الأحزان ما يكفي للإجهاز عليه .. فالأب الذي أحبت صوته وموسيقاه قتل، والأخ وجهها الأخر ومعنى حياتها الحقيقي، والذي تبحث عنه عبر رحلتها مع الحياة والفن، وظلت تبكيه وتغنيه بعدما أغتاله التطرف، واغتال معه أفراح كان من حق قلبها أن يغتسل بها من هموم السياسة، وجاءها الفارس منساباً نحو جدولها فحرك ماء الحياة الراكد .. أمام حضوره لم يعد لتحديها أي معني بعد اندفاعها للقاء به بعد قطيعة فى مدينة ليالى الأنس ( فينا )، والتي تحولت فى نهاية الزيارة إلى مدينة بؤس، ها هو يجبرها على أن تعي أن الوجهاء لا يتحدثون كثيراً .. حتى كلماته يزنها كجواهر نادرة، يعرضها علي قطيفة . محض كلمات للمجاملة، ولا مناص للفريسة التى توهمها من التسليم بعد إفساد خطة المناورة، هالة لم تكن فقيرة قبل أن يشرع أمامها أبواب ثراءه فلم يدهشها الثراء، وهو يوحى لها بعالم لا وجود له .. هذا السيد الفينيقي وهذه المرأة التي تدافع بصلابة عن قلاعها ، قد حسبها فقيرة .. هشة، أدركت أن بطلها صعد بها إلي قصر شونبرون فى العاصمة النمساوية، والذى شيد فى ضخامة كاتدرائية تناطح السماء محاولة منه لردها إلى نفسها مسخاً مشوهاً .. " استنتجت فى ساعتين ما تعلمته فى عمر . أنها ابنة الجبال، وأدركت أن الفخامة التى تشوهنا تجعلنا غرباء عن أنفسنا ... " ها هى قبضت بكلتا يديها علي قرارها، لحظة هبوب العاصفة، الذى اختارها البطل أن تكون علاقته مع الحياة " عاصفة " وقت هبوبها انطلقت الكلمات كالرصاصة التى ما إن تنطلق لا تسترد، راح يطلق عليها وابل رصاصه كيفما اتفق .. خرجت بدون دموع لأنها لم تهزم .. فسيد قراره لا يهزم .. واستقرت ما بقى لها من ساعات فى فندق فقير، ليتأكد لها عند الانصراف أن بطلها لا يزال أسير منطقه واستراتيجيته البلهاء فى الحكم على النصوص والنساء .. فصرير دنانيره وحفيف دولاراته هى اللحن الوحيد الذى يفهمه .. ولكن لحنها الجبلي .. وعزف نايها كان يرد عليه بأبدع صوت وأجذل عبارة للنا س جميعا، وهى تغني ... " ارقص كما لو أن لا أحد يراك .. غن كما لو أن لا أحد يسمعك .. أحب كما لو أن لا أحد سبق أن جرحك "