لم تكن رياح التغيير الهابة من بوركينافاسو مطيحة بالرئيس السابق "بليز كمباوري" لتمر دون أن أن تدغدغ آمال الكتلات السياسية المعارضة في أكثر من دولة إفريقية التي ضاقت ذرعا بمحاولات الأغلبيات الحاكمة "العبث" بدساتير البلاد في سبيل إطالة أمد حكمها. ذاك هو الشأن في الكونغو برازافيل، حيث تعالت أصوات المعارضة رافضة كل محاولة لتنقيح دستوري تفتح بموجبه الأبواب للرئيس "دنيس ساسو نغيسو" للترشح لنيابة رئاسية ثالثة. ولا تعطي المادة 57 من الدستور الكونغولي الحق لرئيس الجمهورية في تجديد ترشحه لأكثر من ولاية ثانية مدتها 7 سنوات، فيما تمنع المادتان 185 و 58 أية مراجعة لعدد الولايات الرئاسية بالنسبة للأولى وتحديد سن المترشح (70 عاما كأقصى حد مسموح به وقت انتخاب الرئيس) فيما يخص الثانية. وعلى ضوء هذه التدابير التي تمنع "نغيسو"، البالغ من العمر حاليا 71 عاما، من الترشح لولاية رئاسية ثالثة عام 2016، أشرف القادة السياسيون للأغلبية الحاكمة على مدى أشهر في حملة منظمة مكتملة الملامح تم خلالها تسخير جميع المنابر الإعلامية والسياسية لإدخال تنقيحات على دستور 20 يناير/كانون الثاني 2002 بما يسمح ضمنا لنغيسو بالترشح مجددا، وإن كان بدعوى أنه "لم يعد متطابقا مع الواقع بعد أن مضى عليه أكثر من عقد من الزمن"، كما برر ذلك "جون فرانسوا كاندو"، أحد قياديي "حزب العمل الكونغولي"، الحزب الحاكم في تصريح للاناضول. في الجهة المقابلة، تعتمد المعارضة على الترددات التي يمكن أن يحدثها زلزال سقوط "بليز كمباوري" في المنطقة بأسرها، علها تثني مطامع القائمين على السلطة، في البقاء فيها عبر الالتجاء إلى أكثر الطرق التواء، لا سيما وأن سقوط الرئيس البوركيني بات يشكل منعطفا في المسارات السياسية والاجتماعية لدول القارة. "جون فيليكس ديمبا"، نائب رئيس حزب "باد" (الحزب من أجل التغيير الديمقراطي) المعارض اعتبر أنه "وإن كانت الأوضاع في البلدين (بوركينافاسووالكونغو) ليست متطابقة بشكل جلي، فإن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج، ينبغي أن يقع احترام الدستور"، على حد قوله. "جورج نغيلا: الخبير السياسي ورئيس فرع "المرصد الكونوغلي لحقوق الإنسان"، أبدى من جهته موقفا أكثر احترازا حين حذر في حديث للأناضول من أن "الوضع في بوركينافاسو من شأنه أن يدفع من يسعون إلى تنقيح دستور البلاد، إلى التفكير عميقا قبل الإقدام على هذه الخطوة". ومن بين الطبقة المثقفة في الكونغو برازافيل هناك من يتبنون صراحة مواقف مساندة لتنقيح الدستور، كما الحال مع "فورتوني آمفا"، الناشط في المجال الأدبي الذي استبعد أي وجه للمقارنة بين بوركينافاسووالكونغو معربا عن مساندته للتنقيح الدستوري. من جانبه، اعلن الحزب الحاكم "حزب العمل الكونغولي" يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عبر بيان وقعه الناطق باسم الحزب ، "ميشال أودزوكي" في إطار الحملة التي يقودها لتنقيح الدستور، عن تشكيل "فريق عمل مكلف بدراسة الموضوع، عبر سبر آراء السكان"، وفي سعي إلى إخماد الانتقادات والتململ الذي لقيه مشروع تنقيح الدستور وفي محاولة منه لتنسيب الأمور ، أكد الناطق بإسم الحكومة المتقلد في ذات الوقت لمنصب وزير الاتصال على أن "مكاتب المؤسسات الدستورية بما في ذلك الحكومة لم يتخذوا بعد قرارا قاطعا بخصوص مراجة الدستور"، مشيرا إلى أن التصريحات التي أدلى بها بعض أعضاء الحكومة أو بعض المسؤلين في مؤسسات الدولة، كانت "ذات طابع فردي". وإن لم يقع اعتماد أي سبر رسمي للآراء بخصوص مسالة مراجعة الدستور، فإن أطيافا واسعة من الكونغوليين، تعارض هذه الخطوة التي تهدف بالدرجة الأولى والأخيرة إلى فتح الطريق أمام رئيس البلاد إلى الترشح لولاية رئاسية ثالثة وهو الذي يقبع على سدة الحكم منذ 30 عاما (على فترتين: من 1979 إلى 1992 ثم من 1997 إلى الآن بعد تعديل سابق للدستور). وكان من المفترض على "دنيس ساسو نغيسو" أن يتخلى عن منصبه بحلول عام 2016 بموجب دستور 20 يناير/كانون الثاني 2020، بعد أن كان عاد إلى الساحة السياسية عام 1997 في أعقاب الحرب الاهلية التي عصفت بالبلاد. الدستور الحالي كان عوض نسخة 1992 ووقع اعتماده على إثر استفتاء وطني شاركت فيه جميع أطياف الشعب.