زعيمان احتلا عرش أفريقيا في السنوات الأربعين الماضية ، ظلا يناضلان ضد الظلم والغرب والرجعية الأول منهم وهمي عاش في أوهام صنعها بنفسه وساعده فيها أبناؤه وعشيرته وبطانته الفاسدين ، بينما صنع الثاني نضال حقيقي وتم اعتقاله 25 عاما في زنزانة في جزيرة نائية أسفل القارة الأفريقية . الأول شاهده العالم يضرب وسحل والدماء تغطي وجهة حتى أطلقت عليه رصاصة الرحمة من مسدسه الذهبي ، بينما يعيش الثاني يحتفي به العالم كل عام ويلقي ترحيبا في المحافل الدولية ويتباهي به أبناء شعبه أينما ذهبوا في أي رقعة في العالم . فرق كبير بين الزعيم الأفريقي نلسون مانديلا الزعيم الجنوب أفريقي والزعيم الوهمي معمر القذافي ، فرق بين زعيم خرج من محبسه في فبراير عام 1990 ليحمل فوق الأعناق ويصبح أول رئيس لجنوب أفريقيا من أصل أفريقيا بعد القضاء علي التمييز العنصري في أول انتخابات أجريت عام 1993 ، ويتنازل عن الحكم والسلطة بمحض إرادته عام 2000 بينما يطلب منه شعبه الاستمرار ، وعندما أصر، احترم الجميع رغبته وأصبح التداول السلمي للسلطة قوة مضافة لبلاد الذهب. حينما كان نيلسون مانديلا في السجن عام 1964 بتهمة التخطيط لعمل مسلح والخيانة العظمى حكم عليه بالسجن مدى الحياة ،وأفرج عنه بعد خمس سنوات ، كان القذافي يخطط للانقلاب علي الشرعية والدستورية ضد الملك السنوسي ، وحدث بالفعل عام 1969 وشجعه العالم العربي والرئيس عبد الناصر وقتها للقضاء علي الملكية والرجعية ، لكن شهوة الحكم التي رفضها مانديلا ، جعلت من القذافي عبدا ذلولا للحكم ، ودخلت ليبيا في ظلمات الجهل والقبلية . جنت جنوب أفريقيا الكثير من التقدم والرخاء وتعاون الأسود والأبيض لخدمة بلادهم ، و أصبحت جنوب أفريقيا بالفعل قطعة من أوروبا أسفل القارة الأفريقية، رغم بعدها عن الإشعاع الحضاري للغرب ، بينما انغمست ليبيا في جهل القذافي وعاشت علي بقعة النفط السوداء ولولاها لعاشت في مجاعة رغم التصاقها بالإشعاع الحضاري للغرب . يحتفي أهل جنوب أفريقيا ب'ماديبا' Madiba وتعني 'العظيم المبجل كما يحب أهل عشيرته ندائه يوم ميلاده (18 يوليو 1918) من كل عام وتنظم مسيرة من منزله حتى الزنزانة التي سجن بها طيلة الثماني والعشرون عام ،بينما ظل الليبيون وأكثر من مليار مسلم يتسائلون عن كيفية ومكان دفن القذافي بعد أن قتل أكثر من ثلاثون الف من أهله وعشيرته . رغم ذلك هناك تشابه كبير بين الاثنين فقد ولد مانديلا في كوخ صغير من أغصان الأشجار في قرية صغيرة تدعى ميزو Mvezo"" في منطقة "ترانسكاي" ، بينما ولد القذافي في بادية الصحراء في "سرت" حينما كانت صحراء جرداء تعيش علي رعي الإبل والماعز. أعجب الاثنين بالزعيم جمال عبد الناصر وحينما زار مانديلا مصر عام 1969 التقي به وقال في كتابه السيرة الذاتية لمانديلا " كنا نفتخر بعبد الناصر فقد كان اسمر اللون ورغم ذلك حقق إصلاح زراعي ونهضة صناعية وبني جيش حديث " ، وفي نفس العام قام القذافي بالانقلاب وأعلن ولائه لناصر ضد الامبريالية الاستعمارية للغرب ووضع القوات الليبية تحت تصرف مصر ، لكنه سرعان ما أصبح يطارد بأنه مقلد لعبد الناصر ونسخة مزيفة لم يحقق أحلام شعبه بعد أن تحول لديكتاتور ليبيا وحكمها 42 عاما . يستريح مانديلا وتقام له التماثيل تخليدا له في حياته ويحاضر في جامعات العالم الكبرى وأصبح سفيرا للنوايا الحسنة في الأممالمتحدة وحصل علي نوبل للسلام عام 1993 بينما حطمت تماثيل القذافي وقتلة وشردت أسرته، والغي تاريخه الوهمي في الصراع من عقول الليبيين وتم استبداله بتاريخ دموي لم تشهده أفريقيا إلا في المذابح الجماعية .