بحضور حشد من الدبلوماسيين، والمثقفين، والمعنيين بالشأن السياسى و التراثى ، استضاف المنتدى التراثى لمعهد المخطوطات العربية، الدكتور رضوان السيد، الباحث فى الفكر السياسى والإسلامى للحديث عن النص التراثى السياسى، مقاربة لطرائق الفهم والتعامل خاصة. و قال د. فيصل الحفيان مدير المعهد فى كلمته أن النص التراثى السياسى يحتاج للمزيد من الجهد لأنه لم يتطرق إليه إلا القليلون ، و به مساحات كثيرة غير مطروقة ، و لذلك كانت انطلاقة المنتدى مع د. رضوان السيد . و فى حديثه قال د. رضوان السيد أنه كرس ثلاثون عاما من حياته للنص التراثى السياسى ، كتب فيها 9 مؤلفات فى هذا الشأن ، و استعرض السيد فى محاضرته " نموذج تعامل الإسلاميين مع نص الخلافة من حسن البنا إلى أبو بكر البغدادى " ، متحدثا عن بداية فكرة الخلافة ، و علاقة الدين بالدولة . تطور فكر الخلافة تنقل المفكر من خلافة الخلفاء الراشدين ، إلى خلافة الدولة العثمانية ، التى تعرضت للاحتلال الروسى ، و فى عام 1774 ، أعلن الروس قصر سلطة الخليفة على الشئون الدينية ك " البابا " فى الديانة المسيحية . و تحدث أن الملك فؤاد الذى اتهموه باستجلاب الخلافة إلى مصر ، ما كان يطمع سوى بتوسيع سلطاته ، و فى 1915 ظهر لقب سلطان لأول مرة فى مصر عندما استقلت عن الدولة العثمانية . و نفى السيد صحة مقولة الإمام الماوردى بأن الخلافة قائمة على العقل و الشرع ، مشيرا أن الخلافة قائمة على الإجماع ، و أن الخلافة ليست سوى صيغة للسلطة بالإسلام . كما أخذ على الإمام الغزالى مقولته " حراسة الدين جزء من سياسة الدنيا " ، و التى تؤدى لتداخل الدين بالسياسة. أما عن أول تنظيم لدعم الخلافة ، فقال السيد أنه تشكل فى الحرب العالمية الأولى بالهند ، و أعدوا نفسهم تابعين للعثمانيين ، و تعاون معهم غاندى وقتها لمناهضة الاحتلال ، و نفس هذا التنظيم بعد ذلك هو من أدى لانفصال الهند ، و تكوين دولة باكستان لعدم قبولهم بسلطة غير إسلامية . و بعد فشل الإصلاحيين المسلمين فى العشرينات ، سيطرت الحركات الأصولية ، و طالب " حزب التحرير" بعد زوال الخلافة العثمانية فى الأربعينات و الخمسينات بتطبيق الخلافة بمفهومها القديم . و فى مصر تأثر على عبد الرازق ،و محب الدين الخطيب ،و محمد رشيد رضا بأفكار حسن البنا عن الخلافة ، و الست مراحل لتحقيقها ، و أعدوا الشريعة نظام كامل ، و القرآن هو الدستور ، و قال محمد رشيد رضا أن الخلافة ليست ركن من أركان الدين و لكنها رمز للإسلام فينبغى التمسك بها . و لفت رضوان السيد أن حركات الهوية الإسلامية لم تكن تتحدث عن الخلافة ، و لكنها كانت تطالب بإقامة الدولة الإسلامية ، و كانت ترى أن هذا لن يتحقق سوى باستيلاء التنظيم على السلطة . و مع تحول المفاهيم ، حولوا مفهوم السلطة فى الإسلام إلى ركن من أركان الدين " الفريضة الغائبة " أشبه بالإمامة لدى الشيعة. وتابع رضوان السيد قائلا : فى السبعينات تصدر فكر سيد قطب الإنقلابى " الفكر الجهادى " لتطبيق الدولة الإسلامية ،و ما ساعد على ذلك انفجار السلفية السعودية المعارضة للخلافة ، و تمردهم على هذا الفكر بعد تأثرهم بالأخوان ، فكان التفكير الجهادى نتاج التقاء الفكر الأخوانى مع السلفى ، و انتقلت السلفية السعودية لدول عربية اخرى تطالب بسقوط الدولة الخائنة للإسلام بالجهاد . و قال الباحث أنهم كانوا يتجهون لباكستان للجهاد من أجل إقامة الإسلام ، و هذا لم يزعج السلطات ، بل شجعوه بشكل غير مباشر للتخلص منهم ، و أفرجوا عنهم من السجون و أرسلوهم . كما تحدث عن لقائه بخامنئى إيران و تطبيقهم لأفكار سيد قطب و الدولة الإسلامية . و مكمن الخطر الأكبر حسبما قال رضوان السيد هو ظهور جماعات كبيرة من الفقهاء و المثقفين داعين إلى إقامة الشريعة كدعوة لإقامة القانون ، و منهم دعوة أحمد شوقى إلى الخلافة فى شعره . إسلام جديد " نحن أمام إسلام جديد ليس فى جهاديته و عنفه فقط، بل فى تحولاته السياسية " هكذا قال السيد ، واصفا هذا الإسلام الجديد ب " الإسلام القاتل " ، و أن أبو بكر البغدادى لا يملك فهم الإسلام التقليدى عند السلفيين الأوائل . و اكد رضوان السيد أن المسلمين فشلوا فى إقامة دولة صالحة حديثة ، و أن النفس القليل الذى حصلنا عليه فى 2011 و ثورات الربيع العربى ، اختنق الآن هذا النفس . و أضاف قائلا : لا يملك الإسلام إقامة نظاما سياسا ودولة حديثة ، فالدين معصوم و السياسة ليست كذلك ، و الدين أبدا لن يكون " دينا و دولة " . و طالب رضوان السيد فى نهاية حديثه بإخراج الدين من بطن الدولة صونا للدين و الدولة معا ، كما دعا لإخراج الدولة من بطن الدين ، و هذا ما حققته أوروبا لتتقدم .