دعا إسرائيل لاجتياح لبنان وقتل الفلسطينيين! أثار جدلاً حين دعا للكتابة باللغة اللاتينية ووصف العربية بال"كرخانة" غنت له فيروز ونعته ماجدة الرومي ووصفه محبيه بأنه "المُعلم" "الحياةُ العزمُ ، حتى إذا أنا انتهيتُ تَوَلّى القَبرُ عزمي من بَعدي" هكذا كان يقول الشاعر سعيد عقل الذي غيبه الموت أمس الجمعة عن عمر يناهز 102 عاما بمنزله بالعاصمة اللبنانيةبيروت، وتَقَرر تشييع الشاعر الثلاثاء المقبل في كنيسة مار جرجس بوسط بيروت. وصفه البعض بأنه: "لا يحده حد. لا في مكان ولا في زمان. انه الشاعر الشاعر، لا يرضى بأن يكون الأكبر أو أمير الشعر! انه المعلم، وكل مبدع خلاق يرى أنه تلميذ له". عقل شاعر وكاتب وفيلسوف لبنانى من مواليد مدينة زحلة بالبقاع اللبنانى عام 1912 ولقب بالشاعر الصغير ويعتبر سعيد عقل من أكبر دعاة القومية اللبنانية وقد ساهم بشكل كبير فى وضع إطار فلسفى لها ولفكرها الأيديولوجى من خلال التركيز على "الخاصية اللبنانية". حيث إنه بسنة 1972 كان من مؤسسى حزب "التجدد اللبنانى" كما كان يعتبر الأب الروحى لحزب "حراس الأرز" الذى يتزعمه إتيان صقر. كان الراحل يردد قول فيلسوف كبير، بأنه عندما يزول كل شيء من الدنيا يبقى الشعر". من أهم كتاباته كتاب "لبنان ان حكى" الذى أصدره عام 1960 و"يارا" فى العام الذى يليه وآخرها "الذهب" قصائد باللغة الفرنسية عام 1981. وغنت له فيروز عديد من القصائد والأغاني، أشهرها "زهرة المدائن" و"يا مكة"، و"الأردن" و"سيف فليشهر"، و"سائلينى"، و"خذنى بعينيك"، و"حملت بيروت"، و"أحب دمشق"، و"بحبك مبعرف". كان عقل يعتزم التخصّص في الهندسة، إلا أنه وهو في ال15 من عمره خسر والده خسارة مالية كبيرة، فاضطر أن ينصرف عن المدرسة ليتحمل مسئولية ضخمة، فمارس الصحافة والتعليم في زحلة. واستقر عقل في بيروت منذ مطلع الثلاثينيات، وكتب بجرأة وصراحة في جرائد "البرق" و"المعرض" و"لسان الحال" و"الجريدة" وفي مجلة "الصيّاد". كما درّس في مدرسة الآداب العليا، وفي مدرسة الآداب التابعة للأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة، وفي الجامعة اللبنانية. ودرّس عقل أيضاً مادة تاريخ الفكر اللبناني، وألقى دروساً لاهوتية بعد تعمقه في اللاهوت المسيحي حتى أصبح فيه مرجعاً. يذكر أن عقل درس أيضاً تاريخ الإسلام وفقهه. كما كتب شعر أغنية "غنيت مكة" التي غنتها فيروز. ولسعيد عقل الكثير من المؤلفات الأدبية والشعرية، ترجم بعضها إلى الفرنسية والإنجليزية. وكان شعر سعيد عقل مفعما بالرمزية، وكان شعره يتسم بالفرح ويخلو من البكاء. شعر للوطن والمرأة "في شعري شيء من الرمزية، لكن شعري أكبر من ذلك، يضم كل أنواع الشعر في العالم، هؤلاء الذين يصدقون أنهم رواد مدرسة من المدارس ليسوا شعراء كبارا، الشعراء الكبار هم الذين يجعلون كل أنواع الشعر تصفق لهم". هكذا وصف شعره، فقد كان الراحل شاعراً يؤمن بسلطان العقل، غنى بالوطن، وتغنى بالمرأة. من دواوينه "قصائد من دفترها" و"رندلى" و"دلزى" و"أجمل منك؟ لا". وقد أصدر أيضا كتاب "لبنان إن حكى"، الذي يتطرق الى أمجاد لبنان بأسلوب قصصي، يتأرجح ما بين التاريخ والأسطورة. وأنشأ عقل سنة 1962 جائزة شعرية من ماله، تمنح لأفضل صاحب أثر يزيد لبنان والعالم حباً وجمالاً. نقرأه يهيم في لبنان بل ينخطف به، فيكتب: "من أين يا ذا الذي استسمته أغصان/ من أين أنت فداك السرو والبان؟/ إن كنت من غير أهلي لا تمرّ بنا/ أو لا فما ضاق بإبن الجار جيران!/ ومن أنا؟ لا تسل. سمراء منبتها/ في ملتقى ما التقت شمس وشطآن./ لي صخرة علقت بالنجم أسكنها/ طارت بها الكتب قالت: تلك لبنان!". كانت مسرحية "بنت يفتاح" أولى آثاره الشعرية المهمة، لتتبعها "المجدلية" ثم مسرحية "قدموس". قالوا عنه.. قال عنه الشاعر سعدي يوسف: هو مُعَلِّمي الخفيّ، في الخِلافِ، وجماليّاتِ اللغة، والعِناد. أحببتُ فيه أناقةً لا تضاهى، ومباهاةً بالذات قَلَّ نظيرُها. هذه المباهاة أحببتُها، لأن الفنّان خليقٌ بها، وسط مجتمعٍ من الجهلة والمتدافعين إلى الوحل المُذْهَبِ. الشاعر طلال حيدر: ما المقدمة التي يمكن أن تليق بشاعر كان اختزالاً لقرنين كاملين؟ انقضى القرن الأول بكل صخبه وثوراته وتداخل هويّاته وثوراته الشعرية، وبدأ القرن الثاني باضطراباته وتمرّداته، ولكنْ بثباته الشعري. عاش سعيد عقل بين قرنين متباينين، ورحل ليتركنا حائرين أمام شخصيته الإشكالية التي كانت مرآة لما بقي مشتركاً من هذين القرنين: بهاء الشعر، ووحل السياسة وجحيم أزلي من الحرب. تساءل عبد الرحمن منيف يوماً عمّا إذا كانت السياسة قد ربحت إميل حبيبي، بعدما خسره الأدب. يصدق هذا التساؤل الدقيق على سعيد عقل بالذات. الفارق أنّ منتقدي عنصريّة عقل ويمينيّته تشبّثوا بالجانب السياسي العابر عنده، وتغاضوا عن جوهره الفعلي، أي الشعر. أما الشاعر والإعلامي زاهي وهبي: جاوز الثمانين حولاً بعقدين ونيف، ولم يسأم أو يتعب كسلفه ابن أبي سلمى. أقعدته المئة في البيت، لكنه ظلّ حاضراً ينام ملء جفونه عن شواردها، كأن قرناً كاملاً من الزمن لم يزده إلا شغفاً بالمزيد، وكأن رأسه الذي اشتعل شيباً حتى صار يبزّ صنين في بياضه لم يفقده دهشة طفولة يحملها الشعراء مدى العمر والأيام. فهل "ظلَّ الطفل الذي فيه يحرّض الشيخ الذي صاره" وفق تعبير أدونيس؟. نعت المطربة اللبنانية، ماجدة الرومي، الشاعر اللبناني الكبير، سعيد عقل، قائلة "تتساقط من حولنا الكواكب وكأننا في زمن النهايات.. وتتزعزع من شدَّة الاسى قلوبنا وكأننا ضلّلنا منذ أَمد كل طُرُق النور فداهمت عمق أعماقنا الظلمات!". معارك وأزمات وُلِدْتُ، سَرِيري ِضفَّة النّهْرِ، فالنَّهْرُ تآخَى وعُمرْي مِثْلَما الوَرْدُ والشَّهْر أشعلت مواقفه وكلماته جدلاً كبيراً، فناك من يعتبر أن الشاعر "جمع بين أرقّ المشاعر وأكثرها بشاعة، وبين العقل والجنون كأنه لبنان في وجوهه وتحولاته". حيث تبنى الراحل رؤية مضادة للعرب والقومية العربية تؤكد أن لبنان ليس جزءا من الوطن العربي، بل إن تاريخه وتراثه الفينيقي هو الأصل، كما تبنى موقفا معاديا للوجود الفلسطيني بلبنان. ووصل عداء عقل للقضايا العربية، وفلسطين ووجود المقاومة الفلسطينية على الأرض اللبنانية خاصة، إلى درجة تأييده الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، فكتب في إحدى الجرائد يشكر القوات الإسرائيلية على ما فعلته، ودعا اللبنانيين إلى القتال إلى جانب إسرائيل، مؤكدا أنه كان سيقاتل إلى جانبها لو أسعفته الظروف. وكانت من أكثر العبارات التي أثارت جدلا واسعا آنذاك للراحل عبارة "على كل لبناني أن يقتل فلسطينيا"، نكايةً فى الوجود العسكرى الفلسطينى المسلح فى لبنان!. كما رحب في الصفحة الأولى لجريدته التي أصدرها باسم "لبنان"، بالجيش الإسرائيلي خلال اجتياحه للبنان عام 1982. هذه النزعة ليست ضد الفلسطينيين وحدهم، إنها نزعة لازمت الشاعر أبداً، نزعة تدعو إلى تمجيد لبنان، بل إلى "لبننة العالم"، فكان يقول في حب لبنان: "أنا ابن الدهور، ابن لبنان وعي الخليقة بي". لم تكن هذه هي الأزمة الوحيدة، فقد أثارت تصريحاته جدلاً حين دعا قبيل الحرب الى تبنّي اللغة العامية والى الكتابة بالحرف اللاتيني تنصّلاً من الانتماء العربي . لكن البعض من محبيه قال أن ما يغفر له هذه الأخطاء، شعريته الكبيرة المتجلية في صميم اللغة العربية، قبل أن تتحقق في بعض الشعر العامي الذي كتبه مبكراً. حيث دعا إلى التخلص من اللغة العربية باعتبارها "كرخانة"، وإلى إحياء "اللغة اللبنانية" بأحرف لاتينية، بل أصدر بالفعل ديواناً شعرياً هو "يارا" بتلك اللغة، لكن أحداً لم يحفل بتلك المحاولة