"رحلة الموت"، كلمتان اختارتهما زوجة أحد العسكريين اللبنانيين المختطفين لدى تنظيمي "جبهة النصرة" والدولة الإسلامية "داعش" منذ آب/أغسطس الماضي في محيط بلدة عرسال، المحاذية للحدود السورية، لتصف زيارتها الأولىلزوجها الأسير في مكان احتجازه. الزوجة، التي تحدثت لوكالة "الأناضول" طالبة عدم ذكر اسمها أو اسم زوجها ل"ضرورات أمنية"، كانت قد تلقت اتصالا من خاطفيه في "داعش"، أعطاها "الضوء الأخضر" لرؤية زوجها للمرة الأولى منذ أكثر من 3 أشهر. فسارعت هي وعدد قليل من أقاربها وأقارب زوجها لاغتنام هذه الفرصة. وقالت، والحزن يملأ عينيها، انها قامت بهذه "الزيارة الخطيرة" التي وصفتها ب"رحلة الموت"، من أجل "رؤية زوجي ولو للمرة الأخيرة". وفي هذا اليوم، توجهت هي واقرباءها الى حدود بلدة عرسال، حيث تلقوا اتصالا هاتفيا أمرهم بركن السيارة على جانب الطريق، وما هي دقائق حتى حامت حولهم عدة دراجات نارية "للتأكد من هوياتنا". وعندما تأكد المتصل من هوية ركاب السيارة، جاءت 3 سيارات رباعية الدفع، سوداء اللون، "واقتادتنا معصوبي الأعين نحو محيط البلدة" على الحدود الشرقية مع سوريا. وبعد رحلة دامت لحوالي الساعة، وصل الجميع الى مكان ما، فنزع الخاطفون العصابات عن اعينهم وفجأة رأت الزوجة شريك حياتها جالس في غرفة صغيرة، "إلا أنه لم يتمكن من التعرف عليّ بسهولة بسبب ما يتعرض له من عذاب نفسي مستمر"، بالاضافة الى انه "خسر نصف وزنه تقريبا بسبب سوء التغذية". عادت الزوجة الى مكان اعتصام الأهالي في "ساحة رياض الصلح" في وسط بيروت، بعد "رحلة الموت" هذه، ومعها رسالة من الخاطفين. رسالة واضحة طالبوها فيها ب"الضغط" على المسؤولين اللبنانيين لإلغاء أحكام الإعدام التي أصدرها القضاء اللبناني قبل يومين بحق 5 سعوديين موقوفين في لبنان بتهمة الانتماء الى "تنظيمات إرهابية". سمع الأهالي المعتصمون منذ حوالي الشهرينفي هذا المكان الذي يبعد امتارا عن مقر الحكومة في "السراي الكبير"، ما روته الزوجة من مشاهدات في محيط عرسال،. وعندما وصل الى مسامعهم تهديد "داعش" بذبح العسكريين السبعة المحتجزين لديه اذا لم تلغ أحكام الاعدام، قرروا فورا تصعيد تحركاتهم، باشعال الاطارات وقطع بعض الطرقات الرئيسية. وجاء اعلان وزير العدل اللبناني أشرف ريفي أمس الاثنين بإن الأحكام القضائية التي صدرت بحق بعض الموقوفين الاسلاميين في السجون اللبنانية تم تخفيضها من "الإعدام إلى السجن المؤبّد" لتهدئتهم نوعا ما.. ولو مؤقتا. ولم تكن هذه المرة الاولى التي يسمح لامهات او اشقاء العسكريين الاسرى بزيارة احباءهم المحتجزين. فكان دور والدة وشقيقة أحدهم المحتجز لدى "النصرة" في ايلول/سبتمبر الماضي، حين قامتا برحلة ممثالة الى مكان الاحتجاز، لا تقل خطورة عن رحلة الزوجة لزوجها المختطف لدى "داعش". وصفت الشقيقة، التي فضلت عدم ذكر اسمها، ل"الأناضول" توجهها الى محيط عرسال بأنها لم تكن رحلة "سياحية، بل مخاطرة كبيرة بحياتنا... كان من الممكن ان نتعرض للقتل في أي لحظة هناك". لم يكن من الممكن رفض الدعوة التي تلقتها من الخاطفين لزيارة شقيقها على الرغم من الشكوك التي انتابتها، فقد تكون "مكيدة للايقاع بنا، أو أننا حقا سنلتقي أخي حيا". وقالت انها لم تنقطع عن الصلاة هي ووالدتها طوال الطريق من عرسال الى المكان المتفق عليه مع الخاطفين. بدورها، قالت الوالدة ان الطريق الوعرة التي سلكتها مع ابنتها نحو الحدود السورية "لم تكن هي العائق الاكبر، انما مرور الوقت ببطئ شديد". وأضافت "كانت تخطر على بالي الحالة الصحية لابني، لكنني كنت أواسي نفسي بأن مجرد رؤيته ولو بأي حال، ستكفيني ليطمئن قلبي". وصلت الوالدة وابنتها الى المكان المقرر فيه عقد اللقاء مع الابن "الذي كان بصحة جيدة نوعا ما ويتلقى معاملة حسنة من خاطفيه". مرت ساعة اللقاء "بلمح البصر" وتوسلت الام المشتاقة لابنها الجهات الخاطفة ان تبقى معه، لكنهم رفضوا واعدين بحل الملف قريبا "ومنذ ذلك الوقت لم اراه مجددا". وقالت الوالدة ان فرحتها بلقاء فلذة كبدها "لم تكتمل"، مشيرة الى أن الموقف "تأزم خلال عودتنا، اذ اطلق مسلحون النار على سيارتنا، فأصيبت ابنتي بانهيار عصبي لكننا نجونا بأعجوبة". واكدت انه لو أتيحت لها الفرصة مجددا للقاء ابنها، "لن اقوم بالمخاطرة"، لافتة الى انها تفضل أن تضمه الى صدرها "حيا حرا وليس حيا اسيرا". في المقابل، قال والد احد العسكريين المخطوفين انه غير مستعد على الاطلاق للقاء ابنه اذا دعاه الخاطفون لذلك "لأنني لا أستطيع أن أتحمل العذاب النفسي خلال الرحلة اليه، ولا رؤيته معذبا بين يدي الخاطفين". واشار الوالد الى أنه من أبناء الطائفة الشيعية "وقد تطمع الجهات الخاطفة باعتقالي الى جانب ابني لرفع وتيرة الضغط على المسؤولين اللبنانيين"، معتبرا أن هذا الامر فيما لو حصل "قد يؤزم الوضع النفسي لعائلتي أكثر مما هو عليه حاليا". وقال ان زوجته قد تنهار كليا اذا ما حصل هذا الامر، خاصة أنها تعاني من وضع صحي سيئ جدا بعد خطف ابنها في محيط عرسال. وختم الوالد أن ليس لديه الا الانتظار ليرى ابنه حرا "حينها فقط سيكون اللقاء رائعا ومفرحا وغير ذلك كلام فارغ". وتم اختطاف عدد من العسكريين وعناصر قوى الأمن الداخلي اللبناني خلال الاشتباكات التي اندلعت بين الجيش اللبناني ومجموعات مسلحة من سوريا، من ضمنها "جبهة النصرة" و"داعش"، بداية شهر آب/اغسطس الماضي واستمرت 5 أيام، قتل خلالها ما لا يقل عن 17 من عناصر الجيش اللبناني وجرح 86 آخرين، وعدد غير محدد من المسلحين. ولا تزال جبهة النصرة تحتجز 17 عسكريا لبنانيا مقابل 7 لدى تنظيم "داعش" بعد ان تم اطلاق سراح عدد من العسكريين المخطوفين. وأعدم تنظم "داعش" اثنين من العسكريين المحتجزين ذبحا، وأعدمت "النصرة" عسكريا آخر برصاصة في الرأس.