اجتمع كبار النقاد و الشعراء لوداع صاحب " منتصب القامة أمشى " الراحل الشاعر الفلسطينى سميح القاسم ، أحد رموز المقاومة الكبار فى فلسطين و الوطن العربى ، وبدأ الشاعر محمد إبراهيم أبوسنة، احتفالية التأبين بالوقوف دقيقة حدادا على روح الراحل ، فيما أكد المثقفون أن سميح القاسم لم يرحل و سيظل فى وجداننا مخلداً بشعره فهو كما " الشعراء لا يموتون ". و قال الشاعر الكبير محمد إبراهيم أبو سنة، إن الشاعر الفلسطيني الراحل سميح القاسم جاء إلى مصر فى الثمانينات ،و كان يحمل حبا خاصا للمصريين ، مشيرا أن مصر لم تحتضن القضية الفلسطينية فقط بل احتضنت أيضا كتابها ومثقفيها ، أما عن لقائه به ، فقال : كان أخا عزيزا ترتسم على وجه البشاشة، وكان مناضلًا حقيقيًا، استطاع أن يوحد بين ميدان القتال وميدان الكتابة". و فى كلمته قال الشاعر الفلسطينى زياد عبد الفتاح، : إن سميح قاسم ومحمود درويش شكلا ثنائيا قويا ضد الاستعمار الصهيونى من خلال أشعارهم التي أثارت لهيب المقاومة، مشيرًا إلى أن القاسم كان لدية الجنسية الإسرائيلية، ورفض التجنيد في الجيش الصهيونى، بل قاومه من خلال كلماته. فيما تحدثت د. هويدا صالح قائلة : فقدنا سميح القاسم و لكننا لم نفقد رمز المقاومة الذى جسده بشعره و كتاباته ، و تحدثت عن معاناته و تهميشه مرة كدورزى و مرة كعربى فلسطينى ، رفض أن يقتل أخوه الفلسطينى الآخر ، و عرضت لروايته " إلى الجحيم أيها الليلك " ، و أشارت الكاتبة أنه برغم اشتهار القاسم بشعره و لكنه كاتب متنوع بكتاباته الروائية و المسرحية و الصحفية . و قرأت الكاتبة و الصحفية فاطمة الناعوت قصيدة " الطريق إلى الرامة " والتى ترجمتها عن الشاعر الأمريكى "سام هاميل " الذى كتبها إهداءا لسميح القاسم بسويسرا ، و كاد يبكى القاسم عند سماعه لها ، و الرامة هى المدينة التى ولد بها شاعرنا الراحل . " الطريق الى الرامة" كيف الطريقُ الى الرامةِ وإلى أي مدىً بوسعي المضيُّ وحيداً؟ هنا الطريقُ إلى الرامة يا صاحبي ها هنا، حيث غبارُ عظامِنا. وهنا بيتُ عربيٍّ بحديقته الصيفية الغافية، بزيتونته، بظلالها. بوسعك أن تحصي ثقوب الرصاصة، يا صاحبي بوسعك أن تملأ حُفرَها الخاوية، لكنك لن تستطيع أن تحدد رقماً للميت. وهنا بيتُ يهوديٍّ والعجيبُ أنه تماماً يشبهه: الحديقة ذاتها، الزيتونة ذاتها الحُفر ذاتها في الحديقة، وبقعُ الدم ذاتها في الرمال. هنا في الطريق الى الرامة آمل أن أجد شقيقي سميح القاسم، الشاعر، قبل أن يفوت الوقت، ذاك انني أوغلتُ عميقاً في الصحراء ظمئاً الى كلماته. هل استمعتم الى شقيقي، الشاعر؟ سوف يحطّم قلوبكم ثم يداويها بالشجن الطافر من أغانيه. هل رأيتم شقيقي الشاعر؟ فأنا منهكٌ من الدخان والغبار والطريق طويلة وأنا رحت أطعن في العمر. سوف أموت في الطريق الى الرامة لكن قلبي سينام وادعاً بين ذراعيه. و ختمت الناعوت بقولها : "الشعراء لا يموتون لكنهم يطيرون إلى حيث تطير العصافير " من جانبه قال الباحث أحمد بهاء الدين أن محمود درويش و سالم جبران و سميح القاسم و غيرهم علامات فى الوعى القومى و النضالى ، و أن القضية الفلسطينية كانت دوما محرك للحركة الطلابية ، و خسارة القاسم ليست فقط خسارة لفلسطين و لكن للعالم أجمع . و قرأ بهاء الدين قصيدة " تقدموا " لسميح القاسم ، و التى تعبر عن مدى تاثير القصيدة الفلسطينية فى الحركة النضالية المصرية . "تقدموا .. تقدموا كل سماءٍ فوقكم جهنم وكل أرضٍ تحتكم جهنم تقدموا يموت منا الطفل والشيخ ولا يستسلم وتسقط الأم على أبنائها القتلى ولا تستسلم تقدموا .. تقدموا" و فى كلمته تحدث الناقد د. أحمد الصغير عن " شعرية الرمز و تحولات القصيدة لدى سميح القاسم "، و ديوانه الأول "مواكب الشمس " ، قائلا :القاسم استطاع أن يبدع كافة أنواع الشعر ، فكان من الشعراء المتمردين على واقعهم يتميز بتحويل حتى الحجارة إلى رمز ، و لم يكن يستهدف بشعره فئة معينة بل كان للعالم أجمع ،و كثيرا ما ظلم بسبب سيطرة محمود درويش على الساحة الشعرية لفترة طويلة ، و لكنه سيظل من علامات المقاومة الفلسطينية و يكفى انه عاش و مات على أرض فلسطين . فيما قال الناقد الدكتور صلاح السروى ان " الشعراء لا يموتون " فقبل رحيلهم حفروا بوجدانهم مكانتهم فى قلوبنا ، و موت الشعراء هو إعادة اكتشاف لهم ، ليمثل الموت الحياة الحقيقية للشعراء . و أكد السروى رفض القاسم أن يمسك بالبندقية الصهيونية ، مارا بمرارة السجن و الاحتلال ،ليمتطى فارسنا الشعر و يقاتل الرصاص بالكلمات .. قرر سميح القاسم المغادرة و لكن إلى أعماق الوطن إلى جنان فلسطين السفلية ، بعد أن أصبح الموت عادة كما قال القاسم . أما عن كتاباته المسرحية فحدثتنا عنها الكاتبة سامية أبو زيد ، و التى عرضت لمسرحيته " المطعم " ، قائلة أن الشاعر كتب المسرحية كنوع من التنفيس عن العنصرية التى واجهها لكونه درزى ، فقد منع فى احد المرات من دخول أحد المطاعم ، و لكنه أصر على الدخول ليضرب الطائفية فى مقتل ،و تكون المقاومة فقط هى العنوان . ومع الشعر و الغناء ألقى الشاعر السماح عبد الله قصيدة " الذئاب الحمر " وقصيدة "طائر الرعد". ، و قرأ طلعت نصر الدين قصيدة " رثاء"، و غنى الفنان أحمد إسماعيل قصائد " محمود درويش " ،" أحن إلى خبز أمى " ، و ختم ب " أجمل الأمهات " إهداءا للمرأة الفلسطينية .