بعيدا عن السياسية تدور صراعات ولكنها من نوع آخر من أجل لقمة العيش التي غالبا ما تأتي بعد عناء شديد، خاصة إذا كان من يبحث عنها لا يملك المقومات أو المؤهلات التي تجعله يبحث عن مهنة أخرى. فهناك فئة ليست بالقليلة تعيش في وسط زحام الشعب المصري ولا تقل أهمية عن باقي أفراد الشعب بمختلف طوائفه ومستوياته وهي عمال التراحيل "العمالة الموسمية أو غير المنتظمة"، وتلك الفئة التي عانت وتعاني من جراء الأوضاع غير المستقرة في مصر التي لحقت بمصر في أعقاب ثورة يناير 2011. الهجرة إلى العاصمة في ظل تردي الأحوال المعيشية لقاطني أقاليم مصر وخاصة الصعيد الذي عجزت يد التنمية والبناء أصبح لزاما علي كل من لم يستطيع الهجرة إلى خارج مصر أن يهاجر إلى القاهرة التي ضاقت ذرعا بأهلها ليلتحق بأقرانه اللذين ليس لهم عمل ثابت أو محدد بل يعمل في أى شيء يحصل منة علي لقمة عيش. وعندما يتجه العامل إلى القاهرة منهم من يكون له احد أقاربه يعمل هناك وله سكن غالبا ما يكون عبارة عن غرفة لا تتعدي مساحتها ال 10 أمتار يسكن فيها أكثر من 15 فردا نظرا لارتفاع أجرة المساكن مع استغلال أصحاب البيوت لظروف تلك العمالة التي ليس لها ملجأ إلا السكن في هذه الأوضاع، وغالبا ما تكون هذه الغرفة بحمام مشترك مع غرف أخرى، وتكون في احدي المناطق العشوائية التي يغيب فيها القانون وتختفي مظاهر سيادة الدولة عليها ويكون قانون القوة هو الدستور المتبع. ومنهم من لا يسكن في مساكن بل يبتكر لنفسه مسكنا خاصا حتى لا يضطر أن يدفع آخر الشهر لصاحب الغرفة فيسكن إما تحت احد الكباري أو يسكن في المكان الذي يعمل به كالأفران أو المباني تحت الإنشاء. سوق العمال ولأن هذه الفئة من العمال غير منظمة ولا تحظي بأي نوع من الرعاية أو الاهتمام ومنهم من حصل علي مؤهلات عليا ولكنة لم يستطيع أن يحصل علي وظيفة فلجأ إلى العمالة في سوق العمال وغالبا ما يكون هذا السوق في احد الميادين الكبيرة أو المواقف للسيارات، ويكون مكان يتجمع فيه العمال من مختلف الطوائف والحرف من تلك الميادين (سوق السيدة عائشة – سوق الجيارة – سوق عمالة بحلوان – ميدان العتبة – مصر القديمة –– ميدان رمسيس)، وغيرها من الميادين التي يحضر أصحاب الأعمال والمقاولون إلى تلك الأسواق ليحصلوا علي ما يريدون من العمالة حسب الحرف المطلوبة. البحث عن يومية وفي السوق تري العامل لا يهدئ له بال حتى يحصل علي فرصة عمل آو يومية لكي يستطيع أن يسد رمقه وجوعه، فضلا عن أن أهله في قريته في انتظار أموال يرسلها له مع احد أقاربه بصفة أسبوعية. وفي اغلب الأحيان يتعرض عمال التراحيل لمطاردات من جانب شرطة المرافق والبلدية بسبب الزحام الذي ينتج عن ركن السيارات وتجمهر العمال حوله. فيبادر العامل باستطلاع أصحاب الأعمال أو المقاولون حتى لا يفوز بهم غيره ولكن سرعان ما يلمحه عامل آخر وآخر حتى تعم الفوضى فالجميع يبحث عن لقمة العيش، وعندما لا يسعف احدهم الحظ في السوق، يبحث عن أي عمل آخر لأنه ليس له أي مصدر آخر للعيش سوي أن يعمل. عمالة غير مدربة تتنوع العمالة في هذه الفئة ما بين عامل مخبز بلدي أو عمال بناء وأعمال مقاولات وعمال مصانع كمدابغ الجلود وغيرها من الإعمال التي لا تحتاج مهارات معينة. فيستطيع العامل أن يعمل كل يوم في حرف إذا لا يحدد لنفسه نوعية العمل الذي يعمل فيه يوميا بل يترك الآمر للنصيب، وقد يكون من بين تلك العمالة من هم حاصلون علي مؤهلات عليا ولكنهم لا يجيدون مهارات أخرى خلاف دراستهم النظرية فيضطروا للعمل في أي حرفة. الثورات أوقفت الأعمال منذ أن انطلقت الشرارة الأولي لثورة 25 يناير في 2011 تعرض الوضع الاقتصادي بصفة عامة لحالة من الركود التي ألقت بظلالها علي طوائف كثيرة ومنها أصحاب الحرف والعمالة الغير منتظمة أو عمال التراحيل. فتوقفت إعمال البناء والتشييد وانخفض حجم الاستيراد والتصدير في ظل الانفلات الأمني والأوضاع السياسية الغير مستقرة وهروب رؤوس الأموال وخشية رجال الأعمال من المغامرة بأموالهم في ظل عجز الدولة عن السيطرة علي الأوضاع الأمنية في مصر إبان ثورة يناير. وحتى بعد أحداث ثورة يونيو لم يتغير الوضع كثيرا في ظل ارتفاع أسعار مواد البناء وسعر صرف الدولار الأمريكي وأزمة الطاقة التي تمر بها مصر حوليا. كل تلك العوامل آثرت بالسلب علي عمال التراحيل الذين يعتبر مصدر رزقهم غير ثابت آو محدد بل السوق وحركة الأعمال هم من يتحكمون في أرزاقهم ولازال الوضع الاقتصادي المصري يسير من سيء إلي أسوء. أوضاع معيشية سيئة ومع توقف الأعمال أو تحجيمها تنعدم فرص الحصول علي لقمة العيش للعمالة الموسمية أو عمال التراحيل في الوقت الذي لا يتمتعون فيه بأي نوع من الحماية أو الضمان الاجتماعي أو التأمينات أو العلاج قد يضطرون إلي ترك العاصمة أو المكان الذي يتمركزون فيه أو حتى أن الهجرة من الأقاليم إلي القاهرة قد تتطور وتتحول إلي هجرة غير مشروعة خارج البلاد عندما تغلق الأبواب في وجه العمالة في مصر. الخبراء يجزرون يقول الدكتور محمد دياب أستاذ الاقتصاد وخبير الأزمات إن مصر بها طاقة بشرية هائلة لا يستهان بها، وعلي الدولة أن تستثمر هذه الطاقة لتحولها إلى طاقة منتجة تعود بالنفع عليها وعلي الوطن بأكمله. وحذر دياب من ترك الوضع الحالي علي ما هو عليه بالنسبة لعمال التراحيل الذين تأثروا كثير بالأوضاع الاقتصادية التي تمر بها مصر حاليا واصفا الوضع بالكارثي لانضمام تلك الفئة إلي طابور العاطلين مما ينذر بثورة جياع تقضي علي الأخضر واليابس. مطلوب برامج تدريب ومن جانبه طالب الدكتور صلاح جودة الخبير الاقتصادي الدولة بوضع برامج تأهيل وتدريب لعمال التراحيل حتى يسهل استيعابهم في سوق العمل المصري. وأضاف جودة أن التدريب والتأهيل لن يفتح الباب علي مصراعيه لسوق العمل في مصر فقط بل سيتم تصدير تلك العمالة المدربة إلى الدول الأخرى الأمر الذي سوف يساهم في جلب عملة صعبة يتم ضخها في الاقتصاد المصري. ولفت إلى أن مستوي البطالة قد ارتفع في الوقت الراهن في ظل انكماش الكثير من رجال الأعمال والأحجام عن فتح مشروعات جديدة. وطالب جودة الحكومة تشجيع رجال الأعمال وخاصة المصريين وتمكينهم من فتح مشروعات جديدة وإعادة فتح المصانع المغلقة حتى لعمل رواج في سوق العمالة وخاصة غير المنتظمة. ويبقى التساؤل متى تتحول الطاقات والإمكانيات البشرية التي تتميز بها مصر عن غيرها من الأقطار إلي عوامل بناء وتنمية تنعكس علي الوضع الاقتصادي؟، ومتى تشعرالعمالة غير المنتظمة في مصر بان لهم حقوق كغيرهم من الطوائف في الشعب المصري ؟