صدق من قال إن "الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك"، ففي قطاع غزة فصلت المدة الزمنية المقدّرة ب"10" دقائق، آلافاً من الغزيين عن "الموت" بصواريخ أطلقتها الطائرات الحربية الإسرائيلية تجاه منازلهم، فمن ترك بيته خلال مدة ال10 دقائق، نجا ب"روحه"، ومن فاته الوقت "قطعه السيف". 10 دقائق أو أقل، هي المدة التي أمهلها الجيش الإسرائيلي لأصحاب المنازل التي كانت تصلهم مكالمات على هواتفهم مفادها :"من أجل سلامتكم، جيش الدفاع الإسرائيلي يطالبكم بإخلاء المنزل"، أو كانت تفصل بيوت المواطنين عن قصف تحذيري ب"طائرات" الاستطلاع، وقصفٍ "تدميري" بالطائرات الحربية. محمد العبادلة، الناطق باسم جمعية أصحاب شركات البترول في قطاع غزة، والذي يقطن مدينة خانيونس، جنوبي القطاع، كان أول من قصفت الطائرات الحربية منزله منذ بدء الحملة العسكرية الإسرائيلية، مساء الاثنين الماضي، بحسب ما قال لمراسلة وكالة "الأناضول". ويشن سلاح الجو الإسرائيلي، منذ الإثنين الماضي، غارات مكثفة على أنحاء متفرقة في قطاع غزة، في عملية عسكرية أطلقت عليها إسرائيل اسم "الجرف الصامد"، وأسفرت حتى صباح اليوم السبت عن مقتل 121 فلسطينا وإصابة أكثر من 900 آخرين. في البداية، لم يُصدّق العبادلة الاتصال الذي وصله من شخص لقّب نفسه ب"جيش الدفاع الإسرائيلي"، وطالبه بالخروج من المنزل في مدة أقصاها (10) دقائق، كي "يسْلَم" وعائلته من قصف الطائرات الحربية. ثبت العبادلة في منزله، وخمّن أنها مجرد "كذبة" إسرائيلية، تهدف إلى دب الرعب في قلوب الغزيين، لكن مكالمة أخرى وصلته من ذات الشخص، قال له:" نطالبك للمرة الثانية الخروج من المنزل في مدة أقصاها (3) دقائق، نعلم أن هناك أطفال داخل المنزل". أخذ العبادلة المكالمة الثانية على محمل الجد، خرج وعائلته المكونة من (11) فرداً من المنزل، إلى بيت جيرانه والذي يبعد مسافة (5) أمتار عن منزله، فما إن وصل، حتّى سمع دوي انفجار هائل، حوّل منزله إلى "ركام"، كما ذكر العبادلة. وتابع:" مدة (3) دقائق لم تكن كافية إلا لخروج الغزيين من المنزل ب(أرواحهم) فقط"، مشيراً إلى أنه لم يتمكن من أخذ أي من مستلزماته أو أوراقه الثبوتية، أو حتى نقوده". لم يتوقع العبادلة استهداف منزله خاصة وأن لا علاقة له بالأعمال العسكرية للمقاومة التي ادعت إسرائيل مهاجمتها بغزة. وأشار إلى أنه أنهى بناء منزل الذي قصف "بدون مبرر"، قبل (5) سنوات فقط، وأنه لا زال يراكم عليه ديوناً قدرها (77) ألف دولار. وبيّن العبادلة أن عائلته لم تُصب خلال القصف الإسرائيلي لمنزله، منوهاً إلى أن عشرات البيوت تضررت من ذلك القصف، قائلاً:" تضررت المنازل الواقعة بالقرب من منزلي حتى مسافة (200) متر". كما فصلت ذات المدة، الصحفي ربيع أبو نقيرة، العامل في وكالة أنباء محلية، عن تحقيق "حلمه"، حيث قصفت الطائرات الإسرائيلية منزله "المستقبلي" الذي كان سيبدأ فيه حياته الجديدة وزوجته خلال شهر تقريباً. أبو نقيرة، الذي فقد والده في الحرب التي شنتها إسرائيل على القطاع عام 2012، إلى جانب منزله وماله، حرمته إسرائيل مجدداً من بيته "المستقلبي" الذي خطط أن يملؤه بالفرح والسعادة على نهج والده، كما ذكر للأناضول. بنى أبو نقيرة شقته في منزل عمّه "أيمن"، الأكاديمي في الجامعة الإسلامية بغزة، في ظل الحصار الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة للعام الثامن على التوالي، مما فرض عليه أن يشتري مواد البناء ب"ضعف" سعرها، نظراً لإغلاق المعابر ومنع إسرائيل إدخال مواد البناء إلى داخل القطاع. وتابع أبو نقيرة:" البيت راكم عليّ بعض الديون، ورغم ذلك، نشكر الله أنه سلّم أرواحنا من ذلك القصف". أما المواطن عودي كوارع، القاطن في مدينة خانيونس، والذي أفقده القصف الإسرائيلي لمنزله (6) من أفراد عائلته، و(2) من جيرانه ، قال للأناضول:"عندما هاتفني جيش الدفاع الإسرائيلي وطالبني بالخروج من المنزل لقصفه بعد عشر دقائق، تجمّع أقربائي وجيراني على سطح المنزل ك(درع بشري)، لحمايته من القصف". وذكر أن تجمع المدنيين في المنزل لم يحمه من الغارات الإسرائيلية، فقد أسقطت إسرائيل صواريخها تجاه المنزل المكتظّ بالغزيين، مما أدى إلى مقتل (8) أفراد. وتابع:"الشهداء الثمانية الذين سقطوا خلال قصف المنزل كانوا من المدنيين، بينهم 6 أفراد من نفس العائلة، و15 جريحاً". وقالت وزارة الأشغال العامة والإسكان في الحكومة الفلسطينية، إن قرابة 282 منزلا في قطاع غزة دمرت بشكل كامل، و8910 منزل آخر بشكل جزئي، جراء استهدافها من الطائرات الإسرائيلية منذ بداية العدوان على غزة الاثنين الماضي.