عشرات المسلسلات تُعرض تباعًا على شاشات الفضائيات الحكومية والخاصة المصرية دون أن يكون بينها مسلسل ديني واحد يتماشى مع روحانيات شهر رمضان كما اعتادت الجماهير على ذلك خلال سنوات طويلة. ظاهرة أثارت العديد من علامات الاستفهام حول عزوف جهات الإنتاج المختلفة عن تقديم هذه النوعية الدرامية، خاصة بعد تجميد مسلسل "العالم والإيمان" الذى كان يجسّد قصة حياة العالم المصري مصطفى محمود (27 ديسمبر 1921 - 31 أكتوبر 2009)، والذى كان محط أنظار الكثير من النقاد والجمهور. وليد سيف، كاتب مسلسل "العالم والإيمان"، قال إن "كتابة مسلسل ديني أمر شاق جدًا لأنه يتطلب الكثير من التدقيق في سرد الأحداث التاريخية، والاستعانة بالكثير من المراجع؛ لذلك تصدى لكتابة هذه النوعية الدرامية كتاب كبار رحل جلهم عن عالمنا"، وفقا لما ذكرته وكالة انباء الاناضول. ومضى قائلا : "كما أن التكلفة الإنتاجية لهذه النوعية من المسلسلات ضخمة للغاية، ويتطلب تصويرها التواجد في طبيعة قاسية كالصحراء وما شابه". وتابع: "كل هذه الأسباب مجتمعة تجعل منتجي القطاع الخاص لا يُقبلون على إنتاج المسلسلات الدينية، ومؤخرًا تراجعت جهات الإنتاج الحكومية أيضًا عن هذا الدور وأصبحت لا تهتم سوى بتقديم المسلسلات الخفيفة". وأشار السيناريست الشاب إلى أن مسلسله "توقف لأسباب إنتاجية رغم تحمّس منتج من القطاع الخاص له، ولكنه بحاجة لجهة تشارك في الإنتاج بعدما وضعنا ميزانية مبدئية قابلة للزيادة تقدر ب 34 مليون جنيه (4.8 مليون دولار)". وأوضح سيف أن "المسلسل يقدم بانوراما لتاريخ مصر في الفترة من 1921 حتى 2009، ويضم 174 ممثلاً ويتطلب تصويره السفر إلى 5 دول؛ لأننا نقدم السيرة الذاتية لعالم (مصطفى محمود) كان عبارة عن موسوعة متحركة بالمعنى الحرفي للكلمة". وأضاف أن "مسلسل "العالم والإيمان" هو مسلسل تاريخي ذو بُعد ديني، فالدكتور مصطفى محمود تعرض لاضطهاد في فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكان مقربًا جدًا من الرئيس الراحل أنور السادات، ثم وضع رهن الإقامة الجبرية في عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك". وحكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مصر من 23 يونيو 1956 إلى 28 سبتمبر 1970، فيما حكم السادات من 28 سبتمبر 1970 إلى 6 أكتوبر1981، أما الرئيس الأسبق حسني مبارك فحكم من 14 أكتوبر 1981 حتى 11 فبراير2011. ولفت الكاتب المصري إلى أن "العالم المصري الراحل مصطفى محمود كان ملهمًا للكثير ممن حوله، فعلى يديه تحجبت الكثير من الفنانات، وعاد الكثير من الشباب عن الانضمام لجماعات متطرفة". لقد حاول مصطفى، بحسب سيف، أن "يعلِّم الناس كيف يردون بالمنطق والحجة على الملحدين إذا ما فتنوهم في دينهم، وكيف يتلمسون وجود الله في كل تفاصيل حياتهم؛ لذلك أطلق أصدقاؤه المقربون عليه "ملحد على سجادة الصلاة". السيناريست الشاب اختتم تصريحاته قائلا: "صُدمت بعزوف جهات الإنتاج الحكومية عن المشاركة في إنتاج عمل كهذا ما أدى إلى تجميده، في حين أنها تتفرغ لإنتاج أعمال هزيلة لا ترتقي بالذوق العام"، على حد قوله. واختلف معه في الرأي المنتج الفني جمال العدل الذى يرى أن "جهات الإنتاج الحكومية غير قادرة على تحمل التكلفة الإنتاجية لعمل ضخم كهذا جراء تأثرها اقتصاديًا بالسلب إبان ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق مبارك". وأوضح العدل، ان: "الدليل على صدق كلامي أن الدولة لم تتول إنتاج أي عمل درامي بالكامل هذا العام، واكتفت بالمشاركة في ميزانية إنتاج 7 مسلسلات بإجمالي 24 مليونا (3.3 مليون دولار)، وهو المبلغ الذى لا يكفي لإنتاج مسلسل واحد ضخم". وتوقع العدل أن "تستمر ظاهرة اختفاء المسلسلات الدينية لمدة عامين قادمين إلى أن تتحسن الظروف الاقتصادية، خاصة مع عزوف منتجي القطاع الخاص عن إنتاج الدراما الدينية لتكلفتها المرتفعة ولعدم وجود دورة رأس مال تضمن لهم أن يعود إليهم ما أنفقوه من أموال على إنتاج هذه المسلسلات التي تعرض لمرة واحدة فقط في الأغلب ولا تتهافت القنوات الفضائية على شرائها وعرضها مرة أخرى". أما الناقد الفني طارق الشناوي، فقد غرَّد خارج السرب قائلا: "العزوف عن إنتاج المسلسلات الدينية سببه تمسّك الأزهر الشريف بقواعده الصارمة التي تحرِّم تجسيد الأنبياء والصحابة والمبشرين بالجنة ". وأضاف: "منذ عدة سنوات كان الجمهور يتقبل أن يظهر بطل العمل الديني بصوته فقط أو أن يظهر وعلى وجهه هالة نور، لكن بعد تقديم مسلسل "عمر" (إنتاج مركز تلفزيون الشرق الأوسط mbc، وتلفزيون قطر) آخر مسلسل ديني ضخم تم عرضه في رمضان شاهد الناس البطل الذى جسّد شخصية عمر بن الخطاب، كما شاهدوا باقي الصحابة والمبشرين ضمن أحداث المسلسل، فلم يعد من المستساغ أن نعود بهم خطوة للوراء". وللأزهر في مصر فتوى متجددة مفادها أن "تجسيد الأنبياء حرام شرعًا، سواء من الممثلين أو المنتجين للفيلم أو المصورين، وكل هؤلاء آثمون شرعًا، بالإضافة إلى أن الترويج والدعاية لهذه الأفلام معصية لا يرضي الله عنها، وأيضا سيقع هذا الإثم على كل من يشاهد مثل هذه الأفلام ومن سيقوم بعرضها".