رؤية مبارك للتعليم والتنمية الاقتصادية د. كمال المنوفي تتوقف قوة الدولة ومكانتها ورفاه شعبها إلي حد بعيد علي ما تحققه من تنمية اقتصادية بها ومعها تربو الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات ويتصاعد مع ذلك النمو الاقتصادي ويزداد الإنتاج وترتقي نوعيته, ويرتفع حجم الصادرات, وتتولد فرص العمل, وتتحسن دخول الأفراد ومستويات معيشتهم, وتشهد تجارب الدول المتقدمة اقتصاديا بفضل التعليم والاستثمار فيه علي ما أحرزته من نجاحات باهرة في الميدان الاقتصادي, هذا الترابط الحتمي بين الإنماء الاقتصادي والتعليم لم يغب عن ذهن الرئيس مبارك بدليل ما نبه إليه غير مرة من أن التنمية الاقتصادية عمادها وقوامها التعليم والتعلم وأن الاستثمار في التعليم تنمية للقدرة علي زيادة الإنتاجية وتحسين الناتج, فضلا عن تمتع البشر بصحة وحياة أفضل, وأن التعليم مفتاح زيادة تنافسية الصادرات المصرية ورفع معدلات النمو الاقتصادي. ويخبرنا التحليل الكيفي لمضمون خطاب الرئيس مبارك أن عطاء التعليم للتنمية الاقتصادية يشمل المحاور الآتية: أولا: إعداد الكادر البشري المسلح بالمعارف والمهارات والقدرات العقلية المطلوبة للعمل في مواقع الإنتاج والخدمات, فالتعليم منوط به تطوير الطاقات الإنتاجية والإبداعية للمواطنين وتوظيفها من أجل استغلال الموارد والإمكانات المتاحة أفضل استغلال.. الموارد والامكانات المتاحة افضل استغلال وينصرف الهدف الأساسي من الالتحاق بالمدرسة والجامعة إلي تأهيل المواطن ليسهم في تنمية المجتمع, وإذا لم يفلح التأهيل في جعل الإنسان قادرا علي أن ينتج أو يؤدي عملا يضيف للمجتمع, يصبح التعليم في هذه الحالة غير محقق للأهداف. وفي هذا الإطار أبدي الرئيس مبارك احتفاء شديدا بالتوسع في التعليم, إذ يمكن البلاد من سد معظم احتياجاتها من الكوادر اللازمة لدعم البناء الاقتصادي والاجتماعي بل إن التعليم قد يساعد علي تضييق الفجوة التكنولوجية التي تفصل مصر عن الدول الصناعية بما يوفر مزايا في ميادين التدريب والصناعة والزراعة والخدمات. ثانيا: التنمية العلمية والتكنولوجية التي يتعذر علي المجتمع بدونها أن يبلغ ما يصبو إليه من تنمية اقتصادية خصوصا في ظل نقص بعض الموارد الطبيعية, وقصور رأس المال النقدي. فعندئذ يصبح التعليم والعلم والثقافة, هكذا يقرر الخطاب, هي طريقنا لاستنباط موارد جديدة واستغلال الموارد المتاحة باستصلاح الأراضي وزيادة المحاصيل وتطوير الصناعة وزيادة جودة المنتجات.. من هنا, كان إلحاح الخطاب علي ضر ورة تشجيع البحث العلمي الذي يستهدف تحديث وزيادة الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي, والاهتمام بإجراء البحوث التي تتناول مختلف العلوم والتطبيقات ووصل الأمر بالرئيس مبارك إلي حد الجزم بأن لا أمل في أن تجتاز مصر مصاعبها الاقتصادية إلا بالجهد البحثي الهادف من علمائها وباحثيها وحتي يتحقق التوظيف الأمثل للطاقات البحثية. ويري خطاب الرئيس مبارك ضرورة التحرك علي مستوي السعي إلي الإفادة من البحوث العلمية التي سبق إعدادها في الجامعات ومراكز البحث لخدمة عملية البناء وإنجاح خطط التنمية, سيما أن نتائج معظم هذه البحوث لم يتم استثمارها كما يجب. والتنسيق في مجال البحث العلمي بين الجامعات وأكاديمية البحث العلمي والمراكز البحثية التابعة للوزارات تفاديا للتكرار وتبديد الجهود والموارد. فضلا عن ضرورة تحقيق المزيد من الربط بين مراكز البحث داخل الجامعات وخارجها, وبين مواقع الانتاج; حتي لا يعمل طرف بمعزل عن الآخر, وحتي تتوجه البحوث لخدمة الانتاج كما ونوعا, وحتي لا تلجأ وحدات الانتاج الي بحوث اجنبية تكلف الكثير, بل ان الظروف الحالية تدعو الي تعزيز التعاون والتفاعل بين الطرفين لأجل أن تصبح المنتجات المصرية قادرة علي المنافسة في أسواق العالم التي تبحث عن السلعة أو الخدمة الأكثر جودة والأقل تكلفة. ثالثا: خدمة المجتمع وتنمية البيئة, ويشمل هذا التفاعل نقل المعرفة, وتنوير الرأي العام وصقل مهارات المواطن المحلي, والتعرف علي دراسة مشاكل البيئة المحيطة, والمشاركة بالبحوث التطبيقية في اقتراح الحلول العملية لها, وفي وضع برامج التطوير الممكنة للبيئة عمرانيا واجتماعيا وحضاريا, وعلي خلفية المشاكل المتراكمة التي يعاني منها المجتمع, وتعدد أسبابها وتشعب رواسبها وتداعياتها, يرنو الخطاب إلي أساتذة الجامعات للاضطلاع بدور فاعل ونشط في اقتحام هذه المشكلات من منطلق التوفيق بين النظرية والتطبيق, والبعد عن المفاهيم المجردة التي لا وجود لها في عالم الواقع بل ان الخطاب يقر صراحة بأن أجهزة الدولة في أمس الحاجة إلي عون رجال الجامعة في التصدي للمشاكل الملحة وبالذات: الانفجار السكاني, وتضخم المراكز الحضارية خاصة القاهرة والاسكندرية, والعشوائيات, وأزمة الإسكان, وقضايا الشباب والمرأة والطفل, ومعضلة الروتين والبيروقراطية في الجهاز الحكومي, وشيوع النزعة الاستهلاكية, ويؤكد الخطاب أن أداء الجامعة لدورها ذلك بقدر ما يطور المكان والأداء والبشر بقدر ما يعود عليها بمردود إيجابي معنويا وماديا.. فالجامعة تصبح محل تقدير وعرفان الدولة والمواطن علي السواء, وفي نفس الوقت, تحصل علي مقابل مالي يساعدها في تحديث بناها التحتية وزيادة دخول اعضاء الهيئة التدريسية. رابعا: المشاركة في مواجهة مشكلة الزيادة السكانية الرهيبة التي تشكل خطرا داهما علي جهود التنمية الاقتصادية; إذ تلتهم جزءا كبيرا من عوائد التنمية مما يقلل من شعور المواطن بوقع التحسن في مؤشرات الأداء الاقتصادي الكلي علي حياته ومستوي معيشته, وتنوع أنماط مساهمة التعليم في هذا الخصوص, فالتعليم يرشد السلوك الانجابي حيث يدرك الزوج المتعلم مقدار العبء المادي والنفسي لتربية الطفل مما يحمله علي توخي الاعتدال في الإنجاب, وبالتالي عادة ما يقل حجم الأسرة التي يكون الولدان فيها من ذوي التعليم العالي أو حتي المتوسط عن التي يكون فيها الأب والأم غير متعلمين, كذلك, تستطيع معاهد التعليم, من خلال المناهج والأنشطة وإجراء المسوح والدراسات السكانية, أن تؤدي دورا ملموسا في التوعية بمخاطر التضخم السكاني, والحث علي تنظيم الأسرة. عن صحيفة الاهرام المصرية 22/10/2007