محمد سلماوي سألت الأستاذ نجيب محفوظ ذات مرة عن أكلته المفضلة في رمضان فقال لي علي الفور: ودي عايزة كلام؟ الفول طبعا! ثم روي لي قصته مع فول رمضان فقال: الحقيقة أن مشكلتي في الصغر علي مائدة رمضان كانت هي الفول, فقد كنت لا آكل غيره, لدرجة أن والدي أصدر أمرا عسكريا بأن يكون الفول هو آخر الأطباق علي مائدة الإفطار ولم يكن يسمح لي أن أقربه إلا بعد أن آكل من بقية المأكولات, ويضحك وهو يقول: لكني كنت لا أتناول من الأطباق الأخري إلا ملعقة أو اثنتين بالكاد كي أترك أكبر مكان ممكن لطبق الفول الذي كانت عيني تتعلق به طوال وقت الإفطار, ولقد كانوا يتفننون في طرق طهي الفول, مرة بزيت الزيتون والليمون والبقدونس, ومرة مطبوخا بصلصلة الطماطم, وأخري بالتقلية. وأسأل الأستاذ: ألم تكن تأكل الفول إلا في رمضان؟ فيقول: بل كنت أتناوله طوال السنة, فالفول هو أحد أكثر الأطباق المحببة إلي نفسي حتي إنني تعودت أن يكون عشائي دائما هو المدمس. ولقد روت لي الابنة الكبري لأديبنا الراحل أم كلثوم أنها حين رافقته في رحلته العلاجية إلي لندن لإجراء عملية الأورطي عام1991 أنه حين تماثل للشفاء كان عليه أن يأكل جيدا فكانوا يأتون له في المستشفي الإنجليزي بشتي أصناف الطعام وأجودها, لكنه لم يكن يأكل منها إلا القليل, وقد أزعج هذا الوضع مستر جرين الجراح الكبير الذي أجري له العملية فسأله عن أكلاته المفضلة حتي يتم تقديمها له فتنفتح شهيته للأكل فقال للطبيب: إن أكلتي المفضلة لن تجدوها هنا في لندن, إنها الفول المصري المدمس! لكنهم علي الفور أرسلوا إلي مطعم علي بابا في ميدان بيكاديللي بقلب لندن المتخصص في الأكلات المصرية فكان يأتي له كل يوم بأكلاته المفضلة التي كان في مقدمتها بالطبع طبق الفول. وقد أخبرني الأستاذ نجيب أنه في سنواته الأخيرة لم يعد يأكل الفول إلا نادرا نظرا لحالته الصحية, وأصبح لا يتناول في المساء إلا قطعة جبن صغيرة أو زبادي, ثم قال لي: لقد أصبحت أفتقد الفول الآن أكثر من أي طبق آخر خاصة في رمضان, كما أصبحت افتقد ايضا العيش البلدي الاسمر الجميل الذي أقلعت عنه منذ اصابني مرض البول السكري في بداية الستينيات. قلت: شأنك في هذا يا أستاذ نجيب شأن الشعب المصري كله, فذلك الرغيف البلدي القديم الذي تتحدث عنه لم يعد له وجود الآن وصرنا جميعا نفتقده مثلك تماما. أما بالنسبة للحلويات فقد كانت الكنافة هي التي تحتل عنده في الحلويات مكانة الفول, وقد ظل يتذكر حتي سنواته الأخيرة تلك الكنافة حيث كان يقول: لم نكن نشتري الكنافة من الشارع أبدا, بل كنا نصنعها في المنزل, وأذكر حين تناولت بعد ذلك الكنافة خارج البيت أنها لم يكن لها نفس المذاق. عن صحيفة الاهرام المصرية 4/10/2007