"في المغرب جالي ملكين، ملك أبيض وملك أسود، الملك الأسود كان عايز يخنقني ويموتني راح الأبيض ضربه ونام جنبي وفوقني".. ليس حلما حال المنام، أو قصة خرافية من نسج الخيال، إنها رواية طفل لما اقترفه والده في حقه، بعد أن أنقذته العناية الإلهية من الموت المحقق في إحدى المقابر حيثما دفنه والده حيا. مصطفى أحمد محمد قطب، طفل في الثامنة من عمره، سرد جريمة والده وعينيه تتساءل "لماذا فعل بي ذلك؟"، واختلفت رواية الابن عن رواية والده بطبيعة الحال، إلا أن براءة الأطفال لاتقبل الكذب خاصة فيما يخص من حاول أذيتهم. دفنني والدي حيا: بدأ الطفل حديثه بأن والده أراد أن يهديه دراجة لاجتيازه العام الدراسي ونجاحه، فاصطحبه معه إلى محطة أبو زعبل، مرورا بالمقابر، وهناك بدأت خيوط الجريمة تتشابك. يقول الطفل أن والده أبلغه أنه سيصطحبه لإحضار "سيجارتين بانجو من الترب"، ورأي الأب أحد عاملي البناء وهو يحمل أدوات عمله مديرا مشغل أغاني بجوار المقابر، فنهره الأب ليطفئ الأغاني احتراما للموتى، فأغلق الرجل الأغاني وترك المكان، فأخذ الأب نجله إلى إحدى الترب المفتوحة ليسقيها، إلا أنه أسقطه بداخلها وانهال عليه خنقا وتكتيفا حتى فقد وعيه وردم عليه التراب ظنا منه أنه توفى وتولى عائدا كأن شيئا لم يكن!. وداخل القبر، رأى الطفل ملكان، أحدهما أبيض والآخر أسود، وبطبيعة الحال الأسود حاول قتل الولد إلا أن الملك الأبيض دافع عنه وأنقذه من بطش الآخر، لينجو وينام الملك الأبيض بجواره محاولا مساعدته للخروج من القبر. وبالفعل أخذ الطفل يدفع التراب خارج القبر، وصادف ذلك مرور العامل صاحب واقعة الأغاني، حيث شاهد يد الطفل وهو يحاول الخروج، فجذبه خارجا وأخرجه من القبر ليسأله عن الشخص الذي كان معه، فأجابه الطفل أنه والده وهو من فعل به ذلك!. العودة للديار: أشفق الرجل على حال الطفل واصطحبه إلى منزل والدته عبير عبد السلام حسين عبد الفتاح سن 32، بائعة خضروات، ومقيمة شارع على منزل الحاج فتحي زكى بالمرج القديمة، وسرد لها ما كان فأبلغت الأم قسم شرطة الخانكة في ذهول تصمت أمامه جميع الكلمات. قالت الأم المكلومة، أنها طليقة الأب المتهم، وأنه لاتزال بينهما خلافات رغم الانفصال، مؤكدة أنها سبق وأن فقدت ابنتها من قبل، ولم تكن تتوقع أبدا أن يفعل طليقها بابنه ما فعل. أكدت الأم أن طليقها لا يتكلف مصاريف أبنائهما منذ زمن، وهي من تتولى ذلك، ورغم كل ذلك إلا أنها لم تشك لحظة أنه سيؤذيه باعتباره ابنه. الشيطان يبرر جريمته: عقب بلاغ الزوجة، تمكن ضباط مباحث مركز الخانكة من ضبط المتهم "أحمد محمد قطب"38 عاما، ومقيم شارع الترعة بجوار المعرض منزل أبوصابر بالمرج القديمة، وبكل قسوة اعترف بجريمته، وبدا عليه تحجر الملامح حينما برر فعلته بأنها انتقاما من طليقته التي يشك في سلوكها، وأن الطفل المجني عليه ليس ابنه، وعاد ليقول "قولت أقتله زي ما قتلوا مي بنتي". وخلال سرده لملابسات الجريمة، ادعى أنه رأي ولده وهو جالس بمفرده "زي اليتامى" في أحد الشوارع فسأله عن سبب ذلك فقال له الطفل أنه يريد أكل "كشري" وشراء "دراجة" يلهو بها، فاصطحبه للمرج الجديدة لشراء خط هاتف كما ادعى إلا أنه في الطريق رأي تجمع من الناس حول بعض الأشخاص يقدمون عرضا موسيقيا فوقف يشاهده، فاصطحب ابنه بعربة للمقابر. ويسرد: "مسكته من رقبته وخنقته لكن مقدرتش.. بغض النظر عن إنه ابني أو لا أنا لقيته روح وهاتموت.." وعندما رأى وجه الطفل تغير لونه خاف أن يموت فتركه ولما رآه يتنفس تركه في القبر وردم عليه التراب على يقين منه أنه سيحيا ويخرج من القبر – بحسب زعمه-، مؤكدا أنه صدم عندما اتصل به الجيران بأن ولده قد مات!. مفارقات يسردها، وأحاديث أوضحت مدى قسوة قلبه، فأين دموع الندم التي عهدناها في أعين الجناة ممن تبقى لديهم بعض الإنسانية؟، لا دموع ولا ندم في روايته فقد انتهى الأسى لديه بلذة الانتقام من طليقته!.