حول "إشكالية استيراد الفحم".. فمن المسلم به أن معظم المؤيدين لاستخدام الفحم هم رجال المال والأعمال وعلى المستوى الرسمي الجهات المعنية بالاستثمار والصناعة، فيما كان الرفض من وزارتي البيئة والسياحة والعلماء والمتخصصين والباحثين. لذا جاءت توصيات المؤتمر الدولي لمعهد البحوث والدراسات الأفريقية حول "الآثار المحتملة للتغيرات المناخية على القارة الإفريقية" لتناشد رئيس الوزراء بإعادة النظر في استيراد الفحم لاستخدامه ضمن منظومة الطاقة في الصناعة والأسمنت بصفة خاصة. قالت الدكتورة عزيزة بدر أستاذ جغرافية العمران والمدن بمعهد الدراسات والبحوث الأفريقية في جامعة القاهرة إن استخدام الطاقة في الصناعة بصفة خاصة مر بمراحل عديدة، وكان استخدام الفحم من أهم تلك المراحل، وقد ظهرت أخطار استخدامه منذ زمن بعيد، بدليل محاولات كل الدول الصناعية الاعتماد على مصادر طاقة نظيفة غير الفحم، أو خفض نسبة الاعتماد علية إلى أقصى درجة ممكنة ووضع شروط صارمة للحد من الآثار المترتبة على استخدامه في كافة المراحل التي يمر بها. وأوضحت أنه قد ثبُت علمياً أن أكبر نسبة من الطاقة اللازمة لتصنيع مواد البناء تحصل عليها صناعات الأسمنت بعدها الألومنيوم ثم الصلب، فضلاً عن أن إنتاج هذه المواد يعد سبباً لانبعاث كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون، لذلك فإن ألمانياوالصينوالولاياتالمتحدةالأمريكية تتحرك نحو الابتعاد عن الفحم الذي كان مصدراً تاريخياً للطاقة، وتتحول لاستخدام الطاقة الشمسية والطاقة المولدة من النفايات. وأكدت بدر أن الدول التي مازالت تستخدم الفحم كوقود للصناعة تتصدر قائمة الدول المولدة للانبعاثات الناجمة عن الاحتباس الحراري، وعلى رأسها الصين ثم الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي انسحبت من اتفاقية "كيوتو" عندما دخلت حيز التنفيذ عام 2003 مما يؤكد عدم استعدادها لتخفيض تلك الانبعاثات خشية انخفاض الإنتاج. وأبدت بدر تعجبها من قرار استيراد الفحم على الرغم من كل المناشدات والتحذيرات وفي ظل حالة التدهور البيئي التي تعاني منها مصر، ووسط عدم التزام المصانع والمنشآت بالمعايير والقوانين والضوابط البيئية للتخلص من عوادم ونواتج احتراق الوقود والمخلفات المختلفة، وخاصة صناعة الأسمنت التي باتت الدول الكبرى تضخ الاستثمارات لتصنيعه في الدول النامية هروبا من الأخطار الناجمة عنها. وأشارت بدر إلى أزمة الطاقة في مصر وعلاقتها بضرورة استخدام الفحم كما يرى المؤيدون بأنه لا مخرج للبلاد سوى تنويع مزيج الوقود لتوليد الطاقة الكهربائية، مستشهدة برأى الدكتور المهندس ماهر عزيز وكيل أول وزارة سابق لشئون الطاقة والبيئة وعضو عن مصر بالأمم المتحدة في مفاوضات التغير المناخي حيث أكد على أنه يتحتم أن يشتمل هذا المزيج على الفحم والطاقة النووية إلى جانب النفط والغاز والطاقة المتجددة. وأضاف أن استخدام الفحم سيعول عليه كثيراً لأن أمامه 200 سنة لينضب في العالم، عكس الغاز والبترول أمامهما 40 عاماً فقط، بينما الدول الصناعية تستخدمه تحت أقصى المعايير البيئية تشدداً، لذلك يحقق استخدامه فيها المعايير البيئة النظيفة بالغة الحماية، مشيراً إلى أن وسائل التحكم المتبعة في أنواع الانبعاثات المختلفة، كما يرى أن الغازات الدفيئة تنخفض إلى 600 كيلوجرام/وات ساعة مولدة أي ما يماثل الغاز الطبيعي تماماً عند رفع الكفاءة إلى 50%. وشددت بدر على أنه كيف يمكن تطبيق ذلك في مصر وسط ظروف بيئية صعبة ومجتمع أعمال غير ملتزم ولا محترماً للقوانين في حالات كثيرة، الأمر الذي يزيد من مخاوف كل المهتمين بشئون البيئة وحقوق الإنسان، بالإضافة للأخطار الاقتصادية والاجتماعية. وعبرت الدكتورة ليلى اسكندر وزير الدولة لشئون البيئة عن رأى خبراء وعلماء البيئة ووزارتها، مؤكدة أن استخدام الفحم له تأثير خطير على الصحة العامة، فانبعاث ثاني أكسيد الكربون وأكسيد النيتروجين والزئبق بمستويات مرتفعة، يسبب الانسداد في الأوعية الدموية وكذلك السرطان، وغير ذلك من الأمراض. وأضافت أن الأمر لا يقتصر على غياب الإعداد اللازم لاستخدامه فحسب، بل غياب الدراسات عن الأسعار العالمية للفحم، وتكلفة تحوّل المصانع إلى استخدام الفحم، هذا غير تأثيره على التجمعات الحضرية والبيئة السكنية، لذا ترتفع التكلفة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لاستخدام الفحم عندما تؤخذ التكاليف الإضافية في الصحة والبيئة المناخ والمجتمع، وقطاعات النشاط الأخرى كالزراعة والسياحة وغيرها بعين الاعتبار، فإن مصادر الطاقة المتجددة الآمنة تصبح أقل كلفة بكثير من الوقود الأحفوري والفحم، خاصة وأن مصر تتجاوز المعدلات المسموح بها لتلوث الهواء بنسبة 120% ترتفع إلى 200% في المناطق الحضرية، وهناك العديد من حالات الوفاة والأضرار الصحية في محيط مصانع الأسمنت. وناشدت بدر بضرورة دراسة حالة صناعة الأسمنت بصفة خاصة ومدى الآثار الناجمة عنها بيئياً واقتصادياً وصحياً وعمرانياً، سلباً أو إيجاباً، ومعرفة الأخطار والعوائد بدقة، ومدى الالتزام بالمعايير البيئية، وعقوبات عدم الالتزام بها، كيفقية تطبيق المعايير الجديدة في حال استخدام الفحم، ونقلة وتخزينه واستخدامه والتخلص من النواتج والنفايات. وطالبت بإجراء حوار مجتمعي موسع يناقش القضية بما في ذلك الإفراط في استهلاك ودعم الطاقة، ومستحقي هذا الدعم خاصة في مجال الصناعة، أخذاً في الاعتبار كل الأبعاد الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية والبيئية، وحقوق الإنسان، على أن يكون ذلك بعد انتخاب كل من الرئيس الجديد ومجلس للشعب، حتى تتسم القرارات بالفوقية.