ندوة كتاب جمال البنا : المسلمون يعيشون بعقول مغلقة ! محيط - رهام محمود القاهرة : استضاف صالون دار "العين" للنشر أمس جمال البنا الكاتب الإسلامي المثير للجدل لعرض أفكار كتابه الجديد "تجديد الإسلام .. إعادة تأسيس منظومة المعرفة الإسلامية"، وقد ناقشه فيه أحمد كمال أبو المجد المستشار والكاتب الإسلامي، د. أمنة نصير أستاذة الفلسفة الإسلامية، بينما أدار الندوة د. عمار علي حسن الباحث المتخصص في الشئون الإسلامية ، بحضور د. فاطمة البودي صاحبة الدار . وقال د. عمار أن أهمية الكتاب تنبع من كونه يتصدى ليس لتجديد الفكر وإنما تجديد الدين، وصاحبه يدعو لضرورة التعامل بعقلانية شديدة مع المنتج الفكري الذي تراكم على النص الديني وهو "القرآن الكريم" الذي نستمد منه التشريع لحياتنا، ومعه ما نسب للرسول صلى الله عليه وسلم من أحاديث شريفة ، مؤكدا أن الحكمة هي الأفكار التي ولدتها الحضارات الإنسانية في تعاقبها وهي ضالة المؤمن التي إن وجدها فهو أولى بها . كما أكد مدير الندوة أن كتابات جمال البنا دائما تثير الجدل ومشروعه يضم أكثر من سبعين كتابا، ومن وجهة نظر د. عمار فإن جمال البنا مخلص لدينه ويعمل لما يراه في صالحه ، ولابد للمختلفين معه أن يواجهوه بموضوعية ولا يسيرون مع حالة القهر ومصادرة الفكر السائدة في المجتمعات العربية . خلاف التجديد رأى د. كمال أبوالمجد من جانبه أن الكون عموما تغير تغيرا نوعيا في الخمسين عاما الأخيرة، والأجيال المتعاقبة تختلف في تلقيها للصراعات والأحداث التي تدور في العالم، وهو يرى الأجيال الحالية أفضل في استجابتها لهذه المؤثرات عمن سبقوهم، قائلا أن أحفاده يستخدمون الكمبيوتر ببراعة بينما هو لايزال وفيا للورقة والقلم . ويؤكد أبوالمجد أن كتاب جمال البنا يورد أفكار أبرز المساهمين في عملية تجديد الفكر الإسلامي، ويلفت إلى أن التفكير الإمبراطوري المهيمن الإستبدادي الذي يعيشه العرب أوقف نموهم العقلي والذهني، ولهذا فهو يدعو لأن تتغير المنظومة المعرفية للمسلمين . لكن الكتاب برأيه سيثير ضجة لأن قليل من الباحثين يمتلك الجسارة لمناقشته ، والتصدي لتجديد الفكر يحتاج لدراية فقهية واسعة حتى لا يتهمك أحدهم بالجهل، والقدرة على التعبير عن هذا الرأي، وقد ركز البنا في كتابه على أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي جدد نظام معيشته وقوانينه وأنظمته السياسية، وباجتماع العلم والإرادة لدى الإنسان. وقال أبوالمجد أن مختلف مع البنا في أسلوب بناء هذه المعرفة الإسلامية الجديدة التي تقوم على العقل والإرادة، ولكني أقر معه أن لدينا مشكلة انشغال الناس بقشور في الدين لدرجة كبيرة مثل قضية النقاب، في الوقت الذي يستولي فيه اليهود على فلسطين والمسجد والأقصى، وفي وقت ينشغل فيه الأمريكيون والأوروبيون بتطبيقات الخلايا الجزعية لعلاج الأمراض التي تفتك بالملايين . نقد التعليم الأزهري أما الدكتورة آمنة نصير فحيت البنا على شجاعته الفكرية، وقالت أنها تحب تحليلاته ولكنها تحذره من الخوض في المسائل الفقهية لأنها ستسبب له الحرج ، قائلة أنه لا يجب أن يضيع جهده في الخوض بهذه الأمور . أضافت : جامعة الأزهر مازالت تتشبث بالموروث بشكل جامد ، ولكنها كانت تريد ألا نقتلع من جذورنا وفي نفس الوقت نواكب مستجدات العصر، وما بين هذا وذاك جسر طويل لابد أن نكون قادرين على اجتيازه لسنا وحدنا ولكن معنا المجتمع الذي نأخذ بيده لهذا الطريق من عدم التقوقع أو التغرب . ولا أحد ينكر أن تراثنا عظيم ونحن ننكر من يريد الإطاحة به لأنه لا يمكن أن نبدأ من الصفر بأية حال، ولكن تراثنا هذا به أشياء يؤخذ منها ويرد وليس كل أقوال الفقهاء القدامى تصلح لهذا العصر. وكل إنسان يؤخذ منه ويرد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه نزل عليه الوحي الأمين ولم يكن ينطق عن الهوى ، أما ما غيره من اجتهادات بشرية فبها خطأ وصواب . تابعت نصير: قال الرسول صلى الله عليه وسلم حينما سأله الناس عن تأبير النخل "أنتم أعلم بشئون دنياكم" ، وكأنه أراد أن يعلمنا ألا نقف أمام سلوكياته الكريمة في كل شئون حياتنا مثل الطعام والشراب والزراعة لأن هذه الأمور ترجع للزمان والمكان . ولهذا أرفض فكرة "الطب النبوي" ؛ لأن الطب به مستجدات كثيرة ، وأذكر الفترة العظيمة التي عاشها المسلمون في الأندلس وعرفوا الدين الصحيح وعرفوا كيف ينكبون على طلب العلم فبرز منها الكيميائ والطبيب والفلكي العظيم، أما نحن حاليا فنعيش على فتات مائدة العلم التي يضعها الغرب ونستجدي منهم الجديد ، وهو ليس إنشغالا بالدين وإنما هروب من مسئوليتنا في الأرض وتجميد للعقل الذي هو منحة إلهية اختص بها الإنسان ، فعطلها الأخير في العصر الحالي وجعلها مجرد ديكور. كما ترى د. آمنة أن لدينا قوى ثقافية تهيمن بشكل مخيف على المجتمع، وتريد الإعتماد فقط على الموروث وليس الحديث، ومن أهمها الفضائيات الدينية الجديدة التي سحبت المجتمع للخلف وراءها، حتى أنني دخلت المدرج في يوم فرأيت جميع الطالبات منتقبات مع أنه ليس فرضا، فقالت لهم أريد أن أرى وجوهكن . وتابعت بقولها: من وجهة نظري فإن النقاب عادة يهودية وليست إسلامية؛ فموسى بن ميمون كان يعد المرأة التي تخرج من البيت دون غطاء وجهها خارجة عن الشريعة اليهودية، وفي سفر التكوين العهد القديم إصحاح 38 و24 نجد النقاب موجودا ، وتنقبت زوجة النبي يعقوب عليه السلام حينما دخل عليها النبي إسحق عليه السلام ، وحينما جاء الإسلام كانت هذه العادة موجودة فلم يرفضها ولم يفرضها ، وإنما فرض الإحتشام وغطاء الجسد ، ولهذا يجب أن نستفتي قلوبنا وعقولنا قبل أن ندخل في دوامة أظلمت الشوارع المصرية . وترى د. آمنة أن البنا استشهد بآراء فقهاء مصلحين منهم بن تيمية الذي يعد عقلية متنورة هامة برأيها، كما استعرض شخصية سيد قطب المفكر الإخواني صاحب العبارات البليغة والنقد الأدبي الفريد ، والذي فسد حينما دخل في مجال السياسة والسجون وما شاهده من تعذيب وظلم ، فلم يقدم لنا الزهور وإنما نظر لتكفير الجميع ليشفي غليله ممن اهانوه في السجن . وتحدث الكتاب عن بن رشد الذي أيقظ أوروبا كلها ، وابن تيمية ، وابن جيزية ، والشوكاني ، واحمد خان ، وغيرهم من الفقهاء العظام الذين أعطاهم حقهم . وأردفت : الشباب ضحايا هذا المجتمع، فنحن أمة وسط بنص القرآن ليس لدينا تطرف لأي جهة، وهذه الوسطية مسئولية دنيا وآخرة، وسيكون الرسول شهيدا علينا وسنكون شهداء على الناس، وهذه المسئولية لا تتذكرها القنوات الفضائية ، فلا نرى فضائية تحث الشباب أن يكونوا رواد المجتمع ، وعلنيا أن نعيد الأطفال والشباب للدين الوسطي المعتدل ، وبالمناسبة هناك من يقول مصطلحات لا يفهم معناها، فكلمة "سلفي" لا تعني أنه متزمت وإنما السلفية معنى راق لو التزمنا به . مضمون الكتاب أما جمال البنا مؤلف الكتاب فأكد أنه قسم كتابه لثلاثة أقسام؛ الأول تقريري وصفي يستعرض المجددين في الإسلام في العصور القديمة والحديثة مع اهتمام خاص بخمسة من هؤلاء المجددين وهم الأفغاني، محمد عبده، حسن البنا، محمد إقبال ، واستعرض بقية المجددين حتى الفترة الراهنة. بينما القسم الثاني من الكتاب يتحدث عن أسباب تعثر جهود المجددين سواء في العصور القديمة أو الحديثة نتيجة للمعارضة التي قوبلت بها أفكارهم ، ولهذا لم يحقق المجددون ما أرادوا. أما القسم الثالث فهو إعادة منظومة المعرفة الإسلامية من وجهة نظر المؤلف ، وهو يؤكد أنه لا يريد قطع الصلة بالتراث وإنما يكون البدأ في تأسيس منظومة المعرفة من القرآن ذاته، وهو برأيه الأساس الحقيقي للإسلام، وعندنا أيضا أحاديث الرسول المنضبطة بالقرآن، ولكن البنا قال أن إفساد الإسلام بدأ من باب السنة عن طريق ما تقوله البعض على الرسول ولم يقله ، أو ما يسمى بالأحاديث الموضوعة، لأن هؤلاء لم يستطيعوا التغيير في آيات القرآن . وهو يرى أن العقل هو القادر على تفنيد صحة الحديث ، كما أن هناك القيم الدينية التي تنادي بها كل الديانات منها الحرية، الإخاء، المساواة والعدالة والتي تساهم في تجديد فهم الدين . كما أضاف البنا أن من يريد منه أن يتعلم كل كتب التفسير وقضايا الناسخ والمنسوخ لكي يتحدث يريده في الحقيقة أن يتعلم ليفسد معنى القرآن ، وهو يرى أن القرآن ليس بحاجة لكتب تفسير بل إظهار للمعان فقط ، لأن لا أحد يمكنه معرفة التفسير الحقيقي . وقال أنه لا ينكر أن السلف الصالح كانوا عباقرة في محاولة تفسير القرآن وأرادوا التقرب من الله بذلك ولكن هذا لا يعني أن نلتزم بما قالوه حرفيا ، وإنما نسترشد به – برأيه – فقط في بحثنا، أو ولا نبني على ما ذكروه وكأنه لا مجال لمناقشته . كما يرى البنا أن الخروج على تفسير أو رأي لأحد الفقهاء القدامي ليس خروجا عن الدين، قائلا أن هناك من في مصلحته تعليم الشباب كتب السلف وحدها ويصعب برأيه أن يوجد مجدد أزهري مثلا لأن ثقافته بنيت على النقل ، وهي دراسات جيدة وبها روائع ولكنها تلغي العقل والإجتهاد . وتعقيبا على ما ذكره البنا ، قال د. عمار أنه للأسف اختزل الكثيرون جمال البنا في بعض الآراء الفقهية التي تحدث فيها دون أن يعلموا إجتهاده الكبير الفكري، وردا عليه قال البنا أنه لا يجب أن يتجنب هذه الأشياء لأن دور المفكر غير دور الداعية الديني ، فهو لا يعمل لكسب أتباع ولكني برأيه لإظهار الحقائق التي يؤمن بها . .. يشار إلى أن جمال البنا أحد الباحثين المصريين في الفكر الإسلامي وهو الشقيق الأصغر لمؤسس جماعة "الإخوان المسلمين" الشيخ حسن البنا ، ومعروف بآرائه المثيرة للجدل والمرفوضة من قبل القطاع العريض من علماء المسلمين وشيوخ الأزهر، مثل اعتراضه على الحجاب وزعمه أنه من العادات اليهودية والنصرانية ، وإباحته للتدخين في نهار رمضان ، واعتباره أن القبلات ومشاهدة الأفلام الإباحية من الصغائر التي يقع فيها المسلمون ، وتأييده لإمامة المرأة في الصلاة !!