الصحفي آسر مطر يسخر من ركاب "أتوبيس إسكندرية" محيط – رهام محمود من اليمين: البودي ومطر وعقل القاهرة : في إحدى أمسيات الصالون الثقافي، استضافت دار "العين" للنشر أمس الكاتب الصحفي الشاب آسر مطر، ليوقع أول مجموعاته القصصية الساخرة بعنوان "أتوبيس عام الإسكندرية" ، وقال مؤلف الكتاب أنه أنجزه خلال عامين بعد أن غاب في دولة قطر طيلة 25 عاماً لظروف عمله الصحفي بفضائية "الجزيرة" . وأشارت د. فاطمة البودي صاحبة الدار ومديرة الندوة إلى أن الكتاب يضم تجارب حقيقية عايشها المؤلف وأخرى شاهدها في المجتمع، وأكدت البودي امتلاء السوق العربية بالكتب ولكن معظمها يخرج في عجالة ليس به حرفية ولا يتمتع بالجودة، قائلة أن هذا لا ينطبق على آسر مطر الذي يتمتع بجماهيرية وتجذب كتاباته متصحفي الإنترنت وخاصة على الشبكة الإجتماعية "فيس بوك" ، ولذا فقد أقنعته بطباعة هذا الكتاب لما لاحظته من عمق معالجته للقضايا وأسلوبه الساخر الجذاب الذي يجعلك تضحك على نفسك وعلى المجتمع. من جهته أشاد الناقد البارز د. حسام عقل بتبني الناشرة للمواهب الحقيقية الجديدة ، ورأى أن مشروع مطر القصصي ينبيء بكاتب هام في المستقبل وتصلح معظم قصصه للترجمة للخارج، وخاصة أنه ينضم لقائمة الإعلاميين الذين أدركتهم حرفة الأدب ومنهم محمد جراح، أحمد مرزوق، صلاح معاطي، وهؤلاء يستوحون مشاهدهم القصصية من الحالات اليومية للناس وبحكم عملهم فهم يقابلون الكثير من الحالات ، وتتميز هذه القصص ببساطة أسلوبها بحيث يمكن للقاريء العادي استيعابها في غير غموض. يستعرض الكاتب آسر في أول قصص مجموعته رحلة داخل قطار مصري، وكأنه يريد مراقبة المجتمع من نافذة هذا القطار، وشاهد نماذج مختلفة من الناس؛ الثرثار، المتطفل، الانتهازي، وخفيف الظل وغيرهم . تضم المجموعة بحسب الناقد 23 قصة وضمنها قصص أشبه بالخواطر الأدبية وفي بعضها رفع سقف النقد السياسي لدرجة عالية، ولغة القصص تحمل نوعا من التلغرافية السريعة فهو لا يستخدم البلاغة الصرفة، وإن كانت بعض القصص تحمل كثافة شعرية تظهر أحيانا في مواقف الحزن ، منها مثلا حينما عبر عن رحيل أحد أقاربه بمحرقة بني سويف الشهيرة ، وهو مشهد يجعلك تبكي . مكالمة في القطار جانب من الندوة يتابع د. عقل: في النص الأول من مجموعة آسر "مكالمة خاصة" يقوم القاص بما يشبه مسحا اجتماعيا لكل شرائح وطبقات المجتمع المصري من خلال رنات التليفون المحمول؛ فقد تكون النغمة دينية أو أغنية شعبية أو موسيقى حالمة ، وهو يراقب شخصا اسمه "مجدي" تأتيه مكالمة خاصة ولكنه يتحدث للطرف الآخر من المكالمة "أحمد طلبة" بصوت عال يسمعه الجميع .. ومن هنا فقد عاش ركاب العربة هذه المكالمة التليفونية، وعلموا أن طلبة على خلاف مع زوجته ، وقد نصحه "مجدي" مراراً ألا يتزوج من هذه المرأة ولكن الأخير لم يفعل، وطلبة حاليا يريد التخلص من زوجته ، فيعرض عليه النذل مجدي تلفيق "قضية آداب" لزوجته للتخلص منها ، كل هذا يتابعه القطار ، ولكن يدخل مجدي في مشادات مع بعض الركاب لاعتراضهم على سماع هذه المكالمة التي تحمل أشياء تتعلق بخصوصيات الفراش الزوجي، وتكلم الراوي في آخر القصة : "نهضت من مقعدي ووقفت فوقه ليراني جميع ركاب العربة، وصرخت بأعلى صوت ممكن، "يا جماعة لو سمحتم هذه المكالمة ستظل سرا بيني وبينكم، وبين مجدي وأحمد طلبة". يقول الناقد : يستخدم آسر ضمير المتكلم في جميع القصص وهذا يعطيه نوعا من الحميمية مع القاريء، ونقد المؤلف للمجتمع ليس نقد الحاقد بل المحب ، وفي قصة "في بلاد الفسافيس" نجد إسقاطا على الحالة السياسية المصرية بكل ملابساتها، وهذه القصة يعتبرها الناقد درة التاج في المجموعة القصصية، وأكد أيضا أن المؤلف يكسر أفق توقع القاريء بحسه البوليسي. أحمر وشرشر في قصة ثانية يتناول آسر شريحة السائقين المصريين في دول الخليج، والذي يمكن أن يوصلك بثرثرته لأن "تكرة اليوم الذي ولدت فيه"، فالسائق في المجموعة يسأل الراكب عن راتبه وكل أسئلة المقابلات الشخصية للوظائف، لدرجة أنه في النهاية يسأله "لماذا لم تتزوج حتى الآن"، وفي نهاية القصة قال الراوي : "انطلقت هاربا قبل أن يطلب مني رقم المحمول، أو يرغب في لقائي على المقهى المرة القادمة كي يبحث لي عن عروس خليجية ويأخذ الحلاوة". ويقول الناقد: في قصة "أحمر وشرشر" يضع الكاتب رسائل سياسية ملغومة ويستخدم قالب الفانتازيا فنجد ببداية القصة أحد الأشخاص لا يعجبه أن يقول "لون أحمر" فيقول "لون "شرشر" وعندما استخدم هذه الكلمة تأثر به آخرون، فبدأت تظهر أقلية "شرشرة"، في مقابل أغلبية "أحمرية"، وبدأت الأقلية الشرشرية تتهم بأنها تقود مؤامرة على تقاليد وقيم البلاد، وينتقد المؤلف بعدها هلع النظام الشمولي من أدنى بادرة للتغيير؛ فقد أصبحت الأقلية الشرشرية خطر على البلاد بين يوم وليلة، ويظهر رجل دين يقول أن هذه الأقلية تشق عصا الطاعة ويقول : "كل ما يراه سيدنا وتاج رأسنا أمير الفسافس "فسفوس الأول" هو وحي يوحى، وأن كل من يعارضه يستحق الإذابة في حامض الكبريتي" . وبعد هذه الأزمة في بلاد الفسافيس يضطر أشهر نادٍ يرتدي اللون الأحمر لأن يمزق فانلته ويسارع الناس بإحراق كل أشيائهم الحمراء، وتظهر على حدود البلاد الشرقية دولة (المناخير) المدعومة بجمهورية ( الوليات المفتريات)، ونلاحظ الإشارة لدور القوى الغربية في تحريك الأزمات وكيف تدس أنوفها في كل شيء، وبالفعل تنجح دولة المناخير في اكتساح هذه الدولة، وهنا يقول الكاتب "لن يستغرق الأمر أكثر من ثلاث ساعات للسيطرة التامة على بلاد الفسافيس".