بسبب الحب..جلال الدين الرومي أُسئ فهمه في الغرب الحياة بدون ذكر الله ضائعة وجوهر ما أعرفه هو الشهادتين في الطريقة "المولوية".."القبعات" شاهد القبر و"التنورة" كفن في قاعة ضجت بالحضور حتى أنهم افترشوا الأرض استماعاً، قدم البروفيسور شمس فريدلاندر، أستاذ الممارسة في قسم الصحافة والإعلام بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة محاضرة عن "مولانا" جلال الدين الرومي، وعرض فريدلاندر لفيلم قام هو بكتابته وإنتاجه وإخراجه عن الرومي بعنوان "الرومي: أجنحة الحب"، في أمسية استضافتها الجامعة الأمريكيةبالقاهرة مساء أمس الأربعاء. استهل فريدلاندر محاضرته بالحديث عن جمال التحية في الإسلام قائلاً: خلق الله خمسة عظام في يد الإنسان، وحين يدخل المسلم غرفة للسلام على أهلها، يضع الخمسة عظام التي تمثل أركان الإسلام الخمسة على قلبه لكي يثبت للآخرين أنه ليس مصدر أذى لهم، هكذا هو جمال الإسلام على حد قوله. واستشهد بما قاله الرومي "أنا لست من الشرق أو الغرب..ولا توجد حدود في قلبي"، واستعرض فريدلاندر حياة الرومي قائلاً أنه ولد في افغانستان في القرن الثالث عشر، وعاش حياته كلها في تركيا، وهو أكثر الكتاب مبيعاً في تركياوأمريكا أيضاً، لأنه عُرف بأنه صوت الحب وكلماته لا يحدها زمان أو مكان، فرسالته هي الحب، لذلك ينجذب إليه كثير من الناس. فريدلاندر مصور، ومصمم للجرافيك، ومخرج للأفلام الوثائقية، ورسام، وشاعر، ومعلم، ولديه تاريخ وظيفى يمتد لأكثر من 30 عاماً، قال أن جذور فكرة الرومي هي الإسلام، فقد كان مسلماً يرحب بكل الأديان، الحب عنده ليس جسدياً ظاهراً لكنه حب ينفذ إلى ما وراء الطبيعة، تحدث عن الجميع بشكل إنساني لذلك كلماته تلمس الجميع، كان يعيش خارج الحدود التي نعيشها اليوم، يعيش في نور سيدنا محمد صلّ الله عليه وسلم، وهو مكان يتسع لنا جميعاً كما يؤكد فريدلاندر. يتابع أستاذ الصحافة الذي ألّف تسعة كتب عن الإسلام، أن الرومي استخدم الأحداث اليومية ورائحة الفواكه والزهور، وظواهر البرق والرعد ليظهر للإنسان قدرة الله وروعة الحياة. كان الرومي برأي فريدلاندر مأخوذا بنور الله، كان دائماً ما يردد "أنا عصفور في حدائق الجنة ولا أنتمي إلى الأرض". في القرن الثالث عشر قابل الرومي كما يشير فريدلاندر أحد الدراويش وهو "شمس الدين التبريزي"، الذي قدّم إلى الرومي خمر الحب الإلهي كما قال الرومي نفسه؛ حتى أنه تابع قائلاً: "وأصبحت غريقاً في موجة من الدموع". ويشير صاحب المحاضرة إلى أن الرومي تأثر كثيراً بشمس، وأصبح يتحدث عنه كثيراً، وينقل فريدلاندر عن الرومي قوله: "كشف لي شمس الكثير من الأسرار عن سيدنا محمد صلّ الله عليه وسلم، ونمّى لي أجنحة وفتح لي عيوني لأرى نور الفجر، استشعرت الحرية كطير لم يعد محبوساً بعد الآن". بعد بضعة سنوات رحل شمس الدين التبريزي كما يشير فريدلاندر، وحزن عليه الرومي فكتب يرثيه، في "الديوان الكبير أو ديوان شمس التبريزي"، والذي كتبه الرومي في ذكرى موت صاحبه العزيز وملهمه في طريق التصوف والشعر. وكتب فيه أكثر من أربعين بيت شعر وخمسين قصيدة نثرية. وقدّم الروم رقصة "سما"، وكان شعر الرومي كما يقول هو نفسه عنه: "إن شعري يشبه العيش المصري، عندما يمر عليه الليل لا يمكن أكله..فقط عندما يكون طازجاً يمكن تناوله، وهو يتحول في جسم الإنسان إلى حياة". هذا برأي فريدلاندر هو جوهر طريقة جلال الدين الرومي، فهو لا يركز على الظاهر أو الموجود، الذي ندركه بحواسنا، لكنه ينفذ إلى المعنى المخبوء في قلب كل منا. الإحساس بالله – يواصل أستاذ الصحافة – هناك الكثير من الآثار الدالة على الله، لذلك يعطي ذكر الله تناغم للأنفاس، ويعطي للحياة كمالها. فالله تعالى أعطى لكل المخلوقات وسائل تستطيع بها حماية نفسها من الخطر، الثعبان لديه السم، الأسد لديه القوة والشراسة، الحرباء يمكنها تغير جلدها، الطيور لديها أجنحة، أما الإنسان فلديه ذكر الله. مؤكداً ان القلب الجاف عن ذكر الله "سينهار كفتات الخبز" . ويشير الرومي إلى أن القلب البعيد عن ذكر له هو أعمى وأصم. وتحدث فريدلاندر عن تعاليم الرومي التي تؤكد أن الإنسان سر من أسرار الله، فهو قبسة من النور الإلهي، قلب بينه وبين الله صلة سرية، ولا يميل إلا إليه سبحانه. يقول الرومي: "كتاب الصوفي لا يكتب بالحروف والحبر، بل هو قلب". أظهر لنا الرومي كما يؤكد أستاذ الصحافة كيف يمكننا تعلم 10 آلاف شيئ من شئ واحد فقط، كان يخبرنا أنه إذا سجدنا سجوداً حقيقياً بخشوع في الصلاة، لا يمكن العودة إلى ذاتنا القديمة أبداً، بل نتغير وسنكون أكثر حباً لله، ليعلق فريدلاندر قائلاً: لقد لمس الرومي أشياء عميقة وأعطاها في جلسات خاصة للمريدين. ويرد فريدلاندر على لسان الرومي عمّن يشككون في حقيقة البعث بمثال قائلاً: في الليل حين يذهب كل منا إلى فراشه، القاضي، والترزي والملك، يودع كل منا أفكاره وروحه، وفي الصباح يسترد كل منا ما ذهب منه، لكن هل وجدتم من قبل من يخلد إلى نومه ترزياً ويستيقظ قاضياً؟!، بالطبع لا فلا توجد أخطاء في ملكوت الله، وهذ هو نفس ما سيحدث في العالم الآخر، أمر الله الذي ما له من نفاد. ولفت فريدلاند إلى أن معظم أشعار الرومي وضعها في ال25 عاماً الأخيرة من حياته، حدّثنا الرومي عن الحب الخالص الغير قابل للقسمة. وقبل عرض الفيلم التسجيلي عن الرومي، أكد شمس فريدلاندر أن الذكر ليس أداء او موسيقى فلكلورية، لكنه معنى روحي خالص، فالموسيقى ليست للاستماع بل للمشاركة، وهناك أُناس يدورون مع الموسيقى، حتى أن الزي نفسه في رقصة الدراويش له معنى، هم يرتدون قبعات تمثل شاهد القبر، ويرتدون تنورة تمثل الكفن، ويرتدون معطفاً يمثل العالم، وحين يخلعه الراقص فكأنما يخلع العالم ويتجه بقلبه إلى الله. وعرض الفيلم لحياة جلال الدين الرومي، وكيف كان الرومي يستعمل الموسيقى والشعر والذكر كسبيل للوصول إلى الله عز وجل فالموسيقى الروحية بالنسبة له، تساعد المريد على التركيز على الله بقوة لدرجة أن المريد يفنى ثم يعود إلى الواقع بشكل مختلف، ومن هذه المنطلق تطورت فكرة الرقص الدائري الذي وصلت إلى درجة الطقوس. وقد شجع الرومي على الإصغاء للموسيقى فيما سماه الصوفية السماع، فيما يقوم الشخص بالدوران حول نفسه فعند "المولويين" التنصت للموسيقى هي رحلة روحية تأخذ الإنسان في رحلة تصاعدية من خلال النفس والمحبة للوصول إلى الكمال، والرحلة تبدأ بالدوران التي تكبر المحبة في الإنسان فتخفت أنانيته ليجد الطريق للوصول إلى الكمال. وحين يعود المريد إلى الواقع ، يعود بنضوج أكبر ممتلأً بالمحبة. بعد وفاة الرومي حول ابنه "سلطان ولد" تعاليم الرومي إلى سلوك للمريد، والذي عُرف بالطريقة "المولوية" وانتشرت هذه الطريقة في مختلف أصقاع العالم الإسلامي ولاقت صدى واسع في العالم الغربي في العصر الحديث. وفي إجابة على تساؤل إحدى الحضور، أكد فريدلاندر أن الفيلم لم يعرض لنساء متصوفات لأن الإسلام يفصل بين الجنسين، فلم يمكنني التصوير، لكن هناك شيخات للصوفية، وابنة الرومي استطاعت نشر تعاليمه في آسيا، وفي الطريقة المولوية هناك نساء كثيرات، وهن موجودات ولديهن مشاركة حقيقية. وأكد فريدلاندر أن جوهر كل ما يعرفه من أشياء هو "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وأن النفس الذي يخرج بدون ذكر الله ضائع، ولفت إلى أن الرومي قد أُسئ فهمه في الحضارة الغربية، فهم عندما يقولون شاعر الحب لا ينظرون إليه كحب إلهي، بل حب حسي. الحب الصوفي عند فريدلاندر هو المظلة، وال99 اسماً لله هم مجرد جوانب لله لا نهائية، فمثلاً الرحمة لها حدود عند الإنسان، لكنها لا نهائية عند الله، وهكذا الجمال وغيره. وأوضح أن الصوفية هي الإسلام، وأنك إذا كنت صوفياً لابد أن تكون مسلماً، وهناك سوء فهم كبير في الغرب وأوروبا، فهم يقولون أن بإمكانهم أخذ مفهوم الصوفية وتشكيلها كما يريدون دون أن يكونوا مسلمين، وهذا بالطبع غير ممكناً. فلا يمكن لأحد أن يكون صوفياً دون أن يشهد بأن الله واحد لا شريك له وأن سيدنا محمد رسوله. وحين سأله "محيط" عن سبب تعلقه بالصوفية قال: "هبة من الله أتت بي إلى الصوفية" حين كنت في التاسعة من عمري قرأت بيتين من الشعر، بقوا معي إلى لآن وهما: "بكيت لأني لم يكن لديّ حذاء/ ثم قابلت رجلاً ليس لديه أقدام"، وبعد سنوات اكتشفت أنه جزء من الشعر الفارسي، وأعتبر أن هذا هو أول علاقتي بالصوفية. يتابع: أنا امريكي وفي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كانت هناك قبسة روحية من الشرق أتت إلى الغرب، فقد كان هناك مدرسون صوفيون، ومعلمون يوجا، وكنا ماخوذين بهذا في الغرب، وفي هذا الوقت كانت الطريقة "المولوية" موجودة في أمريكا، والكثير منا انجذب إليها، وكانت هذه البداية. وتحدث فريدلاندر عن كتابته لمذكراته، وقرأ من هذا العمل غير المنشور فصلاً تحت عنوان "حصاد الشتاء"، قائلاً أنه قد أصبح "عجوزاً" في شتاء حياته، لذلك قرر أن يكتب عن حصاد ما زرعه طوال حياته، لافتاً إلى أنه قابل كثير من المعلمين الروحيين، وسيذكر قصصهم في هذا الكتاب. يتذكر أيضاً فريدلاندر طفولته في بوسطن، وذكرياته عن مدرسته، ودروس الطيران والسباحة، ودراويش "المولوية"، وأيام القاهرة وليالي أسطنبول، مؤكداً أنه لم يكتب هذه الذكريات بترتيب حدوثها، رغم ارتباطها بحياته، فكل حدث منها فريد من نوعه ويعبر عن مستقبله فيما بعد. وبصدق شديد يقول: طوال حياتي اخذت تقريباً 6 مليون نفس، كم منهم احتوى على ذكر الله، الشيخ الصوفي يقول أن النفس الذي نستنشقه دون ذكر الله هو نفس ضائع، ومن هنا اتساءل: هل سيكتب أني عشت حياة ضائعة؟ أم أن هناك ضوء في آخر النفق سيشفع لي؟!. يواصل: أتذكر ما قاله الشيخ الصوفي أيضاً أن قول "لا إله إلا الله" كفيل بأن يدخلك الجنة، لكنني أطمع ان يكون هذا من قلبي ويقبله الله. والكتاب سينشر بالتركية في سبتمبر المقبل، ثم في لندنوأمريكا. يذكر أن شمس فريدلاندر، أستاذ الممارسة في قسم الصحافة والإعلام بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة، اختير من قبل المركز الإسلامي الملكي للدراسات الإستراتجية، ضمن أكثر 500 شخصية مسلمة ذات تأثير في العالم، حيث حصل فريدلاندر على الجائزة في فئة الفن والثقافة.