مصر تلجأ للتحكيم الدولي لاستعادة طابا استخدام سبب الهزيمة في تحقيق النصر إسرائيل تعرض على مصر تأجير طابا لمدة 99 عاما "عنصر المفاجأة أفقد العدو الإسرائيلي توازنه تماماً".. قالها الرئيس الراحل محمد أنور السادات أمام نواب البرلمان المصري، كاشفا سر الهزيمة القوية التي تلقتها إسرائيل في حرب السادس من أكتوبر، وتحقيق معادلة غاية في الصعوبة، وهي استخدام نفس سلاح هزيمة مصر في النكسة للانتقام من الكيان الصهيوني وسحقه عام 1973 ورجوع طابا لوطنها الأول والأخير. مفاجأة بمثلها ورغم أن مصر فوجئت في صبيحة يوم 5 يونيو من عام 1967 بهجوم قوات جيش الدفاع الإسرائيلي على قواتها المسلحة بأرض سيناءوألحقت بها هزيمة نكراء، إلا أنها فاجأت خصمها في ظهر يوم السادس من أكتوبر عام 1973 بمفاجأة لا تقل عن نظيرتها في القوة؛ إذ قامت القوات المسلحة المصرية بسحق دفاعات العدو الأمامية على الضفة الشرقية للقناة وتحطيم أسلحته واختراق "خط بارليف" ذلك الساتر الترابي الذي أقامته إسرائيل على الضفة الشرقية لقناة السويس عقب احتلالها لشبه جزيرة سيناء. وصف قادة إسرائيلخط برليف بأنه "الخط المنيع" وعبوره مستحيل، وكانت المفاجأة المذهلة للعدو الإسرائيلي بهجمة شرسة للقوات المصريةبالتنسيق مع قوات الجيش السوري والذي شن هجمة مماثلة على قوات العدو التي احتلت هضبة الجولان. بدأت المعركة على الجبهة المصرية في 5 يونيو67وقامت إسرائيل بمهاجمة القوات المصرية بسيناء واحتلالها فيما عرف بحرب "الأيام الستة"التي أعقبها معارك طويلة بين الطرفين المصري – الإسرائيلي، سميت بمعارك "حرب الاستنزاف" والتي دامت لمدة ستة أعوام حتى لحظة عبور القوات المسلحة المصرية قناة السويس واستعادة أولى الكيلومترات من أرض الفيروز من المحتل الإسرائيلي ورفع العلم المصري عليها . حربا ضروسا لاستعادة طابا خاضت القيادة السياسية والعسكرية والدبلوماسية في مصر حرباً ضروساً في سبيل استعادة كل شبر من أرض "طابا"، بدأت بالعمليات العسكرية في أكتوبر 1973 تلاها حرباً سياسية ونفسية، واختتمت بحرب قانونية بين الطرفين بداية من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 338 وصولاً لحكم التحكيم الدولي وانسحاب آخر جندي إسرائيلي من على آخر شبر في أرض "طابا". وسار على النهج بعد رحيل محمد أنور السادات، نائبه محمد حسني مبارك ورئيس جمهورية مصر العربية آنذاك، والذي تولى الحكم بعد استشهاد السادات في السادس من أكتوبر عام 1981. بداية المفاوضات بين الجانبين أدت حرب أكتوبر وعدم التطبيق الكامل لبنود القرار رقم388 وفشل المحادثات التي قامت بها الخارجية الأمريكية بين مصر وإسرائيل؛ إلى تعثر وتوقف شبه كامل في محادثات السلام. وفي هذه الفترة، شهدت إسرائيل تغيرات داخلية سياسية هامة تمثلت في فوز حزب "الليكود" في الانتخابات الإسرائيلية عام 1977، وهو الحزب الذي كان في ذلك الوقت يمثل تيارا أقرب إلى الوسط بخلاف منافسه حزب "العمل" الذي كان مهيمنا على السياسة الإسرائيلية وكان يرفض فكرة المحادثات والتنازل من أجل السلام. بدأ الرئيس الراحل محمد أنور السادات يقتنع بأن القرار رقم 338 غير مجدي بسبب عدم وجود اتفاق كامل لوجهات النظر بينه وبين موقف سوريا الذي تبناه الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الذي كان أكثر تشددا من ناحية القبول بالجلوس على مائدة المفاوضات مع إسرائيل بصورة مباشرة. بهذه العوامل ومع تدهور الاقتصاد المصري، مُهدت الطريق للرئيس السادات للتفكير في مصالح مصر، خاصة أنه ظنّأن أي اتفاق بين مصر وإسرائيل سيؤدي إلى اتفاقات متشابهة للدول العربية الأخرى. وصل الوفدان المصري والإسرائيلي إلى كامب ديفيد يوم 5سبتمبر 1978، ومنذ اليوم الأول للمحادثات قدم الرئيس السادات أفكاره عن حل القضية الفلسطينية بجميع مشاكلها بما في ذلك الانسحاب الإسرائيلي من الضفة الغربية وقطاع غزة،ولكن الإدارة الأمريكية حاولت إقناع الطرفين أن يتجنبوا التركيز على القضايا الشائكة مثل الانسحاب من الضفة وغزة، ويبدءوا المناقشات على قضايا الانسحاب الإسرائيلي من سيناء. استمرت المحادثات بين الجانبين لمدة 12 يوما، وكادت أن تفشل أكثر من مرة بسبب تعنت الجانب الإسرائيلي، ولكنها في النهاية أسفرت عن توقيع الجانبين لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية "معاهدة كامب ديفيد" والتي كان من بنودها، إنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات ودية بين مصر وإسرائيل وانسحاب إسرائيل من سيناء التي احتلتها عام 1967. التحكيم وعودة طابا عادت طابا إلى مصر عام 1989، بعد اللجوء للتحكيم وفقا لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، وأثبتت الخرائط التاريخية استقرار حدود مصر منذ 5 آلاف عام والتي أقرتها الدولة العثمانية وبريطانيا عام 1906. قبلت إسرائيل التحكيم دون أن يكون لها سند ولم تستسلم بسهولة محاولة استغلال رفض هيئة التحكيم اعتماد صورة الخريطة المرفقة باتفاقية 1906 وطلبت أصل الخريطة، لكن الدكتور يونان لبيب رزق المؤرخ التاريخي، سافر إلى لندن حيث اكتشف في دار الوثائق البريطانية خطابا يعود إلى عام 1921 مرسلاً من مدير مصلحة الحدود المصرية "بريطاني الجنسية" إلى المندوب السامي البريطاني في القاهرة، يذكر فيه أن الخريطة الأصلية مودعة باسمه لدى البنك الأهلي في القاهرة ، لأن الحكومة المصرية لم تسأل عنها. سأل الدكتور يونان عن الخريطة في السفارة البريطانية بالقاهرة والتي أجابت بأن الخريطة احترقت ضمن أوراق تم التخلص منها؛ إلا أن هيئة التحكيم اعتمدت خطاب الموظف الإنجليزي كوثيقة رسمية خالية من الشبهات. وقدمت إسرائيل عرضاً غير متوقع عام 1982 بتأجير طابا لمدة 99 عاما بغرض المماطلة وإضاعة الحق كما تفعل حاليا مع فلسطين، ولكن وزير الخارجية الراحل كمال حسن رفض هذا الطلب، واستخدمت مصر هذا الطلب ضمن مستنداتها إلى هيئة التحكيم الدولية. وبعد ملحمة وطنية رائعة من الجهود الدبلوماسية، وبعد أن قدمت مصر جميع الوثائق التي أثبتت أن طابا مصرية ومن بينها وثائق إسرائيلية، أصدر القاضي السويدي جونار لاجرجين رئيس هيئة التحكيم الدولي في جنيف في سبتمبر1988 حكمه التاريخي والذي نص على أن طابا أرض مصرية. تحررت كامل أراضي شبه جزيرة سيناء، لتكون مصر الدولة الوحيدة التي استطاعت تحرير أرضها من الاحتلال الإسرائيلي، الذي لازال يدنس باقي الأراضي العربية وأبرزها أرض الديانات "فلسطين" الأبية.