ربما كانت أوائل السبعينات من القرن الماضي وما بعدها هي إرهاصات متتالية لما يطرح سياسياً اليوم، إلى أطروحات بوش وأوباما ووعودهما التي انطلقت من كون الحفاظ على ما يسمى الدولة الإسرائيلية ومنظومتها الأمنية في المنطقة. كانت النقاط العشر والتي أحدثت تحول في نظرية الصراع مع الكيان الصهيوني، حيث تحولت الثورة وقبل قطف الثمار إلى مضمار العمل السياسي والخوض فيه إلى الحل المرحلي لأي إنجاز وطني على أرض محررة تقام عليها الدولة الفلسطينية كقاعدة إسناد وإرتكاز لتحرير باقي التراب الوطني الفلسطيني. لم يذكر في الحل المرحلي أن يكون هناك حلاً نهائياً للصراع إلا بإقامة الدولة الديمقراطية على أرض فلسطين وبأداة الكفاح المسلح الذي يمكن أن يحدث متغير كبير لتحقيق الأماني والآمال الفلسطينية في تحرير باقي التراب الوطني الفلسطيني. حقيقة هناك خلط بين مفهوم الدولة ومفهوم آليات الحصول على الدولة والتي لا يمكن أن نعبر عن هذه المسارات إلا بالرجوع إلى طبيعة الصراع العربي الصهيوني الذي أسموه الآن صراع (فلسطيني – إسرائيلي) فقضية اللاجئين هي أم المشكلة وهي أم الصراع ولبه ومن هنا التجنحات السياسية التي تبعتها تجنحات أمنية في طبيعة مكونات الصراع أحدثت تغييراً حتى في منهجية الحل المرحلي وأهدافه، حيث أصبحت إقامة الدولة الفلسطينية على أراضي 1967 هو هدف إستراتيجي مبتعداً كلياً عن حيثيات المشكل وهي قضية النزوح واللجوء للاجئين الفلسطينيين وضرورة عودتهم للوطن. على هذا الطريق كانت المبادرة العربية التي لم تنص صراحة على عودة اللاجئين إلى وطنهم الأم، بل نصت على حل عادل ومتفق عليه، وهذا يعني مع من يتم الإتفاق مع الجانب المهيمن والمقرصن على الأرض الفلسطينية، وهنا خطورة هذا المنطق وهذا المصطلح. في مخاض الأخطاء أو التحولات الخاضعة للمتغير لم تطالب قيادة منظمة التحرير بتنفيذ القرار 194 الخاص بعودة اللاجئين وتعويضهم، أو لم تطالب قيادة منظمة التحرير بقرار 181 قرار التنظيم بل ابتعدت عن كل القرارات الدولية ذات الصلة بعودة اللاجئين أو قرار التقسيم فذهبت إلى ما هو أدنى من ذلك متنحية عن القرارات الأممية التي هي في صالح الشعب الفلسطيني والتي تخوله لاستخدام كل الوسائل لاسترجاع كل حقوقه التاريخية في فلسطين. قبلت منظمة التحرير قرار 242 و338 وبناء على ذلك طرحت موضوع إقامة الدولة في أراضي 1967 أي تملصت وتخلصت من أسباب تكوين منظمة التحرير وانشائها أو إنطلاقة الثورة الفلسطينية في عام 1965 ولأنها خرجت أيضا عن منظور الحل المرحلي كقاعدة ارتكاز لتحرير باقي الأرض. بناء على ذلك كانت هناك الإتصالات الدائمة بين منظمة التحرير الفلسطينية وبوساطة نرويجية ودينماركية ونمساوية على قاعدة الوصول إلى أي حل يعترف بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وليس على قاعدة الاعتراف بالحقوق الفلسطينية والوطن التاريخي للفلسطينيين. كان إعلان الدولة في الجزائر في 1988 هو تكريس لمفهوم 242 و338 للاعتراف بالعدو الصهيوني وفي سياق المفاوضات الخلفية مع العدو الصهيوني منذ عام 1976 وكذلك ما طرحه اليسار الفلسطيني بالاتصال باليسار الاسرائيلي على قاعدة إقامة الدولة الفلسطينية كحل نهائي في أراضي 1967 ومنهم من طرح الدولة الموحدة ذات القوميتين، تلا ذلك مبادرات جينيف ودخلت منظمة التحرير في صراع في التمثيل في مؤتمر مدريد لتكرس نفسها أيضا بحل انفرادي في الضفة وغزة والذي كان نتاجه إستغلالاً لظروف الانتفاضة في 1987 للوصول إلى أوسلو وإعلان المباديء الذي طمح ياسر عرفات أن يطوره لدولة فلسطينية في غزة والضفة وكما كنا نرى يمكن أن يطور ذلك إلى قاعدة إرتكازية بأن ننفض إتفاق أوسلو لتحرير باقي الأرض الفلسطينية، رفض عرفات كل الأطروحات الأمريكية وأهمها أطروحات واي ريفر التي أعطت كيانية فلسطينية ما فوق الأرض، أما تحتها والأمن والحدود لما يسمى إسرائيل. نستطيع القول أن البرمجية السياسية الفلسطينية قد انحرفت عن مسارها مادامت تلك البرامج لم تحقق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وتعويضهم عن معاناتهم التي عانوها لحوالي ستة عقود في المنفى، وها هو الاستيطان ونتيجة مفاوضات عقيمة، يزيد في خلال عام من التفاوض الأخير 126% عن سابقه في عام 2012 ، بل كان هناك التردي والعقم وضيق الأفق السياسي والتفاوضي عندما ربط المفاوض الفلسطيني نفسه بقيود بأن الصراع صراع داخلي مع الإسرائيليين منحيا قرارات الشرعية الدولية وما هو أفضل من أطروحات عادلة للشعب الفلسطيني. بعد أسابيع ستنتهي المدة المقررة للتسعة شهور للوصول إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية على قاعدة نفس الأفق، الضفة وغزة، في حين أن الإستيطان قد هتك جغرافياً وديموغرافيا الضفة الغربية في ظل أطروحات إسرائيلية بالسيطرة على الغور وتقاسم القدس وما طرحه عباس مقابل ذلك قوات نيتو أي إحتلال بإحتلال آخر، وتجريد الدولة الفلسطينية من السلاح والجو والحدود والأمن لإسرائيل على مدار أكثر من 15 عاماً، هذه الأطروحات التي قابلها الجانب الصهيوني بالإعتراف بيهودية الدولة. ذهب ناتنياهو لمقابلة أوباما وفي أثناء اللقاء صرح الرئيس الأميركي أن الوقت قد نفذ أمام الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ومن مصلحة الإسرائيليين الوصول إلى حل ضمن أطروحات كيري لكي تحافظ على الهوية الديمغرافية للدولة اليهودية التي قال أوباما عنها دولة يهودية للشعب اليهودي ودولة للقومية الفلسطينية، وهنا مخالفة تاريخية وجغرافية، فالشعب الفلسطيني لا يمتلك قومية منفصلة عن واقعه العربي، بل قوميته عربية وإسلامية ولكن لا يعني ذلك أن هناك قومية يهودية وقومية إسلامية، ففلسطين أرض الديانات الثلاث. لقد هدد كيري الرئيس الفلسطيني إذا لم يوافق على حل الإطار أو المفاوضات لمدة تسعة شهور أخرى قادمة، فإنه سيندم! إتفاق الإطار الذي لا يحقق شيئا للجانب الفلسطيني أكثر من دويلة كنتونات مالية وإقتصادية وأمنية في ظل أطروحات للارتباط بالشرق وبالعجلة الأمنية الاقتصادية الإسرائيلية، في حين صرح كيري أيضا أن غزة مستثناة من الحل والمفاوضات الآن!. ولكن ماذا كانت ردود الرئيس الفلسطيني على تلك الأطروحات؟.. لا مانع لدينا من قبول تمديد المفاوضات تسعة شهور إضافية ولكن إذا قبلت إسرائيل بإيقاف الإستيطان والإفراج على مزيد من الأسرى، في كل الأحوال مطالب هزيلة وضعيفة في ظل عدم توفر البدائل للرئيس الفلسطيني الذي ليس له بدائل إلا الذهاب للأمم المتحدة التي لم تنصف الشعب الفلسطيني إطلاقا على مدار سنوات الصراع. إسرائيل تشترط الآن لإنجاح خطة كيري قبول الجانب الفلسطيني بيهودية الدولة وبإسقاط حق العودة، إذا من هنا نقع في الخندق السابق عندما قبلت منظمة التحرير الإعتراف بها وليس الإعتراف بالحقوق الفلسطينية وتسبيق الدولة عن حق العودة، في حين أن المعادلة الموضوعية والوطنية والقومية والإسلامية تخرج عن هذا المفهوم المتجنح عن المطالب الوطنية، فإن حق العودة للاجئين إلى أراضيهم والتعويض بناء على قرارات الشرعية الدولة أسبق من مطلب الدولة، ولأن تحقيق الدولة لا يمكن أن يتم إلا بعودة اللاجئين إلى مسقط رأسهم الأصلي وتعويضهم عن المعاناة السابقة أمام الاعتراف بيهودية الدولة فيعني عكس هذا المطلب أي يعني الإعتراف تاريخياً بأن فلسطين أرضاً لليهود مما يتيح قانونيا وتاريخياً مطالبة إسرائيل الشعب الفلسطيني والدول الأخرى وخاصة الدول العربية بالتعويضات عن الأضرار التي لحقت باليهود قبل قدومهم إلى أرض فلسطين.