كل يوم وأنا مستعد للخروج من عملى فى المهندسين الى الجيزة ، ومنها بالميكروباص الى حلوان .. .. كل يوم ارى في هذه الرحلة شيئا أتحسر وازعل، وارى اشياء تعطينى الأمل في غد افضل من اليوم . وكل مرة أشوف حاجة أخد منها عظة وعبرة، وأقول الحمد لله على أقل من أللي أنا فيه... هذه المرة شفت طفل لايزيد عمره عن عشر سنين وقف الاتوبيس امام جامعة القاهرة وركب، ومعه شنطة مليانة علب مناديل، والسواق رفع صوته عليه، وقال له انزل ياولد يابن (...)، ولكن الولد رد عليه وقال له " لا بنشحت ولا بنقول لله.. انا ببيع مناديل ورزقي على الله بناكل عيش ياسطى". وتدخل الركاب.. وقالوا للسواق سيبه يبيع ياسطى معلش دا عيل، فتخيلت أن الناس ستشتري منه، وعلشان كدا توسطوا عند السواق يركبه.. ولكن المفاجأة إن الولد لم يبيع ولا "باكو واحد" وإحنا في الوقت دا داخلين على ميدان الجيزة يعني الولد أتشتم مجانا من غير مقابل. يعمل اية الولد؟ يرفض الهزيمة أو يستسلم على اعتبار أن هوا بيحارب علشان يأكل عيش آيا كان حد مسرحه أو هو أصلا من أطفال الشوارع ولا خلافه. على طول راح على السواق، وابتكر حيلة، هو مش هيبيع مناديل للسواق، ولكن قال له ياسطى أنت أخرك فين، ردعليه السواق، وقال له انزل يا دا أنت، وفي الوقت داخلاص كنا قربنا ننزل الجيزة. وكرر السؤال، ولكن المرة دي باقتراح على السواق، قال له ياسطي حملها "هرم طالبية "الركاب علي الأرض مش لاقيه شبر تقف فيه، ونزل الولد في الجيزة وينادي "هرم" مشعل" رماية" هرم.. طبعا المفروض أني نزلت ميدان الجيزة اجري بسرعة على عربية حلوان علشان احجز مكان، لأن البيه السواق بينقي الزباين قبل متركب العربية، ولو واحد معجبوش شكله يفهمه إن آخرة" معادي معصرة " بس. نسيت انا الموضوع دا، ووقفت أتفرج على الولد اللي خلي السواق بعد مكان هايروح، اويرجع تاني "إمبابة"، أو" ارض اللواء" حمل" هرم "، ووافق إن الولد يشتغل معاه صبي يلم الأجرة، وفجأة تحول الولد من بياع مناديل مبعش ولا منديل إلى صبي تقمص الدور بسرعة. وقفت اسمع الألفاظ بتاعت الولد ولاقيتها مطابقة لمواصفات "هيئة الصبيان المصرية للم الأجرة في الميكروباص والأتوبيس" وكأنه كان مولود صبي في ميكروباص.. العربية مشيت واطمأننت على الولد أنه ميتخفش عليه وجريت على عربية حلوان، والحمد لله لقيت مكان فاضي، وقعدت ارجع الشريط اللي مر بسرعة، وبدأت أخد موعظة أن البكاء والندب على الماضي هو حجة الفشلة فقط، وان المصري بصفة خاصة، مش هيفيده ندب الحظ، ولا قولة ياريت.. وعندنا في بلدنا قولة ياريت مبتعمرش بيت. لو الولد اللي أنا معر فتش أسمه، ومبعش ولامنديل قال السوق نايم، والجو حر، ومحدش عنده برد، وبالتالي، مفيش بيع ولا شرا للمناديل، وأروح أروح، وعملت اللي عليه كدا.. كان إيه اللي هيحصل؟ على فكرة فيه شباب كتير في مصر لو مبعتش مناديل ميشتغلوش، ومع انه ممكن يبيع في حتة تانية، أو يدور على أتوبيس يشتغل علية صبي، ودا مش إعلان عن وظيفة أو ترويج لفكرة بقدر ماهو دعوة لوقفة وتعديل المسار إذا تعذر الشطار. و الغد يحمل الأفضل