«المصري اليوم» ترصد الطابع الاقتصادى للحكومات المصرية منذ «52»    حدث ليلًا| موعد إجازة رأس السنة الهجرية وحالة طقس الخميس    وزير الري: نطالب بتطبيق مبادئ القانون الدولي للحصول على حصتنا من المياه    ماعت تتناول الفئات الأولى بالرعاية في ضوء المعايير الدولية والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان    وزير الشؤون النيابية يشكر الرئيس ويؤكد: سنفتح قنوات مع جميع الكيانات السياسية    الأصغر سنا.. شريف الشربينى أول رئيس جهاز يصبح وزيرا للإسكان.. فيديو    سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق في ختام الأسبوع الخميس 4 يوليو 2024    أبرز مشروعات وزير البترول الجديد بالقطاع الحكومي.. تعرف عليها    الموساد: إسرائيل تلقت رد حماس على اقتراح وقف إطلاق النار في غزة    الكويت تعلن اعتقال مواطنين بتهمة الانضمام لتنظيم محظور    بيراميدز: لم نرفض انضمام صابر وعادل للمنتخب الأولمبي وطلبنا التنسيق فقط    عرابي: نرفض انضمام زعزع للمنتخب الأولمبي.. ولم نناقش انتقال نجويم إلى الزمالك    ملف رياضة مصراوي.. تعادل الزمالك.. قائمة الأهلي لمواجهة الداخلية.. وتصريحات وزير الرياضة    مدرب إسبانيا الأولمبي: لدينا غيابات كثيرة ستؤثر علينا.. وسأكون سعيدًا بالعمل في مصر    دويدار: الموسم الحالي الأسوأ في الكرة المصرية    موعد مباراة الأهلي والداخلية بالدوري المصري والقناة الناقلة    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 4 - 7 - 2024    بالصور.. انهيار منزل في شبين الكوم بالمنوفية وسط قلق الأهالي    طارق الشناوي: توفيق عبد الحميد بخير    خبراء ل قصواء الخلالي: السير الذاتية لأغلبية الوزراء الجدد متميزة وأمر نفخر به    أحمد حلمي: "أتمنى الدولار يوصل 3 جنيه وأوصل العالمية"    ميمي جمال تكشف حقيقة وجود جزء ثاني ل"العتاولة" وثالث ل "كامل العدد"    أفعال مستحبة في ليلة رأس السنة الهجرية    أمين الفتوى: لا ترموا كل ما يحدث لكم على السحر والحسد    كراكاس: فنزويلا والولايات المتحدة تتوافقان على "تحسين العلاقات"    نجم الزمالك السابق: هناك عناد من الأهلي وبيراميدز ضد المنتخب الأولمبي    رئيس مجلس الوزراء يعلن موعد إجازة رأس السنة الهجرية    فلسطين.. اندلاع مواجهات عنيفة عقب اقتحام قوات الاحتلال المنطقة الجنوبية لمدينة الخليل    إجراء تحليل مخدرات لسائق ميكروباص تسبب في سقوط 14 راكبا بترعة بالصف    انتهى الخلاف بطلقة.. تحقيقات موسعة في مصرع شاب إثر مشاجرة بالواحات    تكليف لميس حمدي مديرًا لمستشفى طلخا المركزي بالدقهلية    هاني سعيد: بيراميدز لم يعترض على طلبات المنتخب الأولمبي.. وهذا موقفنا النهائي    لبنان.. قصف إسرائيلي يستهدف خراج بلدة السريرة بمنطقة جزين جنوبي البلاد    بايدن: أنا زعيم الحزب الديمقراطي.. لا أحد يدفعني للرحيل    وزيرا خارجية أمريكا وأوكرانيا يبحثان تعزيز الدفاع الجوي لأوكرانيا    وزير الخارجية الأرميني: مستعدون لتطبيع العلاقات بالكامل مع تركيا وفتح الحدود    الجانى مجهول.. إصابة شخص ونجله بطلق ناري حي ببنى سويف    والدة شاب تعدى عليه بلطجي بالمرج تكشف تفاصيل الحادث    فحص نشاطها الإجرامي.. ليلة سقوط «وردة الوراق» ب كليو «آيس»    مصرع طفل غرقا داخل نهر النيل بقنا    «مستقبل وطن»: تشكيل الحكومة الجديدة متناغم وقادر على إجادة التعامل مع التحديات    تونس وفرنسا تبحثان الآفاق الاستثمارية لقطاع صناعة مكونات السيارات    الجمعية العربية للطيران المدني تزكي الكويت عضوا بمجلسها التنفيذي للمرة الثالثة على التوالي    عمرو خليل: اختيار الوزراء في الحكومة الجديدة على أساس الكفاءات والقدرة    اتحاد الصناعات: وزارة الصناعة تحتاج لنوعية كامل الوزير.. واختياره قائم على الكفاءة    رئيس جامعة دمياط يشهد مناقشة رسالة دكتوراة بكلية الحقوق    3 طرق بسيطة لإسعاد زوجك وجعله يشعر بالسعادة    حظك اليوم| برج الدلو 4 يوليو.. «يوم الأفكار المبتكرة والاتصالات الاجتماعية»    أستاذ استثمار عن التغيير الوزاري: ليس كل من رحل عن منصبه مقصر أو سيئ    أول تصريح لمحافظ الأقصر الجديد: نعزم على حل المشكلات التى تواجه المواطنين    أدعية رأس السنة الهجرية.. يجعلها بداية الفرح ونهاية لكل همومك    وزير الزراعة الجديد: سنستمكل ما حققته الدولة وسأعمل على عودة الإرشاد الزراعي    أمين الفتوى: لا تبرروا كل ما يحدث لكم بشماعة السحر والحسد (فيديو)    إحالة طبيب وتمريض وحدتي رعاية أولية بشمال سيناء للتحقيق بسبب الغياب عن العمل    أهم تكليفات الرئيس لوزير الصحة خالد عبد الغفار.. الاستثمار في بناء الإنسان المصري    أستاذ حديث: إفشاء أسرار البيوت على الانترنت جريمة أخلاقية    تعيين عبلة الألفي نائبة لوزير الصحة والسكان    هيئة الدواء توافق على زيادة سعر 3 أدوية (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالسلام العجيلي.. قنديل آخر انطفأ في ليل العرب
نشر في محيط يوم 30 - 07 - 2007


قنديل آخر انطفأ في ليل العرب
العلم، الأدب، السياسة، والحرب مرافىء للذاكرة ترسو عندها مراكب بحار حفر اسمه في الحياة الأدبية والعامة، هو الأديب والطبيب والوزير، هو المتواضع ولكنه الغني في نفسه وروحه ، جمع بين الأدب والعلم، عمل أيضاً في الطب والسياسة، يعد أحد أهم أعلام القصة والرواية المعاصرين في العالم العربي، هو الأديب الإنسان والقاص والروائي، الذي ينهل في كتابته من عبق التراث، ليجعله ركيزة تعيد الحياة إلى روح تحتضر .

محيط : سميرة سليمان
عبد السلام العجيلي... أديب من نوع متميز، نذر نفسه لخدمة المجتمع والأدب، فجعل من الطب مهنة لرعاية المرضى والحفاظ على أبناء وطنه، ومجالاً للتعبير عن الحسّ الإنساني العارم الذي يملأ قلبه وعقله، وامتلك رهافة الشعور والإحساس التي وجدت في الأدب متنفساً لها، فتعانق الطب والأدب ليصوغا أنشودة الوطن والأمة، وليعبرا عن هموم الأمة وآمالها، ويسهما في النهضة الثقافية والمعرفية، فكان أديب الأطباء وطبيب الأدباء، وعلماً شامخاً من أعلام الفكر والأدب، غيبه الموت عن عالمنا منذ أيام قليلة عن عمر يناهز 88 عاما أنجز خلالها ما يزيد على أربعين مؤلفا في حقول الشعر والقصة القصيرة والرواية والمقالة.
ولد الأديب الدكتور عبد السلام العجيلي في مدينة الرقة على ضفاف الفرات شمال شرق سوريا عام 1918م. تعلم القراءة في الرقة ودرس في حلب ودمشق حتى تخرج طبيباً من جامعة دمشق عام 1945م .
مثل مدينته في البرلمان السوري عام 1947م ليصبح أصغر نائب في البرلمان. وشارك مع جيش الإنقاذ في فلسطين عام 1948م، وشغل عدداً من المناصب الوزارية (الخارجية الثقافة والإعلام) عام 1962م .
في بداية حياته السياسية التي سارت بموازاة ممارسته للطب وفوزه بالبرلمان مرشحا عن مدينة الرقة استقال من عضوية البرلمان ليلتحق بجيش الإنقاذ طبيبا وذلك في عام 1948 دفاعا عن الحق العربي في فلسطين .. فيمضي إلى حرب فلسطين طبيباً ومقاتلاً، فهو لا يعرف الفصل بينهما، ولا يقوى على التفريق بين واجبه الوطني وواجبه الإنساني. فنداء فلسطين كان يدوّم في دخيلة عبد السلام العجيلي منذ تعالت أصداء ثورة 1936، حينها سافر لأول مرة إلى دمشق دون علم أهله، وهو الطالب الذي نال لتوّه الشهادة الثانوية (البكالوريا) معتقداً أنه استوفى العلم، أما غاية السفر فقد كانت التطوع في صفوف الثوار ومنذ ذلك الحين لم يغادر نداء فلسطين عبد السلام العجيلي. وتحت عنوان (مجاهدون) كتب العجيلي شعرا يخاطب بها أمه لدى التحاقه بالمجاهدين في فلسطين :

ودعتُ أمي حين جُزتُ المنحنى
إن قدَّر الله ولم أرجع هنا
أماهُ لا تبكي عليَّ فها أنا
قد صُنت أميّ الأرض من كيد العدا
لبيك يا داعي الفدا

وقد تحدث عن تجربته في فلسطين قائلا " لقد أتاح لي تطوعي في هذه الحملة تجربة فذة، ومعرفة غنية سواء من الناحية الشخصية، أو من الناحية العامة، لقد اكتشفت من خلال هذه الفترة التي قضيتها في فلسطين في ميدان المعارك إذا صح لي أن أسميها هكذا، أشياء كثيرة عن سير أمورنا وعن خصائص شعبنا وعن أقدار رجالنا.."
يذكر العجيلي أن أول ما احتفظت به ذاكرته من صور في طفولته كانت صورة جسم لامع، فضي اللون ، يرتسم على صفحة سماء خفيفة الزرقة ويسير على تلك الصفحة بخط مستقيم وبحركة تبدو ثم منظر قطع صغيرة، مستطيلة، تتساقط من ذلك الجسم اللامع عرف فيما بعد أنها طائرة حربية وأن تلك القطع المتساقطة قنابل مهلكة كانت الطائرة تلقيها على مواقع متفرقة من البلدة، موضحا أنها " احدي طائرات جيش فرنسا الذي غزا بلادنا واحتلها باسم الانتداب بعدما غدر الحلفاء بالعرب وتقاسموا بلادهم ".
ثم كبر الطفل وانتقل إلي المدرسة التي كانت بالنسبة له كما يصفها "عالمي المفضل والجميل"، ليروي بعد ذلك العجيلي كيف أقعده مرضا ألم به عن المدرسة مدة ثلاثة أعوام، ليصارحه والده بعد ذلك برغبته في ترك المدرسة ليساعده في إدارة أملاكه.
"كان ذلك مصيرا قاسيا" هذا عبر العجيلي عن إحساسه آنذاك ولكنه استدرك ليوضح أن " هذه الأعوام الثلاثة المتتابعة كانت ضرورية لنضج تفكيري كما أنها ألحقتني بمدرسة من نوع آخر، رحت أتلقى المعرفة فيها لا من أفواه المعلمين أو من صفحات الكتب، بل من مخالطة الناس وممارسة الحياة والتعامل المباشر مع أمورها".
وكانت قصيدة نظمها العجيلي لافتتاح عرض مسرحي مدرسي لأصدقائه هي بداية الطريق لظهور موهبته، والتي جعلت المحيطين بوالده يطالبونه بإعادته إلي المدرسة مرة أخري . داوم العجيلي في مدرسته الثانوية علي نظم الشعر الذي كان في البداية أداته للسخرية والمزاح كما يذكر قائلا : " كنت أسخر فيه من رفاقي وأرسم به صوراً ضاحكة لأساتذتي، وأحيانا أنظم به نظريات الهندسة ودروس الكيمياء في أراجيز ساخرة على طريقة ألفية ابن مالك" موضحا أن تعلقه الحقيقي كان بالفيزياء والرياضيات.
"العلم ، والأدب، والعمل العام " مهام رئيسية ثلاث حملها العجيلي معه من مرحلة الدراسة الثانوية إلى المرحلة الجامعية، ثم إلى جميع مراحل حياته التالية بعد ذلك .
مؤلفاته الأولى توقع بأسماء مستعارة
بدأ العجيلي الكتابة بأسماء مستعارة منذ ثلاثينات القرن الماضي ويرجع ذلك لانطوائه علي نفسه وحياءه المفرط الذي جعله يتهيب من كل إشارة تميزه عن الآخرين، ونشر له كتابات أدبية كثيرة في عدد من الدوريات المشهورة في ذلك الزمن ، مثل مجلة "الحديث" في حلب و "المكشوف" في بيروت
وهي دوريات كانت تحفل بما يكتبه أساطين الفكر والثقافة ويطمح الكثيرون إلى أن تظهر أسماؤهم فيها، أما العجيلي فكان قانعا أن يجاور إنتاجه الأدبي في تلك الدوريات إنتاج المشاهير، وبأن يلقى الإعجاب من القراء دون أن يعرف أحد، إلا الندرة من أصحابه، بأنه كاتب تلك القصص أو المسرحيات أو ناظم تلك القصائد ، واستمر ذلك حتي 1948حيث أصدر أولى مجموعاته القصصية بعنوان ( بنت الساحرة )، وفي هذا العام نظم مع عدد من الظرفاء والكتاب «عصبة الساخرين» من بينهم سعيد الجزائري وعبد الغني العطري، وكان العجيلي من اقترح للعصبة اسمها. كما كتب الشعر والقصة والرواية والمقالة، ومن مؤلفاته الشعرية ديوان الليالي والنجوم، وكتب المقامات.
هذا وقد كتب أيضا في القصة القصيرة: ساعة الملازم، الحب والنفس، الخائن، قناديل أشبيلية، بنت الساحرة، رصيف العذراء السوداء، فارس مدينة القنيطرة، الخيل والنساء، مجهولة على الطريق، موت الحبيبة، الحب الحزين، عيادة في الريف، وفي مجال الرواية كتب: باسمة بين الدموع، قلوب على الأسلاك، أزاهير تشرين المدماة، ألوان الحب الثلاثة (بالاشتراك مع أنور قصيباتي)، حب أول حب أخير سعاد وسعيد، أرض السياد، أجملهن، حمى الطبيب، قطرات دم، جيش الإنقاذ .

كما كانت له إسهامات في أدب الرحلات نذكر منها: حكايات من الرحلات، دعوة إلى السفر، خواطر مسافر، وفي المقالات كتب: في كل واد عصا، فصول أبي البهاء، ادفع بالتي هي أحسن، جيل الدربكة، أشياء شخصية، وغيرها من المؤلفات الأخرى التي شملت نواحي سياسية، ومحاضرات، وغيرها من الكتب الأخرى التي جمع فيها حصيلة ما عاشه وما رآه حيث جاءت هذه الكتب لتلخص تجربته في الحياة والسياسة والطب.
ويعد أدب العجيلي سجلاً حافلاً لتحولات البيئة والمجتمع ، وتغيرات الأفكار والمفاهيم في زمنه من رؤى الماضي إلى استشراف المستقبل .‏رصد العجيلي في كتاباته نثريات الحياة اليومية والمعاشية والسلوكية، ومن ثم سبر أغوار عوالمها في الزمان والمكان، وهو في الوقت نفسه منخرطا في الشأن العام كنائب في البرلمان في عام1947، ومقاتل في حرب فلسطين 1948 ووزير للإعلام 1962م .
ومنذ الهزيمة القومية الوحدوية 1958 التي انهزم معها المجتمعان المدنيان السوري والمصري ومرارة الخيبة والإحباط تسكن أدبه كما في روايته (قلوب على الأسلاك)، ولذا ظلت أسئلة العجيلي هي أسئلة الزمن الليبرالي الذي استشعر غربته وغرابته خلال حقبة أربعين سنة.
هذا وقد حظي إنتاجه بالثناء والتقدير، وترجمت معظم أعماله إلى بعض اللغات الأجنبية مثل: الإنجليزية ، والفرنسية ، والإيطالية ، والأسبانية ، والروسية .. .. وتقديراً لعطائه الثر وتاريخه الطويل، قُلّد مؤخراً في حفل كبير وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة ..
رغم خمسة وأربعبن كتاب..الأدب هواية
"علاقتي بالأدب علاقة هواية" هذه الجملة كانت الشعار الذي يرفعه العجيلي دائما فما من حوار أو ملتقي فكري أو أدبي إلا ويؤكد الأديب السوري علي هذه الجملة ذاكرا "أن إنتاجي كأديب، قد ترجم إلى لغات متعددة، لا ينفي صفة
الهواية عني، ذلك لأني لست أنا الذي سعى إلى جعل اسمي وإنتاجي معروفين في الأوساط الأدبية، العربية منها والأجنبية، لأكون مسئولا عن حشر نفسي في عداد محترفي الأدب، بل إني طالما كتبت بأسماء مستعارة، وطالما تهربت من الانضمام إلى التجمعات الأدبية، وطالما أنكرت على نفسي الصفة الأدبية، بغرض الاحتفاظ بصفتي كهاو"
حيث دأب العجيلي علي أن يتعامل مع الأدب كهواية ممتعة وسامية في آن واحد يمارسها في غير عناء وفي قليل من الجد، ولكنه كان يستشهد في ذلك بقول الشاعر القديم :" صار جدا ما لهونا به رب جد جره اللعب! "

وتتلخص فلسفته كأديب كما عبر عنها في: (أنا كإنسان مؤمن حائر بين أمرين ، أو على الأصح مدرك لأمرين : ضآلة شأني كمخلوق بشري في الوجود ليس إلا ذرة على كوكب هو تابع لشمس تابعة لمجموعة سديمية نعلم بعقلنا القاصر أن الكون المدرَك من قبلنا يحتوي ملايين مثلها ، والأمر الثاني هو كبريائي كإنسان والذي يدفعني إلى الكفاح وبذل كل جهد في سبيل غايات سامية،إن إدراكي لهذين الأمرين يعد الفكرة الشاملة التي ينبعث منها موقفي كأديب في هذه الحياة).
كاتب لا تعنيه التابوهات
كان دائما ما يوجه له النقد بشأن ابتعاده في كتاباته عن تجاوز التابوهات الثلاثة المحرمة وأن عليه أن يكون سياسيا مشاكسا وحسب ولكنه كان يرد قائلا " السياسة في الأدب مسئولية وموقف وليست معارضة للنظام السياسي في كل الظروف والأحوال" كما أنه كان لا يعنيه التعرض الدقيق لعلاقة المرأة بالرجل فكل ما كان يعنيه في هذه العلاقة كما يقول " هو إطارها الاجتماعي والإنساني أما التفاصيل فأنا أتركها لخيال القارئ".
وفي قصيدة أنا في انتظارك يخاطب العجيلي حبيبته قائلا :

أنا في انتظارك يا حبيبي والوردُ
ولهى تسائلني حبيبكِ هل يعودُ
هذا شبابي منك أذوته الوعود
فارحم شباب الورد من حرقات نارك
أنا في انتظارك قد ملأتُ بك الدنُى
وفرشتُ دربك بالزهور وبالجنا
فرغت كؤوسُ القوم إلا كأسنا
وغفا الندامى كلّهم إلا أنا

أما عن الدين فكان العجيلي دائما ما يحلم بكتابة عمل يتناول حقيقة إيمان الفرد بحرية دون قيود تصادره أو تعترض مساره. وكان أهم ما يميز العجيلي كتاباته التاريخية التي كانت مقولة جمال عبد الناصر "أن الشعوب والأمم أشد حاجة في أزماتها إلي التاريخ" منطلقا لها موضحا أننا بحاجة دائما إلي من يذكرنا بأيام القيم والنضال والعشق الرومانسي الراقي، أو كما يقول " إننا نبحث عن الأصالة في تاريخنا لمواجهة موجة الابتذال"
ويعد الدكتور العجيلي قامة من القامات العالية في ثقافتنا العربية المعاصرة، ولم يكن نيله وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة من لدن السيد الرئيس بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية عام 2004 إلا تقديراً منه لهذه الشخصية المتميزة صدقاً وعطاءً، والتزاما ووفاءً.
كان العجيلي كثيرا ما يعزف علي أوجاع الأمة العربية أنغامه الحزينة، وكان لا يلبث أن يردد كفانا شعارات ديموقراطية لا تسمن ولا تغني من جوع، كما كانت كتاباته تعكس حزنه الشديد علي ما آل إليه مصير بغداد... ولكنه مع ذلك كان رافضا أن يصب العرب كل غضبهم على العدوان وحده، لأن ذلك سيكون قصور نظر، ونقص إدراك وجهل.
وهي الأمور التي من الممكن أن نستعيض عنها بالعودة قليلا إلى الوراء لنتبين العوامل التي أدت بنا بأن نكون ضحايا هذا العدوان وفريسته، واستطاع العجيلي أن يكسب احترام الكثيرين, ليس في سوريا فحسب بل وفي البلاد العربية والأجنبية أيضاً؛ وبقي طموحه, تأدية واجبه بقدر الإمكان, فقدم الكثير قولاً وعملاً، وعلى عكس الكثيرين, لم تشكل المظاهر والمناصب والجوائز سوى أشياء لا لزوم لها, كانت بالنسبة إليه .

قبض الريح وباطل الأباطيل
لِمن القبابُ تروعُ والأسوارُ
وزخارفٌ حارتْ بها الأبصارُ
لا حَيَّ في حبّ المنيّةِ والردى
إلاّ الصخورُ تئِنُّ، والأحجارُ
قفراء والأشباح ملء دروبها
ومن الفجيعةِ جحفلٌ جرّارُ
تحبو الحياةُ مروعةً في جنبها
وتدِبُّ في عرصاتها الأفكارُ
لما مشينا والحياةُ بظلِّها
نفضت مراقد بومها الأوكارُ
وتململ الأمواتُ في أجداثهم
لما علا من صخبنا إعصارُ
يا موتُ لا تُغْضِبْكَ منّا خَلَّةٌ
ركضت بأيدي خيلنا الأقدارُ
نبكي، ونضحكُ، والحياة وأهلها
كلٌّ إليكِ مردُّهُ والدارُ

هكذا كان العجيلي العمل لديه شيء مقدس يعلو ولا يعلى عليه، واستطاع بفضل ما أوتي من همة ونشاط، وما أوتي من رغبة في إعطاء الأشياء حقها أن يوفق بين مهنتين اثنتين، تتطلب كل واحدة منهما وقتاً تضيق به ساعات اليوم الواحد، فهو في عيادته طبيب وخارج الطب، في الحقل الأدبي، في سوريا وفي الوطن العربي، وفي العالم أديبٌ له حضوره المميز واللافت، كذلك فإنه لا يدع واجباً دون تأديته على أكمل وجه في مدينته الرقة التي أحبته رجلاً متواضعاً أصيلاً من منبت طيب، من دون أن يؤثر أداؤه لواجبَه على اهتماماته الأخرى .
قالوا في حب عبد السلام العجيلي
البروفسور جاك بيرك مستشرق فرنسي : "وقد كانت القدرة على تكثيف العقدة الدرامية هي ما أثّر في نفسي، منذ أول نصوص نشرها هذا الإنسان الذي أسهم في معارك جيله بدون أوهام ولكن ليس بدون التزام".
نزار قباني : "أروع بدوي عرفته المدينة، وأروع حضري عرفته الصحراء".
يوسف إدريس : " رائد القصة القصيرة في الأدب العربي الحديث".
البروفيسور جان جولميه مستشرق فرنسي : " غوته وستاندال وفلوبير، أسماء أعلام في الأدب مشهورة وعبد السلام العجيلي يستحق أن يشبه بأساتذة فن الرواية الكلاسيكي هؤلاء، وأنا قادر بسهولة على إقامة البرهان على صحة ذلك، لو كنت أملك الزمان والمكان اللازمين."


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.