المالكي بين واشنطنوطهران الياس حرفوش لا ينتظر أن تقدم أو تؤخر كثيراً زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى طهران بالنسبة الى الموقف الايراني من المعاهدة الامنية التي تناقش الآن بين الحكومتين الاميركية والعراقية. فإيران تعتبر أن المواجهة التي تخوضها على الساحة العراقية، من خلال دعم القوى المتحالفة معها بالمال والسلاح، هي مع جورج بوش وادارته، وليست مع المالكي وحكومته. وبالتالي فهي تنظر بتحفظ الى اي صيغة للتعاون الامني في المستقبل بين واشنطن وبغداد، مهما بلغت درجة تطمينات المالكي بشأن حدود مثل هذه المعاهدة وتأكيداته على عمق صداقته مع ايران. لقد اصبح العراق منذ اسقاط نظام صدام حسين ساحة اساسية للصراع الاميركي الايراني في المنطقة. كان طبيعياً أن تمهد سيطرة القوى الحليفة لايران على السلطة في بغداد، الطريق امام تنازع المصالح، الذي عززه المأزق الايراني المتفاقم مع الغرب. وفي وقت تتسع نقاط المواجهة في المنطقة بين ما تعتبره ايران مشروعها "الممانع" للهيمنة الاميركية، وما يتخوف منه الاميركيون واصدقاؤهم حيال التمدد الايراني، بات صعباً تصور قيام معادلة في العراق تتيح للمالكي، صديق ايران القديم، أن يُخرج من قبعته السحرية اتفاقاً امنياً يسمح ببقاء القوات الاميركية في العراق ضمن شروط مقبولة في الوقت ذاته من الجانبين الاميركي والايراني. فإيران تعتبر، كما قال مرشدها علي خامنئي امس خلال لقائه المالكي، إن الوجود الاميركي في العراق هو العقبة الكبرى امام وحدته، مؤكداً أن "احلامهم لن تتحقق". واذ اعتبر خامنئي بحق أن "رغبة عنصر اجنبي في التدخل في شؤون العراق والهيمنة عليه هي المشكلة الاساسية امام تطور العراقيين وعيشهم الكريم"، نفى تماماً اي تدخل من جانب ايران، ربما لانه لا يعتبرها "عنصراً اجنبياً"، ومثله فعل المالكي، مع انه كان منتظراً أن يثير مع الايرانيين مسألة دعمهم للميليشيات المناهضة للحكومة في العراق، حسب تأكيدات مسؤولين عراقيين عشية الزيارة. لكن بدلاً من ذلك اعلن عن مذكرة تفاهم للتعاون في المجال العسكري وقعها وزيرا دفاع البلدين. ولأن القادة الايرانيين ينظرون الى المالكي وحزب "الدعوة" على انهما من "جماعتهم"، فإنهم يفترضون أن يكون موقفهما من اي معاهدة مع الولاياتالمتحدة مطابقاً لموقف طهران. وبالتالي فإن أي محاولة من قبل المالكي للافتراق عن ايران أو الاستقلال عن مصالحها، سيكون لها ثمنها السياسي. وتفهم في هذا الاطار الضغوط السياسية الداخلية التي يتعرض لها المالكي، بدءاً من المعارك التي نشبت مع "جيش المهدي" بقيادة مقتدى الصدر، ووصولاً الى الانشقاق الاخير داخل حزب "الدعوة" الذي ادى الى خروج، او اخراج، منافس المالكي رئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري منه. وقد ظهرت هذه الصراعات الشيعية الداخلية في الفترة التي بدا فيها أن المالكي يأخذ مسافة اكثر بعداً عن تنفيذ المصالح الايرانية المباشرة واكثر قرباً الى الداخل العراقي، محاولاً الابتعاد عن الصورة المذهبية والفئوية التي ميزت المرحلة السابقة من رئاسته للحكومة. وقد ساعدت على ذلك الضغوط الاميركية على الحكومة العراقية، بعد أن وجدت أميركا أن من مصلحتها الانفتاح على الاطراف السنية، للتخفيف من اعمال المقاومة ضد قواتها، فجاءت الخطوات في هذا المجال لتساعد المالكي على سلوك طريق اكثر "عراقية" من السابق. المهم في اطار الحديث المتنامي عن تنافس المصالح على بغداد ان يكون هناك بحث جدي عن دور عربي طال افتقاده في عاصمة الرشيد. فاذا كانت هناك ملاحظات ايرانية سلبية على التفاهم الامني الطويل الامد بين الولاياتالمتحدة والعراق، واذا كان هناك سعي من المالكي لإمساك العصا من وسطها بينه وبين ايران، فما هو الدور الذي يمكن ان يلعبه العرب لدعم موقف الحكومة العراقية؟ بل هل لهم اي دور في ذلك؟ عن صحيفة الحياة 10/6/2008