السنيورة رجل دولة لبناني مميز لم تنته مهمته بعد نصوح المجالي كثيرون استنكروا اختيار تيار الأكثرية في لبنان السنيورة، لرئاسة حكومة الوحدة الوطنية، ورأوا في غيابه عن المسرح السياسي طي مرحلة من الانقسام السياسي والصراع على السلطة. وفي ذلك تبسيط للوضع اللبناني، لأن الانقسام كان بين تيارين متصارعين، تم التوافق بينهما في الدوحة على قاعدة تقديم تنازلات متبادلة وضمانات عربية؛ والسنيورة مجرد لاعب سياسي من تيار الموالاة، وإذا جاز لتيار المعارضة أن يعترض على لاعب من تيار الموالاة، فيجوز لتيار الموالاة ان يعترض على لاعبين أيضاً من التيار المعارض، إلا إذا كان القصد، إلصاق تهمة العمالة للولايات المتحدة بالسنيورة وحده، لاعطاء مصداقية لاتهامات المعارضة، وعندها تلحق التهمة تيار الموالاة بأكمله لأن السنيورة، أداته التنفيذية. فلا يجوز، التعامل مع مرحلة، ما بعد الاتفاق بمنطق الحملات الإعلامية، والحملات السياسية التي سادت قبل الاتفاق لأنها من مستلزمات الصراع والخلاف، وأدواته ليس إلا. لقد أثبت السنيورة، وهو بالأساس تكنوقراط، أنه رجل دولة من طراز رفيع، وأنه سياسي وطني لبناني من طراز نادر؛ تمسك بالمبادئ التي آمن بها في النهاية، لم يتجاوز على أحد، ولم يتأثر، بحملات التعبئة الظالمة، التي كان هدفها شيطنة الآخرين، ولم يفرط بحقوق لبنان وكان لبنانياً وطنياً، وليس سياسياً فصائلياً، لم يغتال أحد في لبنان ولم يتردد عن الرد على منطق التشهير بلبنان، أو بالفريق الذي يمثله؛ بلغة سياسية، راقية خالية من التهجم، ومفعمة بالمنطق السياسي، ولم يلن أمام الضغوط التي وجهت للبنان بسبب المحكمة الدولية أو في فترة الحرب ولم يقطع شعرة معاوية، مع خصومه السياسيين وكان يدرك أن حضوره كرئيس للحكومة، رغم ما حوله من خلافات وصراعات، هو ما تبقى لتثبيت دولة لبنان ومؤسساتها بعد أن غاب البرلمان، وغاب رئيس الجمهورية، وبات فريقه السياسي مهدداً، بالاغتيال، وبات شخصه أيضاً مهدداً بالتصفية كرفاقه السياسيين. كان السنيورة رجل دولة، جاء للحكم في مكانه وزمانه الصحيحين وسياسي يدرك ان علاقة لبنان بدولة كالولايات المتحدة، أمر لا مفر منه بحكم دورها الطاغي في المنطقة، وأن ما يميز لبنان الانفتاح على العالم في علاقاته الدولية. لقد مرت حكومة السنيورة، بأهوال ومصاعب عمدت وصقلت عهده، بالألم والصبر والمصاعب والاصرار، بدءاً من اغتيال رفيق دربه رفيق الحريري والدعوة للمحكمة الدولية، وما دار حولها من جدل، وصراع الساحات، والاغتيالات والتفجيرات التي هزت لبنان والانسحاب السوري وما رافقه من تناقضات على الساحة اللبنانية، والحرب الإسرائيلية على لبنان العام 2006، وجدلها وما جرته من خسائر وكوارث واتهامات وتدخلات دولية في لبنان، وهي الحرب التي تسبب بها حزب الله وألقى باللائمة فيها على حكومة لبنان، مدعياً بأنها تواطئت مع واشنطن وتل أبيب، للتآمر على سلاحه؛ بينما كان تعرضه العسكري لإسرائيل هو الذي فجر الحرب. كما واكبت حكومة السنيورة، عملية تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان طيلة ستة أشهر، وانقطاع الحوار الوطني، واختلال وسط بيروت، وتعطيل الاقتصاد اللبناني، واستهداف الحكومة اللبنانية ومحاصرتها حتى بات وزراؤها يبيتون في مجلس الوزراء خوف الاغتيال. الى ان انفجر الوضع في بيروت، عندما حاولت الحكومة اللبنانية التعرض لشبكة اتصالات حزب الله، مما أدى إلى احتلال بيروت والمطار، وتهديد وتطويق رموز الموالاة وتهديد النظام السياسي في لبنان برمته. لو لم يصمد السنيورة، في رئاسة الحكومة، لأنهارت جميع مؤسسات الدولة اللبنانية، ولما صمد النظام اللبناني تحت الضغط ولأصبح وضع لبنان شيئا مثل وضع العراق، بعد الغاء الغزو جميع مؤسساته بلداً دون مرجعية دستورية، محكوماً بالميليشيات والفصائل، مما يدفعه نحو أسوأ الخيارات ويجعل مصيره مجهولاً. فعودة السنيورة، موقف أخلاقي من سعد الحريري وتيار الموالاة، حتى لا تكون مكافأة نهاية خدمته الشجاعة تحويله إلى كبش فداء ارضاءً لمن عارضهم من أجل سلامة واستمرار دولة لبنان. السنيورة، من ذلك الطراز من القادة الذين يتقدمون الصفوف فجأة، وكأنهم قد ولدوا قادة من رحم معاناة بلادهم، ليس لهم أجندات شخصية ويحملهم القدر الى مواقعهم القيادية لمواجهة اعتى الأخطار، ولا يأبهون بسلامتهم الشخصية، ولا لما يوجه لهم من اتهامات او يوضع في طريقهم من عراقيل، ويؤدون المهمة التي اوكلت لهم، بمنتهى الاقتدار. حضور السنيورة، في الحكومة كان يعني استمرار حضور لبنان في مرحلة صعبة، حتى يستكمل مؤسساته ويستعيد طاقة ابنائه والوفاق وغيابه كان يمكن ان يعني غياب لبنان وسقوطه في معادلة غالب ومغلوب، ودخول لبنان في طور آخر وترؤسه حكومة الوحدة الوطنية بعد الاتفاق، يعني احترام دوره المميز الذي قاد الى العودة الى صيغة كل لبنان؛ وعودة كافة مؤسسات لبنان الشرعية. السنيورة، يستحق الاحترام حتى من اولئك الذين اختلفوا معه، لأنه كان يحرس ما تبقى من نظام لبنان ومؤسسات لبنان، فالرجل لم يكن عدواً لأحد، وليس له مصلحة شخصية سوى انقاذ لبنان، واعادته سالماً، كاملاً إلى جميع أطيافه وجميع أبنائه، موالين ومعارضين على حد سواء. عن صحيفة الرأي الاردنية 5/6/2008