التحالف العربي "الإسرائيلي" نسيم الخوري كانت كلمة "إسرائيل" من المحرّمات في الكتابة العربية، ومثلها مصطلح "الجسد" الذي يجمع في حروفه ثالوث الجنس والسياسة والدين. يعرف هذا الأمر الكتّاب والصحافيون المخضرمون الذين جايلوا النكبة الفلسطينية. وقد يعاينه الباحثون العرب الجدد في نصوص العرب وخطب مناضليهم. كنّا، وبعضنا ما يزال، يكتب فلسطين أو فلسطين المحتلّة أو الأراضي المحتلة الى تسميات أخرى مفتوحة على توصيف الجرح العربي الأكبر الذي لم يعرف دمه اليباس أو الاسوداد منذ 1948.
ماذا حصل اليوم، بعد ستّين عاماً على تاريخ العرب المشبع بفلسطين؟
تحتفل "اسرائيل" بميلادها. تتراجع ألفيتا التركيز على العقل منذ سقراط، وتتقدّم الألفية الجديدة مشبعة بفوران الغرائز، فتمتلىء الشاشات بالجنس والعنف مادتي العصر المغريتين أكثر من بعض الإيديولوجيات بالنسبة للكثيرين، ويبدو العرب متأرجحين بين الأمّة والوطن والعالم العربي في شرق غير مستقر. وتنقلب الأدوار وتبرز الهجمة الشرسة على المقدسات أو الكثير من ملامحها المقدّسة في غفلة من الحبر وأصحابه في لغة أهل الضاد وسلوكهم ، في الوقت الذي تتقدّم فيه "إسرائيل" بسرعة قياسية نحو نصوص العرب وحضورهم في التاريخ والجغرافيا والمستقبل.
لقد زُجت الأديان والإسلام منها بشكلٍ خاص في أتون الصراعات الذي أشبع ويشبع بدوره بوقود وأساليب حامية تذكي النيران والحروب المحمولة Portable بالحقائب والمفتوحة والمتنقلّة من وطن الى آخر. وكلّ ذلك مقدّم على شكل هدايا ملفوفة بالأوراق والمشاريع والمبادرات منذ وعد بلفور حتى تعبيد طريق حلف شمال الأطلسي في اسطنبول نحو بلدان العرب وبحجّة الأمن والاستقرار وصولاً الى جديد تركيا التي تمسك "اسرائيل" بيد وسوريا بالأخرى في مفاوضات غير مباشرة للسلام بين البلدين. وجاء ذلك كلّه تحت ضجيج عناوين وأفكار عامة جذابة مثل الشرق الأوسط الكبير وصراع الحضارات أو نهاية التاريخ وعدتها في العولمة وسهولة الاتصال وسقوط الحواجز والحدود.
وتسللت "إسرائيل" الى نصوص العرب وألسنتهم ،وراح العرب يكتبونها، في مرحلةٍ ثانية، بأوصافٍ ونعوت مثل العدو الغاصب، والمغتصب الصهيوني والعدو المحتل والغاشم والمغتصب "الإسرائيلي" الى ما هنالك من المصطلحات المغمّسة بالقومية والإسلام والنضال. ثمّ راحوا يكتبون "اسرائيل"، في مرحلة ثالثة هكذا بين قوسين مزدوجين تدليلاً على عدم اعترافهم بها، وبدت مصطلحاً عربياً مجرّداً من كلّ الصفات السلبية التي كانت تعويضاً غير مباشر عن الهزائم مع أنهم، أحياناً، يصدّرون المصطلح بتعبير دولة.
في المرحلة الرابعة أسقط الزمن القوسين من حول كلمة "اسرائيل"، وصارت حاضرةً في نصوصنا وأحاديثنا واتصالاتنا دولة مثل باقي الدول الأخرى تمهيداً للمرحلة الخامسة التي ترسّخت فيها مع دخولها العاصمتين العربيتين الأشدّ حساسية ونعني بهما القاهرة سلماً وبيروت حرباً، فتكرّ السبحة.
ومنذ كامب دايفيد وارتداداته في أوسلو (1993) ثم اتفاق طابا ومؤتمر مدريد في أعقاب أربع حروب بين العرب و"اسرائيل" وصولاً الى سقوط العراق وتداعياته، يتراجع بسرعة غريبة مصطلح القومية العربية أو يسقط في محاورات وتراشق النخب العربية واتهاماتها يحبون أطفالاً على الطريق الديمقراطي أو فوق الجادات المستوردة. هناك انقلاب هائل وجديد في الأحاديث والنصوص تستعجل في النصوص والتسويات والسلام مع "اسرائيل" لم يتمكن من هضمه أبناء النكبة وأحفادها من أبناء العرب.
لقد فات أولئك المفكرين العرب والباحثين والمنتدين أن دور النشر العالمية والكتب والجامعات والخرائط تبدو وكأنها تخرج من نصوصها فلسطين والمصطلحات القديمة، فتستبدلها بأخرى كثيرة في زمن نسمع فيه وقع انكسار مصطلح "العالم الثالث"، بعد تشظي "العالم الثاني" أو ذوبانه ممانعاً في تجمع عالمي كبير تديره دولة العولمة.
لكن. لكن دولة الإسلام تخرج من نبعها الأول في طموح الى فيضها العالمي.
وتخرج "اسرائيل" من بين القوسين في خلافات وتجاذبات فعلية جديدة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية خلافاً لما صار ميبساً في الذهن العربي من انصهار بين الدولتين، وتتخطى المسائل، بالطبع، الأبعاد اللغوية، على الرغم من أن اللسان قيمة تنزّ باللغة والتعابير التي ترشح من الفكر وتعكس المضامين والنوايا والإسقاطات.
هل نقرأ في النصوص العربية قريباً عن التحالف العربي "الإسرائيلي" في وجه أمريكا؟ عن صحيفة الخليج الاماراتية 2/6/2008