فرصة لبنان الأخيرة سمير عواد ذكرتنا الصور التي وردت من بيروت في الأيام القليلة الماضية بالحرب الأهلية التي شهدها لبنان في الفترة الداكنة في تاريخه الحديث من عام 1975 إلي عام 1990. مسلحون ينتمون لحزب الله احتلوا مناطق في أحياء تسكنها غالبية من السنة في العاصمة اللبنانية وهكذا جعلوا أعضاء حكومة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة شبه سجناء تحت رحمتهم خاصة بعد أن قطعوا عليهم طريق الفرار من خلال سيطرة حزب الله علي مطار رفيق الحريري الدولي. الشيخ حسن نصر الله أمين عام حزب الله أوضح خلال ساعات قليلة أن من يملك في هذه المرحلة، النفوذ الحقيقي في بلاد الأرز: ليس الحكومة، ولا البرلمان، وبالتأكيد ليس الجيش، ولا جامعة الدول العربية، وليس الأممالمتحدة، وإنما حزب الله وحده، ووراءه سورية وإيران. سبب التصعيد الدامي الأخير كان محاولة الحكومة اللبنانية فرض سيطرتها علي شبكة الاتصالات التي يستخدمها حزب الله، وبالتالي فرض هيبتها عليه أمام اللبنانيين والعالم. لكنها قللت من الأبعاد. شعر نصرالله أن الهدف الخفي للحكومة هو إضعاف حزبه وهذا فشلت إسرائيل في تحقيقه في حرب صيف عام 2006. يمكن القول ان حزب الله حسم الصراع علي النفوذ في لبنان لصالحه ضد حكومة الغالبية السنية-الدرزية. ربما حل الوسط الذي وضعه قائد الجيش ميشال سليمان أنقذ حكومة السنيورة لمدة قصيرة ومنع اندلاع حرب أهلية مؤقتا. لكن الثمن الحقيقي أن نفوذ حزب الله زاد وكذلك نفوذ سورية وإيران. أصبح نصرالله وحلفاؤه في دمشق وطهران أنه ليس هناك ما يخشونه في لبنان. حزب الله أقوي قوة عسكرية وليس بين الطوائف اللبنانية ميليشيا تستطيع الوقوف في وجهه. ولماذا يتقاتل أبناء البلد الواحد؟. جيش لبنان الذي هو جيش جميع اللبنانيين، يواجه خطر الانقسام فور اندلاع حرب أهلية. وأثبت في هذا النزاع القصير أنه عاجز وكذلك الحكومة والبرلمان وجميعهم أصبحوا تحت رحمة نصرالله. كما ظهر ضعف هيئة الأممالمتحدة التي تضمن القرار الأممي رقم 1559 أن يجري نزع أسلحة جميع الميليشيات اللبنانية وفي جنوب لبنان وحدات كبيرة من الجيوش المتعددة الجنسيات متواجدة في الجنوب. الأحداث الأخيرة في لبنان عبارة عن هزيمة للقوتين الغربيتين، الولاياتالمتحدةوفرنسا. ولا يبالغ المراقب إذا اعتبر التصعيد الدامي الأخير في لبنان إحباطا للسياسة التي يتبعها الغرب في الشرق الأوسط. الغرب الذي دخل طرفا في حرب باردة منذ وقت ضد سورية وإيران، عليه أن يلعق الهزيمة بينما استفادت سورية وإيران من ميول الدفة لصالح حليفهما حزب الله. أصبح مؤكدا أن لا شيء في المنطقة يتم دون إيران: ليس في العراق ولا في أفغانستان ولا في لبنان ولا في فلسطين ولا في منطقة الخليج. من يخشي هيمنة إيران ها هي تزحف عبر بوابة لبنان. هذا ليس نبأ سعيدا لأن تعاظم نفوذ إيران يدفع الولاياتالمتحدة إلي استخدام خيار القوة العسكرية وهذا بالتحديد لا يريده أحد في الشرق الأوسط والخليج العربي. إن زيادة احتمال حرب في المنطقة سوف يزداد إذا فاز مرشح الحزب الديمقراطي جون ماكاين بانتخابات الرئاسة الأمريكية يوم الرابع من نوفمبر. هذه المرة ستكون المواجهة بين الولاياتالمتحدة وربما إسرائيل معها، لأن توسع إيران إقليميا تعتبره الولاياتالمتحدة تهديدا مباشرا لمصالحها في الخليج نظرا للأهمية الكبيرة لثروته من الطاقة للاقتصاد العالمي. علاوة علي ما ينتج عنه من إخلال في موازين القوي في الشرق الأوسط. لكن علي المدين القصير والبعيد فإن استمرار الحروب بالإنابة التي لن تؤدي إلي نتائج دائمة، سوف تقود إلي مواجهة مباشرة بين إيران وسورية مع الدول العربية الحليفة للغرب، ومع إسرائيل وأيضا الولاياتالمتحدة، إذا لم يكتب النجاح للجهود الدبلوماسية ومنطق العقل. إن نتائج مثل هذا الصراع الكبير سوف تكون بمثابة كارثة لا أحد يعرف عقباها. منذ وقت بعيد أصبح المراقبون يتوجسون الخطر الكبير الذي يمكن أن يتسبب به النزاع بين الأطراف اللبنانية، لأنه تجري علي أرض لبنان منذ الانسحاب القسري للسوريين حرب بين حزب الله وإسرائيل هي حرب بالإنابة عن مواجهة بين إيران وإسرائيل. الحرب الثانية بالإنابة عن مواجهة بين إيران وإسرائيل تجري بين حماس وإسرائيل. لقد جاء تدخل جامعة الدول العربية برئاسة معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، في الوقت المناسب قبل أن ينفجر الصاعق ولكن يجب أن لا ننسي أن موازين القوي مالت لصالح طرف في هذا النزاع هو حزب الله وسيكون لهذا نتائج. فرصة لبنان الأخيرة أن تساعد أطراف النزاع في وضع حل عربي لأزمة عربية وعدم انتظار تدخل الولاياتالمتحدة لأنها منشغلة بانتخابات الرئاسة كما أنها تقف طرفا في النزاع لميولها لحكومة السنيورة وإعلانها الحرب علي حزب الله. كذلك لا يمكن الركون إلي أوروبا التي لم يعد لها مصالح في المنطقة. لكن البعض في أوروبا يأمل بأن تستعيد القارة العجوز بعض من وزنها في الشرق الأوسط بعد استلام فرنسا رئاسة الاتحاد الأوروبي في مطلع يوليو المقبل. لكن ينبغي عدم انتظار الحل علي متن طائرة قادمة من واشنطن أو بروكسل، حان الوقت لكي يستعيد لبنان ابتسامته ووفاق أبنائه وسيادته بالكامل ليعود لممارسة دوره الطليعي في العالم العربي الذي طالما افتقدناه وننتظره بشغف. عن صحيفة الراية القطرية 18/5/2008