جنوب لبنان وغزة وهزيمة الجيش الإسرائيلي د.نسرين مراد في تموز يوليو 2006 ألحق حزب الله هزيمة نكراء بفلول الجيش الإسرائيلي المدعومة براً وبحراً وجواً وبغطاء سياسي أميركي معلن. في البحر يمتلك الأسطول البحري الإسرائيلي قطعاً بحرية وترسانة هي امتداد لما لدى حلف الأطلسي بقيادة الولاياتالمتحدة.
في البر دفعت إسرائيل بخيرة آلياتها المدرعة وفي مقدمتها دبابات «الميركافا» التي بنت إسرائيل حولها الأساطير في سبيل تخويف الخصوم منها ولبيع أعداد إضافية منها إلى جيوش الدول النامية. في الجو تدعم الجيش الإسرائيلي طائرات متقدمة أميركية الصنع مسلحة بآخر ما وصلت إليه تقنيات العتاد في الجيش الأميركي.
سياسياً تنام القيادات الإسرائيلية نوماً هادئاً مريحاً لكونها معصومة محصّنة ضد أية مساءلة قانونية دولية على جرائمها ضد حشود المدنيين بسبب الدعم السياسي اللا-محدود الممنوح لها بسخاء من الإدارة الأميركية. ذلك بالإضافة إلى محاولات التثبيط المحلية والعربية الرسمية التي مورست على المقاومة اللبنانية عندما كانت الحرب على أشدها. رغم هذا وذاك هُزمت إسرائيل جنوداً وقيادات عسكرية وسياسية، شعرت إسرائيل فيها بعمق ومرارة الهزيمة التاريخية بكل ما للكلمة من معنى، وللمرة الأولى في حروبها ضد العرب.
تكرر إسرائيل نفس السيناريو في قطاع غزة المحاصر والذي تظن أنه من السهولة عليها بمكان اجتياحه وتصفية المقاومة الشعبية فيه. المقاومة الشعبية في قطاع غزة باسلة بامتياز عز نظيره في تاريخ المقاوَمات الشعبية عبر التاريخين القديم والحديث، رغم الحصار الكلي المحكم المتواصل على المدنيين منذ أشهر عديدة.
لم تستفد إسرائيل من دروس هزيمتها في لبنان وهزائم قوى الاحتلال الأخرى الأكثر قوة وتسليحاً. الدرس المهم الذي كان على إسرائيل أخذه بعين الاعتبار هو أنه لا يمكنها الاستمرار في حالة تجاهل شجاعة وإصرار المقاتل العربي على تحقيق النصر على الرغم من الضعف الخطير في تسليحه. المقاتل العربي المؤمن بعدالة قضاياه في لبنان وفلسطين اليوم ألغى دور تفوّق المدفع الثقيل والدبابة الثقيلة المتطورة والطائرة والسفينة الحربيتين الحديثتين.
في خندق محفور بأصابع وأكف اليدين استطاع المقاوم العربي تحييد أدوار كل الأسلحة المتقدمة المستعملة في الجيش الإسرائيلي والتي أصبحت عبئاً على أصحابها بدلاً أن تكون حامية لهم. سقطت أسطورة دبابة «الميركافا» في قطاع غزة المحاصر بنفس الطريقة التي سقطت في العام 2006 في جنوب لبنان، حينها كان مقاتلو حزب الله ينتظرون بفارغ الصبر تقدم طابور إسرائيلي مدرّع باتجاه الأراضي اللبنانية.
طائرات ومروحيات واستطلاع سلاح الجو الإسرائيلي لا تستطيع التحليق في أجواء قطاع غزة إلا خلسةً مطلقةً وابلاً كثيفاً من البالونات الحرارية المضللة لصواريخ المقاومة المضادة للطائرات. سلاح البحرية الإسرائيلي تم تحييده في عرض البحر إلا من قذائف يطلقها على التجمعات المدنية في البيوت والأزقة والمصانع المدنية والساحات العامة. المقاومة الفلسطينية اليوم ورغم القهر والحصار المبرمجين تقف على أعتاب انتصار تاريخي حقيقي مدوٍّ.
الشعب الفلسطيني أكثر تصميماً من أي وقت مضى على المقاومة والتضحية والوقوف ضد الهجمة الإسرائيلية المتواصلة. معنويات المقاومة الفلسطينية في تزايد مع تزايد أعداد الشهداء في حين تستمر معنويات الجيش الإسرائيلي بالانحدار حتى مع سقوط أعداد محدودة من قتلاه وجرحاه. قطاع غزة اليوم يعني لإسرائيل أكثر ما عناه جنوب لبنان لها وما فعلت فيتنام لفرنسا وأميركا وليننجراد للجيوش النازية في الحرب العالمية الثانية.
على الداعمين لإسرائيل عسكرياً وسياسياً الاستفادة من حالة عقم خطط الجيش الإسرائيلي لكسر شوكة المقاومة في قطاع غزة وقبله في جنوب لبنان. بدمائهم ولحوم أجسادهم يواصل شباب المقاومة في قطاع غزة تحقيق إنجازات ضد جيش طالما أرعب الآخرين وأربك خططهم وخيالهم باستمراره الحديث عن «جيش أسطوري لا يُقهر».
استطاعت إسرائيل إدخال تلك المقولة الخرافية في أنفس وقلوب وعقول وكرّاسات تعليم الأجيال عبر العالم. المقاتلون اللبنانيون والفلسطينيون أزالوا بدمائهم وأرواحهم وأسلحتهم المتواضعة ذلك الشعار وتلك الخرافة المدعومة باستهتار القوى الغربية بالشخصية والعقلية العربية. الدرس الثاني الذي يجب على إسرائيل تعلّمه هو أن الخسائر البشرية التي تلحقها بالمدنيين لا يمكن أن تجلب لها نصراً على غرار ما حدث في الحروب الخاطفة السابقة.
هذا تكتيك أميركي صادف نجاحاً محدوداً في اليابان، باستخدام أسلحة التدمير الشامل، لكنه فشل في فيتنام ويفشل حالياً في أفغانستان والعراق. بنفسها جرّبت إسرائيل ذلك التوجه في لبنان حين أخذت الضوء الأخضر من الولاياتالمتحدة لتدمير البنية المدنية الأساسية لحزب الله خاصة في المناطق الجنوبية للبنان.
عدا إعجاب الإدارة الأميركية بالإجرام الحربي الإسرائيلي فإن الرأي العام الدولي وقف ويقف إلى جانب المقاومة اللبنانية ضد العدوان الإسرائيلي. الأمر ذاته يتكرر في قطاع غزة حيث نفس الضوء الأخضر من نفس المصدر ونفس الجيش الإسرائيلي الذي يُهزم في قطاع غزة يوماً بعد يوم.
الدولة الإسرائيلية تُستنزف بكل ما في الكلمة من معنى وتستدرج إلى مستنقع لا يمكن أن تنجو منه دون هزيمة تاريخية محققة. خطط إسرائيل في الاستفادة من قتل المدنين وترويعهم لترويع الآخرين تبوؤ بالفشل. العنجهية الإسرائيلية المتمثلة بالتعنت إزاء إقامة سلام عادل قائم على الشرعية الدولية لا تمكن مواجهته إلا بالمقاومة وبكافة الوسائل المتاحة.
أي سلام يمكن التحدث به مع إسرائيل وهي التي تستمر في اغتصاب الأراضي والمقدسات الفلسطينية وتنكر حقوق الفلسطينيين في الأرض والمياه والحدود والأمن والأمان؟!. أي سلام مع دولة تقيم محاكم تفتيش في فلسطين تذيق فيه العرب هناك مرارة ارتباطهم بأرضهم وهويتهم وعقيدتهم؟!.
لم تبق إسرائيل من وهم لنفعية التفاوض السلمي معها إلا وبددته. الرسالة الإسرائيلية للجميع واضحة وهي أنها تريد فلسطين خالية من أي شيء اسمه عربي أو إسلامي. لذلك بات على إسرائيل أن تتجرع كأس هزيمة مر بيد المقاومة الفلسطينية الباسلة. لا يمكن لإسرائيل أن تذعن للمطالب الفلسطينية والعربية والدولية وهي تشعر أنها في قمة القوة والطرف الآخر ضعيف مستضعف. عن صحيفة البيان الاماراتية 22/4/2008