... فاوست جهاد الخازن شاءت الصدفة ألا أنتهي من قراءة كتاب جاكوب هايلبرون «كانوا يعرفون أنهم مصيبون: صعود المحافظين الجدد» حتى أكمل بمقال طويل كتبه سكوت ريتر، المفتش السابق عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، بمناسبة الذكرى الخامسة للحرب. ريتر ألف كتاباً عن تزوير أدلة الاستخبارات عن أسلحة الدمار الشامل في العراق وكتاباً عن السعي لاستهداف ايران، ووجدت ان مقاله يكمل من حيث توقف هايلبرون في الحديث عن المحافظين الجدد وأحمد الجلبي. باختصار هايلبرون تحدث عن تأثير ألبرت وولستر في جامعة شيكاغو على طلابه ومريديه مثل بول وولفوفيتز وريتشارد بيرل وأحمد الجلبي وزلماي خليل زاد، وكان الأستاذ نصيراً قوياً لإسرائيل، ويوبخ اليهود الليبراليين الذين ينتقدونها. والواقع ان الكتاب لا يذكر اسم الجلبي إلا مقروناً بأسماء كبار المحافظين الجدد، ويكشف أن نائب الرئيس ديك تشيني لم يثق به، ووزير الدفاع في حينه دونالد رامسفيلد لم يكن مهتماً بأكثر من حرب «صدمة وترويع» وتكنولوجيا مذهلة، غير ان المحافظين الجدد رعوا الجلبي واعتبروا انه سيكون الرئيس المقبل للعراق، وهم في النهاية اقنعوا الجميع به فكان ما كان من تقديم معلومات استخبارات بديلة وكاذبة لتبرير شن الحرب. كتاب هايلبرون تناول موضوعاً أكبر من شخص واحد، فقد كان عن المحافظين الجدد وصعودهم حتى خطفوا السياسة الخارجية الأميركية، وكدت أنسى الإشارات الى أحمد الجلبي لولا أن مقال ريتر كان بعنوان «عشاء مع أحمد» ويحكي في 14 صفحة اجتماعه معه في واشنطن وهو يزورها في حزيران (يونيو) 1998، وكيف دعاه الجلبي للنزول في بيته حيث تناولا العشاء مع آخرين. يقول ريتر ان الجلبي قال له انه سيصبح في يوم ما رئيس العراق وسيسيطر على نفط البلاد، وعند ذلك لن ينسى الأصدقاء الذين ساعدوه ساعة حاجته وانما سيعطيهم امتيازات بترولية تجعلهم أثرياء جداً. غير أن حساب حقل الجلبي لم ينطبق على حساب البيدر، فهو تسلم وزارة النفط إلا أنه تركها في كانون الثاني (يناير) 2006 لحُسين الشهرستاني، وفشل ذلك الشهر في الفوز بمقعد واحد لقائمته في الانتخابات، ومع ذلك أعاده رئيس الوزراء نوري المالكي أخيراً مسؤولاً عن تحسين الخدمات للمواطنين من كهرباء وماء وغير ذلك. ريتر يقول انه وجد معه على العشاء ستيفن رادميكر الذي عمل مستشاراً قانونياً للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ ثم مساعد وزير الخارجية لمنع انتشار الأسلحة النووية، وترك الإدارة لينضم الى شركة لوبي تسعى لاستقلال ذاتي نفطي للأكراد. وانضمت الى العشاء بعد ذلك دانيال بليتكا، زوجة رادميكر التي انتقلت من العمل في مجلس الشيوخ لتصبح مديرة في معهد أميركان انتربرايز اليميني الذي دعا الى الحرب ولا يزال يؤيدها، والذي صدرت عنه دراسة زيادة القوات فاختار أن يتبعها جورج بوش بدل اتباع نصح فريق جيمس بيكر ولي هاملتون. المقال يتحدث بإسهاب عن راندي شوينمان، مستشار الأمن القومي للسناتور ترنت لوت الذي كان رئيس مجلس الشيوخ في حينه. وقرأت أن شوينمان عمل لرامسفيلد فترة قصيرة في 2001، إلا أنه ترك العمل في السنة التالية وساهم في تأسيس لجنة تحرير العراق التي ضمت بين أعضائها السناتور جون ماكين كرئيس شرف مشارك، وقد أقنعه شوينمان بأن يعلن أن الجلبي «وطني مصلحة بلاده في قلبه»، كما عمل من أجل زيادة القوات الأميركية في العراق وأقنع ماكين بها، وهو الآن مستشار رئيس له في الشؤون الخارجية. لم أرَ اسم شوينمان في كتاب هايلبرون «كانوا يعرفون انهم مصيبون» غير ان في الكتاب تفاصيل كثيرة عن نشاط رادميكر وبليتكا، وكيف أن بيرل دعم انتقالها الى معهد أميركان انتربرايز، وأيضاً عن جيمس وولزي، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه). لفترة قصيرة، وهو رجل يعتبر من أفشل رؤساء الوكالة، غير انه الآن وجد موقعاً له بين المحافظين الجدد وهو يجمع بين التطرف والجهل. أشعر أحياناً بأن أحمد الجلبي من نوع فاوست الذي باع نفسه للشيطان ليحصل على السلطة والمعرفة، كما في مسرحية كريستوفر مارلو الأصلية التي استوحاها المؤلف من أسطورة قديمة، أو كما في كتاب يوهان وولفغانغ غوته الذي جعل فاوست يبيع نفسه لشيطان اسمه مفيستوفوليس في مقابل قوى سحرية ومعرفة سرية. أفترض أن أحمد الجلبي سعى الى السلطة من دون معرفة لغروره بمعارفه غير العراقية، وتحالف مع أعداء العرب والمسلمين لإطاحة صدام حسين، وكلنا طلب ذهابه، غير ان ما حدث بعد ذلك كان كارثة على العراق تجعل شرور صدام حسين تتضاءل ازاءها. ولم نسمع بعد ان الجلبي اعترف بالخطأ واعتذر عن دوره فيه، مع العلم أن لا شيء يفعله الآن يمكن أن يعيد الحياة الى مليون عراقي، أو يضع البلاد على طريق السلامة. عن صحيفة الحياة 7/4/2008