هل يفعل بوش الصواب ولو لمرة واحدة في رئاسته روزا بروكس هل يمكن إنقاذ العلاقات الأميركية الروسية؟ عندما التقى الرئيس بوش نظيره الروسي فلاديمير بوتين في يونيو 2001 قال بوش إنه نظر إلى بوتين في عينيه مباشرة وشعر بوجود تقارب روحي بينهما. ولفترة من الوقت ظل بوش وبوتين صديقين قريبين. وخلال ظهورهما المشترك يقدح بوش قريحته لتجود بعبارات حول "الحرب على الإرهاب" فيما تأتي استجابة بوتين وهو رجل الكيه جي بي السابق من خلال ابتسامة يرسمها على وجهه ثم ما يلبث أن يستخدم بلاغته بعد عودته إلى وطنه لكي يبرر الموقف المتشدد لروسيا ضد المنشقين عن النظام والأقليات. ويبدو أن العلاقة بين الزعيمين على حد قول بوش " علاقة بناءة للغاية ". بيد أنه وعلى غرار معظم العلاقات الحميمة سرعان ما يخبو بريقها. فقد رفض بوتين دعم حرب العراق في 2003 ، وفي 2005 تراجعت الحكومة الروسية عن الإصلاحات الديموقراطية وشعر بوش أنه يقف على الهامش موقف العاجز وراح يصر على ان بوتين قد أكد له بشكل شخصي على التزامه بالديموقراطية وأنه " عندما يخبرك انه سيفعل شيئا فهو يعني ما يقول". وحتى مع ذلك فقد ساءت العلاقات. ففي عام 2006 عندما تحدث بوش عن أمله أن روسيا ستكون في يوم من الأيام مثل العراق حيث حرية الصحافة وحرية الدين كان رد بوتين بسخرية " نحن بالتأكيد لا نرغب أن يكون لنا نفس النوع من الديموقراطية التي لديهم في العراق." وبحلول فبراير 2007 كان بوتين يشجب السياسة الخارجية الأميركية ويصفها أنها لا تمت بصلة للديموقراطية وأنها استخدام مفرط للقوة في العلاقات الدولية. وفي صيف 2007 أطلق بوتين تهديدا بتوجيه صواريخ الى بولندا في حالة قيام الولاياتالمتحدة بنشر نظام الدفاع الصاروخي في أوروبا. فإذا كانت العلاقة بين الولاياتالمتحدةوروسيا قد وصلت إلى هذا الحد من التوتر فاللوم الأكبر يقع على عاتق إدارة بوش. فعلى الرغم من دعاوى بوش بوجود صداقة بين القيادتين فالولاياتالمتحدة ما فتئت تتعامل مع روسيا على أنها قوة ماضية لم يعد لها وجود تتوق أن تتعلم عند أقدامنا وتظهر الأمتنان للفتات القليل من الاهتمام الأميركي. لقد كان ذلك خطأ فادحا وباهظ الثمن. فروسيا ربما تعاني من الفساد والقمع والضعف الداخلي إلا أنها ما تزال لديها القدرة على ان تساعد أو تعيق أهداف الولاياتالمتحدة في إيران والعراق ولديها القدرة كذلك على زعزعة الاستقرار في الكثير من مناطق أوروبا الوسطى ووسط آسيا ناهيك عن أنها ما تزال تمتلك ثاني أكبر ترسانة نووية. إلاً أن المحادثات الجادة للحد من الخطر النووي قد وصلت إلى توقف فعلي. والولاياتالمتحدة ليس بمقدورها أن تحول روسيا إلى عدو فإذا كان بوش يريد حقا أن ينقذ شيئا من فترة رئاسته الكارثية عليه أن يسخر زيارته إلى روسيا ليصل بالعلاقات الثنائية بين الدولتين إلى حالة أفضل. والمهمة لن تكون سهلة. فزيارة بوش لروسيا تأتي في أعقاب قمة الناتو في رومانيا. وكان بوش قد كرر التزامه بخطة عمل عضوية الناتو بالنسبة لأوكرانيا وجورجيا وبنشر أنظمة الدفاع الصاروخي في بولندا وجمهورية التشيك حيث تعتبر روسيا أن كلتا الخطوتين عملان عدوانيان ومن ثم فمن الصعوبة بمكان أن نتصور كيف يمكن لبوش ان يحقق الكثير من التقدم عندما يتقابل مع بوتين ورئيس روسيا القادم ديمتري ميدفيديف. الأمر صعب لكنه ليس مستحيلا. ومما يسهل الأمر على بوش أن فرنسا وألمانيا تظهران تصميما على توسيع الناتو وهو ما يساعد بوش ألاَ يركز كثيرا على تلك القضية خلال محادثاته مع بوتين. ولكن التقدم الحقيقي سوف يتوقف على مدى تمسك بوش وعناده في مسألة الدفاع الصاروخي. فمن الناحية النظرية يفترض أن يوفر الدرع الصاروخي الحماية لأوروبا ضد هجمات الصواريخ الإيرانية إلا أن تلك نظرية مشكوك بها حيث لا يتوفر دليل على أن إيران لديها ( أو ترغب في تملك) صواريخ باليستية توجهها إلى أوروبا ( ومن أسف فلا تتوفر أدلة قوية أيضا على أن نظام الدفاع الصاروخي له القدرة على اعتراض الصواريخ ). وعلى أرض الواقع العملي وليس الكلام النظري فبوش سيستخدم زيارته لروسيا من أجل إعلان قبول العرض الذي قدمه بوتين الصيف الماضي بفتح حوار أميركي - أوروبي - روسي حول الدفاع الصاروخي وهو ما قد يتضمن المشاركة بالاستخبارات والتعاون التقني وإقامة منشآت مشتركة للدفاع الصاروخي على أن توجد بعض منها في مواقع تقدمها موسكو. ومن الممكن أن نكسب حسن النية من جانب روسيا مع محافظتنا على حرية محاولة تطوير أنظمة دفاع صاروخي ذات كفاءة فعلية على أن تحصل روسيا على تأكيدات بأن صواريخ الولاياتالمتحدة توجه الى الهدف المعلن لها ومن ثم تفقد زريعة التنمر على جيرانها. ففي إطار التزام حقيقي بالتعامل مع روسيا كشريك مع تنشيط المحادثات المتوقفة فيما يتعلق بنظاق واسع من المسائل النووية فإن ذلك من شأنه ان يغير المناخ العام. وعلى المدى الطويل قد يجعل من السهولة إعادة المشاركة الروسية في القضايا الحيوية من الانتشار النووي الى التغيرات المناخية والصحة العامة. وكان أحد المراسلين قد سأل بوش يوم الأربعاء في رومانيا ما إذا كان تفادي تحطم قطار الدبلوماسية امرا ممكنا خلال زيارة بوش لروسيا ، فكان رد بوش المتفائل دائما هو: أنك تسميها تحطم قطار الدبلوماسية وأنا أسميها فرصة" ولو استطاع بوش أن يتحلى بالمرونة بخصوص الدفاع الصاروخي لربما كان على صواب للمرة الأولى. نشر في صحيفة " لوس انجلوس تايمز وواشنطن بوست " ونقل من صحيفة " الوطن العمانية " 5/4/2008