المحكمة الهولندية مسؤولة عن نتائج «الفيلم القذر» أشرف أحمد عطية الله لست أدري الى متى سيظل العرب والمسلمون في العالمين العربي والاسلامي يدفنون رؤوسهم في الرمال ويغضون الطرف عن كل ما يتبجح به الغرب على معتقداتهم ومقدساتهم. ولست أدري الى متى سيظل العرب والمسلمون يتظاهرون ويستنكرون ويشجبون ويحتجون ويتصايحون بالهتافات دون أي رد فعل عملي على تلك الاساءات المتتالية التي يصبها اليهود واتباعهم على رموزنا الدينية. ولست أدري الى متى سنكتفي بردود الفعل الوقتية الانفعالية التي تصدر متوهجة ثائرة في وقتها حتى اذا ما مر عليها بعض الوقت ذهبت الى مكامنها ولا تعود الا عندما نتعرض لإهانة أخرى، واستباحة أخرى لأقدس أقداسنا. فمنذ ان وعيت وادركت وشببت وشبت قريحتي على ما يحدث حولي وانا اقرأ واسمع واشاهد الاعتداءات والاهانات المنهمرة على أمة الاسلام من سب وقذف صحابة رسول الله الى تعد باللفظ وبأقذر النعوت على زوجاته أمهات المؤمنين، ثم تطور الأمر - نتيجة الصمت والعجز العربيين - الى التطاول على شخص النبي محمد رسولنا الأعظم صلى الله عليه وسلم، ونعته بنعوت تنفر منها كل نفس ذات حس سوي، والتجرؤ على كتابنا المقدس الذي كفله الله تعالى بالحفظ. فمن آيات شيطانية لشيطان انسي هو سلمان رشدي، الى وليمة لاعشاب البحر للروائي السوري حيدر حيدر، الى كاريكاتورات وحماقات وتفاهات صحف الدنمارك والنرويج، الى غيرت فيلدرز النائب اليميني الهولندي المتطرف وفيلمه القذر عن اشرف مقدساتنا وهو القرآن الكريم والذي يصفه فيه بأنه كتاب فاشي، ويدعو إلى حظره، والذي يقارنه بكتاب ادولف هتلر «ماين كايف» أو «كفاحي». كل هذه الاعتداءات والانتهاكات وغيرها الكثير، ونحن مازلنا نحتج ونشجب ونستنكر، ثم نعود كما كنا، ونسلم بالأمر الواقع. فماذا حدث مع سلمان رشدي؟ انتقل الى بريطانيا وعاش فيها عيشة النبلاء، وانتشر كتابه على مستوى عالمي، وترجم الى مختلف لغات الأرض، وعلاوة على ذلك انعمت عليه ملكة انجلترا بلقب «فارس» الذي لا يناله إلا النذر اليسير من الشخصيات في حركة استفزازية لمشاعر ما يقرب من مليار ونصف المليار مسلم، دون ان تصدر عنهم ولو مذكرة احتجاج. وماذا حدث مع حيدر حيدر وروايته؟ مازال هو «يبرطع» في ارجاء الارض وروايته تتداولها الايدي في السر والجهر وترجمت ايضا الى عدة لغات وانتشرت على نطاق واسع. وهذا نفسه ما حدث مع رسوم الصحيفة الدنماركية التي انتشرت في اوروبا من الدنمارك الى النرويج الى هولندا الى فرنسا ومازالت تتداول بين العواصم الاوروبية، بل وصل بها الامر الى ان نشرتها صحيفة اردنية، مما حدا بصدور قرار بإغلاق هذه الصحيفة، وان كنت اشك في استمرارية تنفيذ هذا القرار حتى الآن. ولا شك في ان هذا نفسه هو ما سيحدث مع الكاتب الهولندي غيرت فيلدرز وفيلمه الحقير عن قرآننا، سنثور ونحتج ونشجب ولا مانع من بعض المظاهرات هنا وهناك في ارجاء العالم العربي، ثم ننسى ويعرض الفيلم وينتشر ويرشح لجوائز وقد يفوز - وهذا بالنسبة لي شبه مؤكد - بمعظمها، وقد يصل الى الاوسكار ليفوز بها ايضا وتصير هذه عادة، ان يتجه كل صعلوك طالب للشهرة الى مهاجمة الاسلام والمسلمين عن طريق الاساءة الى رموزهم روائيا او تصويريا، فيرشح لجائزة هنا او اخرى هناك ونحن نشجب ونستنكر. ان ما يدور حولنا من تهجم واعتداء وبذاءات تسيء الينا كأصحاب رسالة سماوية يدعو للتساؤل: ما الذي يدعو هؤلاء المتبجحين على الاسلام ورموزه الى التمادي في تبجحهم؟ هل هذا ناتج عن ثقتهم بأن رد فعلنا لن يزيد على كونه مجرد احتجاج هنا وشجب هناك، وفي اعظم الاحوال، بعض المظاهرات في بعض الدول؟ أم انه استمراؤنا نحن لهذه التبجحات واكتفاؤنا ببعض ردود الافعال الوقتية التي لا تلبث ان تزول وتنتهي لتعاود الاساءات الكرة من جديد؟ لقد رفعت جمعية هولندية اسلامية مؤخرا شكوى عاجلة طالبة الاطلاع على الفيلم الهولندي المسيء للاسلام والمتطاول على القرآن الكريم قبل بثه، ودعا الاتحاد الاسلامي الهولندي في هذه الشكوى التي رفعت الى محكمة لاهاي الى تعيين خبراء لمشاهدة الفيلم ثم تحديد ما اذا كان يتعين حظره، ومن المفترض ان تبت المحكمة في هذه الشكوى في 28 من مارس ولست اشك في ان قرار المحكمة لن يخرج عن ان «الفيلم تعبير عن حرية الرأي والتعبير ولا تجوز مصادرة هذه الحرية وللكاتب ان يعبر عن رأيه كما يشاء» ولن يكون هناك اي اعتبار في قرار المحكمة لمشاعر المليار ونصف المليار مسلم التي اساء اليها هذا الفيلم. هذا ليس قراءة للغيب وانما هو اعتياد على مواقف الغرب في كل ما يتعلق بقضايا تمس الاسلام والمسلمين، بدليل ما اعلنته السلطات الهولندية مسبقا من ان القانون يمنع اي رقابة مسبقة على الفيلم وان حظره لا يجوز إلا اذا حصل - مثلا - تحريض على الحقد العنصري. وبعد هذا .. يتساءل الغرب عن سبب العنف الذي قد تلجأ اليه بعض القوى المتسترة بستار الاسلام، ويدمغونها بالارهاب، متناسين انهم بانحطاطهم واستهزائهم هم الذين يعطون المبررات لهذه القوى لممارسة العنف وتنفيذ مخططاتها تحت ستار الدفاع عن الاسلام ضد المسيئين اليه. وغير خاف ما اعلنته «القاعدة» في نهاية فبراير الماضي من الانتقام من الجنود الهولنديين المنتشرين في افغانستان والذين يبلغ عددهم 1660 عسكريا في اطار القوة الدولية «ايساف» اذا تم بث هذا الفيلم. وعلى ذلك فإن المحكمة الهولندية ستكون المسؤول الاول بلا ادنى شك عما سيحدث لهؤلاء اذا ما اجازت بث الفيلم ومهما كانت مسوغاتها لهذه الاجازة . اما نحن الذين يسموننا بالمسلمين المعتدلين فلنكتف بالمشاهدة والشجب والاستنكار وقرارات الاحتجاج والانفعالات الوقتية التي اعتدنا عليها وألفناها. عن صحيفة الوطن القطرية 26/3/2008