غلاسبي أم صدام؟ سعد محيو الرئيس العراقي السابق صدام حسين ليس موجوداً كي يرد على رد السفيرة الأمريكية السابقة إبريل غلاسبي حول مسألة الضوء الأخضر الأمريكي لغزو الكويت. وكذا وزير الخارجية العراقي السابق طارق عزيز. ولذا، تستطيع غلاسبي أن تصول وتجول كما يحلو لها، وهي واثقة بأن تفاصيل لقائها المسجل مع صدام لن يرى النور أبداً بسبب وجوده في حوزة قوات الاحتلال الأمريكية. وهي صالت وجالت بالفعل، ونفت للمرة الأولى تأكيد طارق عزيز أنها قالت لصدام: “نحن لا نتدخل بخلافات حدودية بين بلدين". كما أنها ادعت أن الاجتياح العراقي فاجأها كما فاجأ الرئيس مبارك. من الصادق والكاذب في هذه المسألة الكبرى التي غيرت وجه الشرق الأوسط برمته؟ التاريخ وحده سيجيب. لكن أي تدقيق في أساليب الدبلوماسية الامريكية، يدفعنا فوراً إلى تصديق رواية صدام. الأدلة؟ سنورد واحداً من أشهرها. نحن الآن عشية حرب ،1967 ثمة أحاديث كثيفة في واشنطن والشرق الاوسط عن “ضوء أخضر" أعطته الولاياتالمتحدة ل"إسرائيل" لشن هذه الحرب. وقد أشار مايلز كوبلاند، على سبيل المثال، إلى أن هذا الضوء أعطي بعد أن انتهت اللعبة الكبيرة بين مصر والولاياتالمتحدة آنذاك، ووجهت إدارة جونسون إلى جمال عبدالناصر إنذاراً تضمن البنود التالية: خروج مصر من الصراع العربي “الإسرائيلي". تصفية الاتحاد الاشتراكي العربي. إدخال نوع من التنظيم على الإدارة وتحديد عدد الموظفين ب180 ألفاً. تحديد عدد الجيش ب50 ألفاً. إلغاء التأميم وإنهاء القطاع العام. وقال الرئيس جونسون في مذكراته إنه حين سأله وزير الخارجية “الإسرائيلي" أبا إيبان: ألن أكون مخطئاً إذا ما قلت لرئيس وزرائنا ان موقفكم يتلخص في أنكم ستبذلون كل الجهود الممكنة لضمان بقاء مضيق تيران وخليج العقبة مفتوحين للملاحة الحرة الآمنة، “فأجبته أنه لن يكون مخطئاً". وذكر ديفيد كيمحي ودان بولي أن الولاياتالمتحدة وجدت البديل لفشلها في الهند الصينية، في الشرق الأوسط “حيث حدث تطابق شبه كامل بين مصالح الولاياتالمتحدة و"إسرائيل". ويشير وليم كوانت إلى مسألة الضوء الأخضر هذه، فيقول انه في 26 مايو/أيار ،1967 توجه أبا إيبان إلى البنتاجون حيث أبلغه مدير وكالة الاستخبارات هيلمز والقادة العسكريون ان “الإسرائيليين" سيربحون الحرب بسهولة. كما فسّر كوانت العبارة الغامضة التي كررتها واشنطن في تلك الفترة بأن ““إسرائيل" ستكون بمفردها إذا ما قررت أن تمضي بمفردها"، بأنها “تلميح بضوء أخضر". كما تلقى مدير المخابرات “الإسرائيلية"، مئير عميت، “انطباعاً" خلال زيارته لواشنطن في 30 مايو/أيار، بأنه إذا ما تصرفت “إسرائيل" بمفردها وحققت انتصاراً حاسماً، فهذا لن يزعج أحداً في واشنطن، هذا كان الأسلوب الذي استخدمته واشنطن لمنح الضوء الاخضر مع “إسرائيل" التي هي أهم حليف لها في العالم. وهو، كما يتضح، أسلوب يعتمد الإيحاء ويتعَمد الغموض ويترك الطرف الآخر ليستنتج ما تريده الولاياتالمتحدة ان يستنتج. فهل غريب بعد ذلك أن تستخدم واشنطن الأسلوب نفسه مع حليفها السابق صدام؟ ثم، هناك شيء آخر: صدام قد يكون ديكتاتوراً صلفاً، لكنه لم يكن بأي حال مجنوناً أو غبياً. ولو أنه شعر للحظة خلال لقائه بغلاسبي أن واشنطن ستواجهه إذا ما غزا الكويت، لما أقدم أبداً على فعلته. لكن صدام رحل وبقيت غلاسبي. وبما أن المنتصر يكتب التاريخ على هواه، يحق لهذه الأخيرة ان تروي هذا التاريخ كما تشاء، صدقاً كان أو ادعاءات. عن صحيفة الخليج الاماراتية 18/3/2008