أجواء عمرو موسي الداكنة مجدي الدقاق لم يشأ الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسي في تصريحاته المتعددة عقب عودته من العاصمة اللبنانية بيروت, أن يوضح طبيعة الأزمة التي يعيشها النظام العربي, وبدبلوماسيته المعروفة اكتفي بالقول ان القمة العربية ستعقد في أجواء داكنة, وفي لحظة من أسوأ لحظات الوضع العربي. ولتبديد سحب الأجواء الداكنة في سماء السياسة العربية, سيعود الأمين العام عمرو موسي إلي دمشق لدفع المبادرة العربية إلي الأمام بعد فشل الجولة الأخيرة له في بيروت وتأجيل جلسة انعقاد البرلمان اللبناني لانتخاب رئيس جديد, للمرة الخامسة عشرة, إلي الحادي عشر من مارس الحالي. الأجواء الداكنة بحسب وصف عمرو موسي, لا تقتصر علي أزمة اختيار رئيس جديد للبنان, بل تتعداها لتصل إلي طبيعة العلاقات السورية اللبنانية والعربية السورية, وتأثير ذلك علي القمة العربية المزمع عقدها في دمشق في28 مارس الحالي. وبرغم الإعلان عن موعد عقد القمة الدوري وتوجيه الدعوات الرسمية للعواصم العربية بحضورها فإن الحديث عن إلغاء القمة يدور في أكثر من عاصمة واشارات التأجيل تأتي من عواصم أخري, في حين يفضل البعض تخفيض مستوي تمثيله أو مستوي الحضور والمشاركة, وبدا الأمر واضحا بأن ملف لبنان هو الذي يتحكم في مصير القمة, وشرط نجاحها مرهون بانتخاب رئيس جديد للبلاد, وفقا للمبادرة العربية التي تتمتع بتأييد ودعم واسع من كل الأقطار العربية والعواصم الدولية المؤثرة. لقد كان التحرك العربي الأخير لعدد من القادة العرب والاتصالات التي تمت بين القاهرة والرياض وعمان ودولة الامارات والبحرين, محاولة جادة لعدم تكرار سيناريو الانقسام العربي الذي دائما ما يحدث أثناء انعقاد القمم العربية, ففي ظل هذه الأجواء يمكن أن تكون قمة دمشق بداية لانقسام عربي يعيدنا لحالة الانقسام في النظام العربي في قمة القاهرة الطارئة التي أعقبت الغزو العراقي للكويت. وتبدو مواقف العواصم العربية والدولية واضحة في هذا الأمر فلن يقبل أحد أن تعقد قمة عربية بدون تمثيل رئاسي لبناني لمقعد لبنان, ولعل دمشق وهي التي من المقرر أن تستضيف القمة أن تعي أن عقد القمة ونجاحها لابد أن يمر عبر قصر بعبدا في بيروت, وأن محاولة إلغاء أو شطب لبنان من المعادلة العربية, سيقابله عزلة سورية عن محيطها العربي, تضاف إلي عزلهتا عن العالم الخارجي, وتستبعد ما تبقي من أصدقاء لدمشق, لتظل سوريا أسيرة علاقات إقليمية مع عواصم وأحزاب معادية بحكم التاريخ للنظام العربي واستقراره. ولا أعتقد أن أحدا يريد الاضرار بالمصالح السورية ولكن بفهم سوري وقدر من المرونة يمكن لدمشق أن تساعد في تسهيل انتخاب الرئيس اللبناني الجديد, بالضغط علي حلفائها للقبول برئيس توافقي بين الفرقاء يمثل كل لبنان في القمة, مع حكومة وحدة وطنية, تحفظ الاستقلال الوطني اللبناني وفي الوقت نفسه تقر بطبيعة العلاقات المتميزة مع دمشق, لقد أصبح موعد عقد القمة العربية, موعدا ضاغطا علي الجميع, فالأمين العام عمرو موسي يسارع الزمن وستشهد القاهرة بعد أيام الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية العرب, لوضع التصورات الأولية للقمة العربية, وذلك استعدادا لاجتماع وزراء الخارجية في دمشق يوم25 مارس قبيل عقد القمة. إن سحب المقاطعة, والتأجيل, والتمثيل الأقل تتجمع فوق سماء قمة مهددة بالفشل, ولكن كل حريص علي الحد الأدني من التضامن العربي يراهن علي عملية السياسة السورية, التي لا تميل لتكريس مقاطعة عربية لها, وتدرك أن وجود غطاء عربي في مواجهة حصار غربي وأمريكي عليها, وتهديدات إسرائيلية مستمرة, يحميها من تفاقم وتوسيع هذا الحصار, وأن عقد القمة العربية علي مستوي الملوك والروساء ودون غياب لدولة عربية, يعيد دمشق للمجموعة العربية. ولعل سوريا تعلم جيدا أن جميع العواصم تعلم هي أيضا أن لدمشق دورا مهما وأساسيا في اختيار رئيس للبنان وإنهاء أزمة مقعد الرئاسة في قصر بعبدا وأن هذه العواصم تدرك أنه إذا كان للأزمة ابعاد وأطراف في الداخل اللبناني, فإن بعضا من هذه الأطراف يرتبط ارتباطا مباشرا بالموقف السوري, وأن حلحلة موقف هذه الأطراف اللبنانية ترتبط بموافقة سورية, ولهذا يعتقد الكثيرون أن دمشق وقبل اقتراب موعد القمة الحريصة علي انعقادها ونجاحها يمكن أن تعيد موقفها حيال الوضع في لبنان علي أرضية القبول بالمبادرة العربية وانتخاب العماد ميشال سليمان قائد الجيش, وتسهيل تشكيل حكومة وحدة وطنية, تصون حق التمثيل لجميع القوي اللبنانية بعد أن أدركت دمشق أن تصديها وحدها مع حليف من خارج المنطقة لا يكفي لضمان أمن سوريا, بل سيزيد من عداء واشنطن لها بسبب موقف العاصمة الأمريكية من هذا الحليف. ويمكن أن تنطلق المراجعة السورية بعد أن تيقنت أن جميع دول العالم تعيد النظر في علاقاتها بدمشق وفقا للموقف السوري في لبنان, ولهذا ومع حسابات الداخل السوري خصوصا مع اغتيال أحد قادة حزب الله داخل دمشق, وحسابات الداخل اللبناني الذي تراه دمشق مرتبطا بأمنها الحيوي, فإن الحسابات السورية قد تصل إلي أن من مصلحة دمشق ألا يتم التصعيد السياسي في لبنان ليتحول إلي صراع عسكري وحرب أهلية بصبغة طائفية هذه المرة, يمكن أن تشكل تهديدا لها وهي البلد المجاور, والمتعدد الطوائف أيضا. وقد تكون كل هذه الأسباب مجتمعة في حسابات العقل السياسي السوري, هي الدافع لتغيير موقف دمشق من اختيار رئيس للبنان, بل قد يدفعها, للإسراع في اختياره, إنقاذا للقمة, وتحسينا للموقف السوري في المجموعة العربية والاستفادة من هذا التحسن في مواجهة حوار ومفاوضات تدور بين دمشق والمجموعة الأوروبية يراوح مكانه, تريد سوريا الاسراع به, وتتشكك أوروبا في جدية دمشق, وتراه محاولة سورية للالتفاف علي الموقف الأمريكي. إننا ننتظر جميعا خطوة المراجعة السورية, وقد يعود الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسي بموقف سوري حكيم يبدد الأجواء العربية الداكنة, التي تخيم علي قمة دمشق والعلاقات العربية, وبخاصة السورية اللبنانية. دمشق بموقفها هذا, في حال حدوثه ستعيد الأمل للنظام العربي, الذي يتم اختراقه في العراق, باحتلال أمريكي, وتدخلات إيرانية, ومغامرات عسكرية للاعب قديم جديد, في تركيا, ونظام يتم حصاره في جنوب السودان وغربه, وقضية مركزية في فلسطين تتراجع بسبب صراع الأشقاء علي سلطة المعابر!! ان لدمشق مسئولية ضخمة وتملك بعض مفاتيح الأمن العربي وعليها كما تعودنا منها أن تنطلق من حسابات عربية وقومية. وعلي الأمين العام للجامعة العربية أن يسرع بعد القمة التي سيحضرها رئيس لبناني, أن يبادر بمبادرة جديدة لتصحيح العلاقات السورية اللبنانية, علاقات تحفظ أمن سوريا ومصالحها, وفي نفس الوقت تصون استقلال وسيادة لبنان وقراره المستقل, وبدون هذا ستظل الأجواء الداكنة تظلل السماء العربية التي تحتاج لتبديد أجواء داكنة كثيرة تتجمع علي أطراف وفي قلب النظام العربي. عن صحيفة الاهرام المصرية 2/3/2008