اسامه عبد الرحيم في تقريره الذى كتبه لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية لم يأت الكاتب الصحفي روبرت فيسك بجديد، وانما اجتر رواية اللحظات الأخيرة للرئيس المصري السابق في قصر العروبة قبل تهريبه الى شرم الشيخ.
واعتمد فيسك على رواية الكاتب عبد القادر شهيب الذى زعم بأنه كان مثل "اللاصقة" للرئيس السابق .
إلى هنا والتقرير ظريف وممتع ومسل أكثر من قرطاس لب وسوداني، حتى انزلق لسان الأخ فيسك ودس بين طيات التقرير السطر التى من أجله تدفع له "الإندبندنت" راتبه أول كل شهر.
وحتى لا نظلم "فيسك" لابد أن نردد تلك القاعدة التى قيلت لنا في بداية المشوار الصحفي وهي انه لا حياد في الصحافة ولا كرامة فيها دون إنحياز.
وتحت مظلة هذه القاعدة اتهم فيسك بطريقة تذكرني بالخبث الفلاحي المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأنه لا يتحدث سوى مع الإسلاميين فقط، .
ولأن الخبث الفلاحي يفضح نفسه ردد فيسك في نفس السطر ما يردده أنصار الدستور اولاً الذين اتهموا 77% من الشعب بالجهل وقصر النظر .
وقال بطريقة شاهد ماشفش حاجة أن المجلس يتعمد تجاهل الشباب والليبراليين والفقراء والأغنياء الذين أسقطوا مبارك..!
ولا أدري لماذا لم يلجم الأخ فيسك خياله الصحفي الذى أخرج الإسلاميين أولاً من دائرة الشباب، وكأن الإخوان والسلفيين الذين تترسوا في ميدان التحرير أمام القناصة وزخات الحجارة جاءوا على عُكاز وتم جلبهم من دور رعاية كبار السن والمعاقين.
ثانياً وضع الليبراليين في كفة مساوية تماماًً أمام الإسلاميين وتجاهل - كما فعلت السفيرة الأمريكية في القاهرة- ان الاستفتاء الدستوري أثبت بمنتهى الديمقراطية والشفافية أن ثقل الإسلاميين في الشارع السياسي في الأيام الأولي التى تلت الثورة وصل إلى 77% ، وهو ما كشف عورة الليبراليين مع باقي خلطة بابا غنوج الحنجورية إياها..!
ثالثاً قسم من قاموا بالثورة إلى فقراء وأغنياء مع ان معجنة التحرير تشهد بأن الفوارق الطبقية التى يزعمها فيسك لم يعرفها من عاش 18 يوماً في الميدان وتقاسم الشاش والميكركروم وسندوتشات الفول والطعمية و علب الكشري ، أو تبادل البطانية مع أشخاص لا يعرف انتماءاتهم أو وظائفهم ولكنه يعرف لماذا هم معه الآن .
ولماذا يقفون بكل جسارة ويحمون ظهره في مواجهة القناصة والبلطجية والإعلام الكاذب، والحق أقول وعلى عهدتي أن معظم الطبقة الغنية لم ينزل أولادها إلى الميدان لأنهم لايجدون سبباً واحداً يجعلهم يثورون على بابا حسني..!
ولو تجاوزنا الطرفة التى أوردها الأخ فيسك في طيات تقريره المخابراتي الذى خلا من ذرة حياد، تلك التي قال فيها أن مبارك طلب من المشير وسليمان عدم إلقاء بيان التنحي قبل أن يصل جمال وعلاء إلى شرم الشيخ.
ولأن فيسك يجيد فن التخمين عن بُعد برر ذلك بأنه ليس خوفا عليهما من السجن، ولكن حتى لا يقدم جمال على عمل متهور، نظرا لأنه - أي جيمي- قد اعترض عندما عين مبارك عمر سليمان نائبا له خلال الأيام الأخيرة من الثورة.
فهل كان "جيمي" على وشك الإعلان أنه قائد ثورة يناير وفي جيبه البيان الأول الذى سيلقيه على شعبه الغاضب في التحرير .
وهل شطح الخيال بفيسك أن يتصور بعدها خروج الجيش من ثكناته مهللاً للطفل المعجزة مفجر ثورة الشباب على رأي عز الطبال..!
أخيراً وحتى تتضح ملامح الدعم الأمريكي والغربي عموماً للإنقلاب على الثورة، فإن التقرير الذى عجنه وخبزه فيسك في "الإندبندنت" سارعت جريدة الشروق إلى إفراد الصفحة الرئيسية له وابرزت حكاية غرام المجلس بالإسلاميين وجفوته مع الليبراليين.
واقتطعت من كلام فيسك عنوانا هو " شىء ما خطأ فى الثورة المصرية"، وجميعنا يعلم الحملة الإنقلابية التى يشنها بلطجية الإعلام وما يقوم به أقزام الصحافة في المصري اليوم والشروق واليوم السابع والتحرير و فضائيات أون تي في، وسي بي سي، والتحرير ودريم وغيرها .
فهل هي محض مصادفة أن يأمر عمرو خفاجي رئيس تحرير الشروق رساما برسم كاريكاتير يُصادم به الصورة المسيئة للإسلام التى وضعها ساويرس على تويتر ، وحتى يلفت الانتباه بعيدا عن الملياردير المتطرف ويخفف من ضغط الحملة الشعبية الناجحة التى تعاقبه بالمقاطعة..!
وهل هي محض مصادفة أن يلقي ساويرس بعدها "عضمة" إلى رئيس تحرير الشروق ، عبارة عن برنامج في فضائحية "أون تي في" .
لقد اتضح الأمر وبات مكشوفاً أن لوبي العهد البائد في الإعلام أمثال ممدوح حمزة وصلاح دياب وإبراهيم المعلم وأحمد بهجت وساويرس وغيرهم ليسوا في حقيقة الأمر فلول مبارك.
بل إنهم حلقة في سلسلة غير مشرفة كان مبارك نفسه حلقة كبيرة فيها ، هذه السلسلة التى يمتزج فيها الاعلامي بالسياسي بالاقتصادي بالديني يمتد طرفها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية.
التى رصدت أطناناً من رزم الدولارات لكل من يقف ضد إرادة الشعب الذى خُير فاختار حريته وعروبته واسلامه بنسبة 77%، إني أزعم أن الثورة المصرية رغم أنف الجميع آية من آيات الله .
وفي كل يوم علامة تدل على ذلك وآخرها الانشقاقات في صفوف الإئتلافات الشبابية التى أمطرتها واشنطن بالدولارات وبدأ بعضهم يفضح بعضاً.
وختاماً حتى لا ينخدع المغفلين ببريق تقارير الأخ فيسك الزائفة والتى ترتبط بالعولمة الأمريكية التى تجتاح كوكبنا، نعرض في عجالة سريعة بعض مواقفه الغارقة في الانحياز للسياسة الأمريكية وان تظاهر بغير ذلك.
ومنها وصفه للحكم الذى صدر بسجن الرئيس التونسي بن على وزوجته بتهمة الاستيلاء على الأموال العامة بأنها عبارة عن "نكتة مضحكة" .
ومنها موقفه الفاضح لإنحيازه المفرط ضد السعودية التى أنقذت البحرين من مخالب إيران حينما قال "البحرين لم تطلب جيوش السعودية .. ولكنها جاءت تغزو ".
ثم يقول " وعلى عكس سلطات الأمن البحرينيَّة أنا لا أقول الأكاذيب... ما تَبِعَ دخول الجنود السعوديين من الدمار الذي حلَّ بمساجد الشيعة القديمة في البحرين كان مشروعاً سعوديَّاً، وهو شيءٌ متوافِقٌ تماماً مع كراهيَّة السعوديَّة التي تمتلك نمط حركة طالبان لكل ما هو شيعي"..!