بين التوجهات السياسية المطروحة لنهضة الأمة الإسلامية مشاريع كثيرة منها الطيب النافع ومنها الخبيث المرير, منها ما هو إسلامي ومنها ما هو مادي " قائم علي المصالح الشخصية" وفي خضم كل هذا تذكرت قول أحد الفلاسفة عن أمتنا " أمة حائرة في عالم محير".1
وإنه مما لا شك فيه أن أمة الإسلام تمر والعالم من خلفها بمأزق حضاري غاية في الصعوبة وصل من المادية مبلغ أن خطف البشر بعضهم البعض ليتاجر بأعضاء إخوانه بعد أن اقتلعوها عنوة من أجسادهم في مشهد يندى له جبين الإنسانية والحضارة المادية المعاصرة.
وأنا أبحث في مكتبتي الخاصة وجدت كتاب دُرس لي بكلية الألسن بعنوان " حُلم أفلاطون" ووقعت عيني علي كلمات هن درر تستحق أن نرصدها.
"عاش الإنسان منذ بداية التاريخ وهو في حالة من الانقسام والثنائية ما بين واقعه وحلمه أو ما بين ما هو كائن وما يجب أن يكون, وظلت جهود الإنسان متنوعة السبل والاتجاهات تنشد غاية واحدة وهي العالم الأفضل .
ومازال حلم المدينة الفاضلة يداعب الوعي الجمعي والفردي للمبدعين والفلاسفة والمصلحين في كل مكان ."2
ومازال الإنسان تتوق نفسه إلى مقالة الفيلسوف اليوناني سقراط والذي أعلن خلالها أنه " لا يمكن زوال تعاسة الدول وشقاء النوع الإنساني, ما لم يملك الفلاسفة أو يتفلسف الملوك والحكام فلسفة صحيحة تامة أي ما لم تتحد القوتان السياسية والفلسفية في شخص واحد . وما لم تنسحب من حلقة الحكم الأشخاص الذين يقتصرون على إحدى هاتين القوتين " 3
ومن جمال اللغة العربية أنها جمعت في مادة واحدة هي "حكم" الكلمتين حكام وحكماء .
فالحكام لابد أن يصبحوا حكماء أو أن الحكماء لابد أن يقودوا الدنيا ويصبحوا حكام؛ ليتحقق الأمل المنشود في إيجاد المدينة الفاضلة واقعًا ملموسًا .
وجاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم وكون مدينته الفاضلة في طيبة ( المدينةالمنورة ), ووضع اول دستور عرفه العالم وهي( صحيفة المدينة )التي اقرت حقوق غير المسلمين ومنهم اليهود وامنهم علي اموالهم وحياتهم وعقيدتهم وجعل الأخوة رباطًا بين سائر المسلمين لا فرق بينهم بسبب لون أو عرق أو جنس, فأصبح بلال بن رباح سيدنا ومؤذن رسولنا , وسلمان الفارسي من آل بيت نبينا صلي الله عليه وسلم "وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُم)".
اذن نحن امام تجربة إسلامية استطاعت بفضل تعاليم وقيم الاسلام أن تحقق المدينة الفاضلة التي داعبت خيال افلاطون وجعلت حلمه واقعًا ملموسًا والمسلمون اليوم لديهم نفس المصدر الذي ما أقتفاه حكامهم وساروا علي نهج الخلفاء الراشدين المهديين إلا وجعلوا المثالية صفة مقرونة بوجود المسلمين في كل بقاع المعمورة.