مشروع لوضع فلسطين تحت وصاية دولية رجب البنا إسرائيل هي المستفيد الأكبر مما فعلته حماس باقتحام الحدود المصرية بجرافاتها ورجالها الملثمين ودفعها لعشرات الآلاف من الفلسطينيين نحو الأراضي المصرية، وتسلل بعض عناصرها بمتفجراتهم إلى المدن الداخلية. استفادت إسرائيل بإعادة إحياء مشروعها القديم الخرافي عن توطين الفلسطينيين في سيناء، وعبر خالد مشعل عن ذلك بقوله إن كل خيمة ينصبها الفلسطينيون في أي مكان لن يستطيع أحد اقتلاعها، أما قيام إسرائيل بتصعيد العقاب الجماعي وعمليات التصفية الجسدية للفلسطينيين فكانت بناء على ضوء أخضر من الرئيس بوش في زيارته الأخيرة لإسرائيل، كما أعلن رئيس الوزراء بنفسه، ويبدو أن ما جرى وسوف يجري هو مرحلة جديدة من مراحل استراتيجية الفوضى التي تتبعها الإدارة الأميركية الحالية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بعد غزو العراق، كما أعلن ذلك الرئيس بوش مرارا. وربما تكون مقدمة للتمهيد لتنفيذ سيناريو سبق أن عرضه مارتن أنديك في دراسة نشرها في يونيو 2003 في مجلة فورن أفيرز وهي من أهم المجلات الأميركية المتخصصة في الدراسات السياسية والاستراتيجية، وفي بدايتها تأكيد بأن خريطة الطريق لن تحقق شيئا سوى استمرار المباحثات إلى ما لا نهاية حول التفاصيل. وأن ظهور نظام حكم جديد في العراق تحت الوصاية الأميركية سيؤدي إلى توفير الأمن لإسرائيل وللدول المعتدلة في المنطقة، وستظل رؤية بوش لإقامة دولة فلسطينية لها حدود مؤقتة تعيش في سلام بجانب إسرائيل مجرد رؤية تفتقد آلية للتنفيذ، وفي غياب مؤسسة قادرة على كبح جماح المنظمات والميليشيات الإرهابية الفلسطينية، فإن القوات الإسرائيلية تتكرر عودتها إلى احتلال الأراضي الفلسطينية. وستظل حكومات إسرائيل في العمل على قتل كل مشروع للحل كما فعلت مع اتفاقات برشلونة وأوسلو والقاهرة وواشنطن، وخطة تينت وتفاهمات ميتشل وغيرها، وستظل تعلن عن عدم وجود شريك فلسطيني موثوق فيه لعقد اتفاقية معه، وأمام هذا الطريق سيكون رد فعل الإدارة الأميركية الابتعاد وترك الأطراف في مباحثات ثنائية بلا جدوى، وستكون النتيجة استمرار المجازر البشرية، واشتعال العداء للولايات المتحدة في العالم الإسلامي، وفشل إسرائيل في تحقيق الأمن وإنعاش اقتصادها وتعريض مستقبلها للخطر. والسيناريو الغريب الذي أعلنه مارتن أنديك، أن تستفيد أميركا من انتصارها في غزو العراق والبدء في تنفيذ مشروع لوضع فلسطين تحت الوصاية الدولية بقيادة الولاياتالمتحدة بقرار من مجلس الأمن، وتكون مهمة القيادة الأميركية لهيئة الوصاية إعداد شريك فلسطيني مسؤول لعقد اتفاق سلام نهائي مع إسرائيل، وإنشاء جهاز أمني فلسطيني فعال، والإشراف على إقامة مؤسسات سياسية ديمقراطية، ووضع مشروع دستور فلسطيني جديد، وإنشاء سلطة قضائية فلسطينية مستقلة، وإجراء انتخابات حرة، وإقامة مؤسسات اقتصادية تتحمل مسؤولية التنمية بشفافية بمساعدة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبتمويل دولي لإعادة بناء الاقتصاد الفلسطيني. ووفقا لهذا السيناريو الامبريالي الجديد، تنسحب القوات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية التي تنازلت عنها إسرائيل للفلسطينيين في الضفة وغزة وبعض المناطق الإضافية لتحقيق التواصل بين الأراضي الفلسطينية، وتوضع تحت تصرف هيئة الوصاية وحدات من القوات الأميركية الخاصة ومعها بعض قوات أخرى بقيادة أميركية، ولن تكون هذه القوات قوات حفظ السلام ولا قوة مراقبين ولكن ستكون قوات لحفظ النظام وقمع الإرهاب وإصدار الأوامر إلى أجهزة الأمن الفلسطينية وإعادة تدريبها، وأن تقوم بنفس الدور الذي تقوم به في أفغانستان. وضع الأراضي الفلسطينية تحت الوصاية الدولية بقيادة أميركا يعني العودة بالقضية الفلسطينية إلى ما قبل 1948 ووضع الشعب الفلسطيني تحت هيمنة الولاياتالمتحدة كما في العراق وأفغانستان وما يستجد. ومن الخطأ أن نستهين بما قاله مارتن أنديك، فهو واحد من المشاركين في صنع السياسة الأميركية، سفير سابق في إسرائيل، يهودي، مساعد سابق لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، وعضو نشيط في اللوبي اليهودي - الأميركي، ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط بمعهد بروكينغز. ومع أني سبق أن أشرت إلى هذا المشروع الذي يبدو خرافيا وقلت إني أخشى أن يكون مثل وعد بلفور، ومشروع مؤتمر بازل، وقد استهان بهما العرب، إلا أن هذا المشروع لم يحظ بالاهتمام الواجب، وإن كانت حماس لا تعلم بهذا المشروع فتلك مصيبة، وإن كانت تعلم فالمصيبة أعظم! ولكي يجعل الفكرة مقبولة للعرب يقول مارتن أنديك إنه كلما تقدمت عملية بناء الدولة الفلسطينية تنتقل السلطة تدريجيا من هيئة الوصاية إلى المؤسسات الفلسطينيةالجديدة، وبذلك ستكون في فلسطين حكومة واحدة تسيطر سيطرة فعلية على أجهزة الأمن الموحدة والقادرة على قمع الإرهاب والعنف، ولكي يكون المشروع كله مقبولا من إسرائيل والفلسطينيين يجب التوصل إلى اتفاقات تحقق التوفيق بين مطالب إسرائيل المتعلقة بالأمن، ومطالب الفلسطينيين بتجديد طريق واضح وموعد نهائي لإقامة دولتهم، وهذا يقتضي أن يتضمن تنفيذ مشروع مجلس الوصاية العناصر التالية: 1 قرار من مجلس الأمن، ولكي تكون الوصاية مقبولة من إسرائيل يجب أن تكون الوصاية أميركية، ومن المفضل أن تكون لها شرعية بقرار مجلس الأمن يعطي لمجلس الوصاية السلطة لممارسة السيادة على الأراضي الواقعة تحت سيطرته، وعلى الطريقة الأميركية في التزوير وخلط الحقائق يقول مارتن أنديك، إن الوضع القانوني للضفة وغزة أنهما مازالا تحت سلطة الأممالمتحدة، وقد انتقلت هذه السلطة إلى الأممالمتحدة من بريطانيا، وبريطانيا ورثتها عن عصبة الأمم. وعصبة الأمم أخذتها من الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، وقد تولت إسرائيل إدارة الضفة وغزة بعد حرب 1967 ولم تعلن السيادة عليها، ولذلك فإن وضع هذه الأراضي تحت الوصاية الأميركية من خلال الشرعية الدولية ستعطي للفلسطينيين الغطاء المطلوب للتعاون معها، ومع ذلك فلن يكون لمجلس الأمن بعد إصدار القرار سلطة الإشراف على هيئة الوصاية، وكل ما سيفعله مجلس الأمن هو إصدار القرار بإعطاء السلطات اللازمة لهيئة الوصاية بقيادة الولاياتالمتحدة، ومعنى ذلك أن تصبح الولاياتالمتحدة هي سلطة الحكم المطلق بلا رقيب ولا معقب وتفعل في الأرض والشعب الفلسطيني ما تشاء (!). والدليل على أن السيناريو الذي يقدمه مارتن أنديك سبقت دراسة تفاصيل تنفيذه، أنه يقول إن الولاياتالمتحدة بعد أن تتولى الوصاية على فلسطين تعلن موعدا لانتهاء المفاوضات على الوضع النهائي وإقامة دولة فلسطين بعد ثلاث سنوات، ولا يعني ذلك انتهاء الوصاية بعد هذا الموعد تلقائيا، ولكن ستبقى الوصاية رهنا بتنفيذ الفلسطينيين لما هو مطلوب منهم في هذه الصفقة. والى أن يتم إقامة حكومة فلسطينية منتخبة ديمقراطيا، ومسؤولة وقادرة على القيام بعملها والوفاء بالتزاماتها تجاه إسرائيل، وتوفير الرفاهية للشعب الفلسطيني، ولذلك ستقدم أميركا لإسرائيل تأكيدات بأن الفلسطينيين إذا لم ينفذوا التزاماتهم فسوف تستمر الوصاية إلى أن ينفذوها، وستكون هذه الضمانات واضحة في قرار فرض الوصاية أو من خلال خطابات وتعهدات من الولاياتالمتحدة لإسرائيل. وتشمل الخطة إمكان الاحتفاظ بالحكم الذاتي للفلسطينيين وعدم إلغاء جميع مؤسسات الحكم الفلسطيني القائمة، ولكن سيتم إلغاء 9 أجهزة من أجهزة الأمن الفلسطينية القائمة، وإعادة بناء أجهزة الأمن الأخري، كذلك إعادة بناء وزارة المالية وقطاعات الصحة والرعاية الاجتماعية والبلديات، ويتم تشكيل هيئة استشارية فلسطينية لتمثيل الشعب الفلسطيني أمام هيئة الوصاية يمكن أن يقوم بذلك المجلس التشريعي الفلسطيني، أو أن تعمل سلطة الوصاية على إقامة مجلس انتقالي فلسطيني ينتخبه رؤساء المدن والقرى والنواب الفلسطينيون، ومن الممكن أن تكون هذه الهيئة الاستشارية برئاسة رئيس الوزراء. وفي المشروع تفصيلات كثيرة تدل على أنه ليس أطروحة نظرية ولكنه خطة عمل قابلة للتنفيذ في الوقت المناسب، حين تحين الفرصة. وقد نعود إلى هذه التفصيلات لاحقا لان المساحة لا تسمح بذلك الآن، والمهم أن هناك مشروعا في مراكز صنع السياسة الأميركية لوضع الأراضي والشعب الفلسطيني تحت الوصاية، وتحت سلطة أميركية، وتكرار نموذج العراق وأفغانستان بصورة مختلفة، وإذا لم تتنبه الأطراف الفلسطينية فقد تجد نفسها يوما أمام هذا المشروع القاتل للحلم الفلسطيني وللعالم العربي، ولابد أن تدرك بعض القوى الفلسطينية أنها تساعد دون قصد على استدعاء الهيمنة الأميركية، بالإضافة إلى الاحتلال الإسرائيلي! عن صحيفة الوطن القطرية 4/2/2008