الأهرام: 03/01/08 إسرائيل هي المستفيد الأكبر مما فعلته حماس باقتحام الحدود المصرية بجرافاتها ورجالها الملثمين ودفعها لعشرات الآلاف من الفلسطينيين نحو الأراضي المصرية, وتسلل بعض عناصرها بمتفجراتهم الي المدن الداخلية. استفادت إسرائيل بإعادة إحياء مشروعها القديم الخرافي عن توطين الفلسطينيين في سيناء, وعبر خالد مشعل عن ذلك بقوله إن كل خيمة ينصبها الفلسطينيون في أي مكان لن يستطيع أحد اقتلاعها, أما قيام إسرائيل بتصعيد العقاب الجماعي وعمليات التصفية الجسدية للفلسطينيين فكانت بناء علي ضوء أخضر من الرئيس بوش في زيارته الأخيرة لإسرائيل, كما أعلن أولمرت بنفسه, ويبدو أن ما جري وسوف يجري هو مرحلة جديدة من مراحل استراتيجية الفوضي التي تتبعها الإدارة الأمريكية الحالية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بعد غزو العراق, كما أعلن ذلك الرئيس بوش مرارا, وربما تكون مقدمة للتمهيد لتنفيذ سيناريو سبق أن عرضه مارتن أنديك في دراسة نشرها في يونيو2003 في مجلة فورن أفيرز وهي من أهم المجلات الأمريكية المتخصصة في الدراسات السياسية والاستراتيجية, وفي بدايتها تأكيد بأن خريطة الطريق لن تحقق شيئا سوي استمرار المباحثات الي ما لا نهاية حول التفاصيل, وأن ظهور نظام حكم جديد في العراق تحت الوصاية الأمريكية سيؤدي الي توفير الأمن لإسرائيل وللدول المعتدلة في المنطقة, وستظل رؤية بوش لإقامة دولة فلسطينية لها حدود مؤقتة تعيش في سلام بجانب إسرائيل مجرد رؤية تفتقد آلية للتنفيذ, وفي غياب مؤسسة قادرة علي كبح جماح المنظمات والميليشيات الإرهابية الفلسطينية, فإن القوات الإسرائيلية تتكرر عودتها الي احتلال الأراضي الفلسطينية, وستظل حكومات إسرائيل في العمل علي قتل كل مشروع للحل كما فعلت مع اتفاقات برشلونة وأوسلو والقاهرة وواشنطن, وخطة تينت وتفاهمات ميتشل وغيرها, وستظل تعلن عن عدم وجود شريك فلسطيني موثوق فيه لعقد اتفاقية معه, وأمام هذا الطريق سيكون رد فعل الإدارة الأمريكية الابتعاد وترك الأطراف في مباحثات ثنائية بلا جدوي, وستكون النتيجة استمرار المجازر البشرية, واشتعال العداء للولايات المتحدة في العالم الإسلامي, وفشل إسرائيل في تحقيق الأمن وانعاش اقتصادها وتعريض مستقبلها للخطر. والسيناريو الغريب الذي أعلنه مارتن أنديك, أن تستفيد أمريكا من انتصارها في غزو العراق والبدء في تنفيذ مشروع لوضع فلسطين تحت الوصاية الدولية بقيادة الولاياتالمتحدة بقرار من مجلس الأمن, وتكون مهمة القيادة الأمريكية لهيئة الوصاية إعداد شريك فلسطيني مسئول لعقد اتفاق سلام نهائي مع إسرائيل, وانشاء جهاز أمني فلسطيني فعال, والإشراف علي إقامة مؤسسات سياسية ديمقراطية, ووضع مشروع دستور فلسطيني جديد, وإنشاء سلطة قضائية فلسطينية مستقلة, وإجراء انتخابات حرة, وإقامة مؤسسات اقتصادية تتحمل مسئولية التنمية بشفافية بمساعدة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبتمويل دولي لإعادة بناء الاقتصاد الفلسطيني. ووفقا لهذا السيناريو الامبريالي الجديد, تنسحب القوات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية التي تنازلت عنها إسرائيل للفلسطينيين في الضفة وغزة وبعض المناطق الإضافية لتحقيق التواصل بين الأراضي الفلسطينية, وتوضع تحت تصرف هيئة الوصاية وحدات من القوات الأمريكية الخاصة ومعها بعض قوات أخري بقيادة أمريكية, ولن تكون هذه القوات قوات حفظ السلام ولا قوة مراقبين ولكن ستكون قوات لحفظ النظام وقمع الإرهاب وإصدار الأوامر الي أجهزة الأمن الفلسطينية وإعادة تدريبها, وأن تقوم بنفس الدور الذي تقوم به في أفغانستان. وضع الأراضي الفلسطينية تحت الوصاية الدولية بقيادة أمريكا يعني العودة بالقضية الفلسطينية الي ما قبل1948 ووضع الشعب الفلسطيني تحت هيمنة الولاياتالمتحدة كما في العراق وأفغانستان وما يستجد.. ومن الخطأ أن نستهين بما قاله مارتن أنديك, فهو واحد من المشاركين في صنع السياسة الأمريكية, سفير سابق في إسرائيل, يهودي, مساعد سابق لوزير الخارجية لشئون الشرق الأوسط, وعضو نشيط في اللوبي اليهودي الأمريكي, ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط بمعهد بروكينجز. ومع إني سبق أن أشرت الي هذا المشروع الذي يبدو خرافيا وقلت إني أخشي أن يكون مثل وعد بلفور, ومشروع مؤتمر بازل, وقد استهان بهما العرب, إلا أن هذا المشروع لم يحظ بالاهتمام الواجب, وإن كانت حماس لا تعلم بهذا المشروع فتلك مصيبة, وان كانت تعلم فالمصيبة أعظم! المزيد فى أقلام وآراء