نتصارع اليوم حول المادة الثانية من الدستور وغدا سيكون صراعنا علي نقطة الماء
*د. سامي صاموئيل
يشتد الصراع حاليا حول المادة الثانية من الدستور بين المؤيدين لها والمعارضين لوجودها ونسي المتصارعون ان تلك المادة ليست هي الواجب الانشغال به لان هناك ما هو اشد خطورة وهي اننا قد لانجد نقطة ماء لنشربها بعد التطورات الخطيرة في ملف مياه النيل .
فقد وقع المحظور وبدأت مصر في دفع أول فاتورة باهظة لغياب وعجز النظام السابق عن التعامل مع أخطر ملف يتعلق بأمن مصر القومي وهو المياه ، ما أضاع هيبة ودور مصر في أفريقيا الذي استغلته إسرائيل وأمريكا!.
فحتي يوم الإثنين 28 فبراير الماضي 2011 ، كانت خمس دول أفريقية فقط من دول حوض النيل التسع ( بجانب أريتريا كمراقب) قد وقعت علي الاتفاقية الإطارية لحوض النيل التي لا تعترف بحقوق مصر والسودان التاريخية الواردة في اتفاقيات 1929 و1956 في مياه النيل .
بيد أن هذا اليوم شهد انقلابا دراميا في مسيرة مياه النيل وقد يفتح الباب لحرب مياه مقبلة بعدما وقعت دولة بوروندي علي الاتفاقية ليصبح عدد الموقعين أغلبية (6 دول من 9 بخلاف أريتريا ).
توقيع بوروندى علي الاتفاقية - التي تطالب بتقاسم مياه النيل، ومنع مصر من الحصول علي حصتها الحالية (55 مليار متر مكعب) التي تشكل قرابة 90% من موارد النيل- يمهد الطريق لإقرار هذه الاتفاقية رسميا.
بحيث تصبح أمرا واقعا عقب تصديق برلمانات هذه الدول الست (المؤكد) علي الاتفاقية كي تدخل حيز التنفيذ في غيبة مصر والسودان وعدم توقيع الكونغو والمتوقع أن يحدث قريبا.
أما خطورة هذه الاتفاقية فهي أنها لا تعترف باتفاقيات مياه النيل السابقة عامي 1929 و1956 ، ومن ثم تسمح لكل دول حوض النيل بإقامة مشاريع مائية وكهربائية وحواجز علي مجري النيل تقتطع كمية كبيرة من نصيب مصر من المياه التي لا تكفيها أصلا حاليا وتلغي ما يسمي حق الفيتو المصري علي بناء أي سدود علي النيل تهدد مصر.
أما الأخطر فهو التغلغل الصهيوني والأمريكي في حوض النيل في ظل غياب النظام السابق في مصر وغفلته عن مصالح مصر العليا .
وادي هذا التغلغل إلي توفير الدعم المالي والفني للدول الأفريقية لتشجيعها علي بناء السدود واحتجاز المياه وتهديد أمن مصر القومي لتدفع الثورة أول الفواتير الخاسرة للنظام السابق الفاشل في التعامل مع قضايا أمن مصر القومي!.
فقد ظل النظام السابق غافلا عن مصالح مصر الإقليمية في ظل حالة التقوقع والغياب عن أفريقيا والعالم العربي والتفرغ للصراعات الداخلية والفساد ، ولم يفق إلا عقب توقيع 4 من دول حوض النيل علي هذه الاتفاقية الإطارية .
حيث حاول استمالة بوروندي والكونغو عبر مشاريع ودعم مصري كي لا تلجأ للتوقيع وتضر مصر ولكن سقوط النظام بعد الثورة الشعبية والإغراءات الغربية دفعت بوروندي للتوقيع.
وهذا الوضع يدفعنا للتساؤل هل وصل الخطر مداه ؟
واقع الأمر يقول إن خمسا من دول حوض النيل العشرة ، هي : أثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا ، وقعت في مايو 2010 علي (الاتفاق الإطاري الجديد) الذي ينظم العلاقة بين دول حوض النيل والذي يتضمن 40 بندا لم يجر الاتفاق علي البنود المتعلقة منها بأمن المياه .
حيث لا تزال مصر والسودان (دول المصب) يتمسكان بحقهما في حصتهما الحالية من المياه ( 55.5 مليار متر مكعب لمصر + 18.5 للسودان) ، وحقهما في الموافقة أو الفيتو (الاعتراض) علي أي مشروع لدول أعالي النيل الثماني يؤثر علي حصتهما من المياه .
وقد قاطعت مصر والسودان توقيع الاتفاق ولم يوقعه اثنان من دول أعالي النيل (الكونغو وبوروندي) بالإضافة إلى دولة أريتريا كمراقب بعد استقلالها عن أثيوبيا ) ، وسط تضارب بين من يقول أن توقيع ست دول يكفي ومن يقول – مصر والسودان – إنه يحتاج إلي توقيع كل دول حوض النيل التسع علي الأقل (باستثناء اريتريا) كي يكون نافذا قانونيا .
ولذلك أعطت المفوضية التابعة لحوض النيل مهلة للدول للتوقيع علي الاتفاق الإطاري لمدة عام تنتهي في 13 مايو 2011 ، وهو ما دفع بوروندي للتوقيع قبل هذا التاريخ لتحجز مقعدا في المساعدات الدولية لبناء سدود علي النيل توفر لها الكهرباء.
وقد دخلت الأزمة منعطفا خطيرا جديدا بعد إعلان دولة الكونغو الديمقراطية عن نيتها توقيع الاتفاقية وإعلان بوروندي عن انضمامها للدول الموقعة على الاتفاقية الإطارية فور انتهاء الانتخابات الرئاسية بها (يونيو 2010) وهو ما حدث بالفعل.
ففي نوفمبر 2010 الماضي زار نائب رئيس بوروندي مصر وحضر مبعوث الرئيس وسلم رسالة للرئيس السابق مبارك وعندما سئل حول موقف بوروندي من اتفاقية حوض النيل الجديدة التي تسعي بعض الدول لاعتمادها والتي لم تكن بوروندي وقعت عليها بعد .
أكد د . محمد روكارا مبعوث الرئيس ، أن بوروندي لا يمكن أن تتخذ موقفا ضد مصر، وهي دائما تقف مع مصر، معربا عن أمله في أن تشهد الفترة القريبة المقبلة حوارا شاملا بين دول حوض النيل بما يحقق مصلحة الجميع.
وقد أرجع مصدر مصرى مسئول توقيع بوروندى على الاتفاق الإطاري لحوض النيل "اتفاق عنتيبى" الذى ترفضه مصر والسودان، إلي أن الحكومة البوروندية وجدت أن طريقها مع مصر أصبح مسدوداً خلال الفترة المقبلة بعد الثورة .
وأنهم لن يحصلوا من مصر على المساعدات التى كانت تتسلمها فى الماضى، وبالتالى فإنهم وجدوا أن من صالحهم عدم الإبقاء على موقفهم الرافض.