نجاح أوباما بين الممكن والمستحيل، وأثره علينا د.سمير قطامي أن يصل رجل أسود إلى سدّة البيت الأبيض، لم يكن إلا حلما راود منتجي الأفلام الأمريكية، فقدموا هذه الصورة سينمائيا، في محاولة لاكتشاف المزاج الأمريكي، الذي كان معارضا بشكل تام لذلك... وحتى قبل سنة من الآن لم يكن أحد يجرؤ على التفكير بذلك في دولة ظلت بعض ولاياتها ، حتى السنوات الأخيرة، لاتسمح للسود أو الملونين بدخول المطاعم أو المدارس التي يرتادها البيض ، وتحدد معايير المرشحين اجتماعيا ومذهبيا، بشكل سري!! ويأتي اليوم هذا الشاب الملون الكيني الأصل، بجذوره الإسلامية، ليكسر هذه التابوهات في المجتمع الأمريكي، محدثا صدمة قوية في أمريكا والعالم إلى حد وصفه(بالتسونامي) ، تاركا العنصريين البيض الذين كانوا قبل أسبوع من موعدالإنتخابات يقولون ((لن يحدث هذا حتى لوكان على جثثنا))، في حالة من الذهول والخوف والقلق ، إلى الحد الذي دفع بعضهم إلى التهديد العلني والضمني بالقتل . لابد من القول إن نجاح باراك أوباما بهذا الشكل القوي ، كان مفاجئاً للجميع ، وحتى للأقلية الملونة التي لاتتجاوز نسبتها 13%من عدد السكان في أمريكا ، كما كان مفاجئا لنا نحن العرب والمسلمين، وهذا ما يفرض علينا أن ننحني احتراما لهذا النظام الذي أفرز هذه الظاهرة ، والتي أعتقد أنها لايمكن أن تحدث في دولة متقدمة أو متخلفة أخرى ، كما أعتقد أنها لن تحدث مرة أخرى حتى في أمريكا للأسباب التالية: أ) قرف الشعب الأمريكي في هذه المرحلة ، من الرئيس بوش وحاشيته من المحافظين الجدد ، الذين أدخلوا أمريكا طوال سنوات ثمان في حروب وصراعات مع معظم دول العالم، كلفتهم ثروة فلكية ، وجرّت عليهم كره شعوب العالم ، وأوقعت عشرات الآلاف من شبابهم قتلى وجرحى ومعاقين.. وأعتقد أن هذه الحالة لايمكن أن تتكرّر في تاريخ أمريكا. ب)الأزمة الاقتصادية الكارثية التي حلت بالاقتصاد الأمريكي، وانتقلت إلى اقتصاديات العالم ، والتي اقترنت بالجمهوريين وسياساتهم الخاطئة ، تلك السياسة التي عبّر عنها أحد ألأمريكيين بقوله: ((لو فاز ماكين لرحلت عن الكرة الأرضية))، فالأمريكيون قد ضاقوا ذرعا بالجمهوريين وسياساتهم، ولابد أن يصوّتوا لخصمهم حتى لو كان الشيطان. ج)استنفار غريزة التحدي والاستجابة في أوساط السادة البيض الذي يحسّون الآن أن عبيدهم بالأمس قد أصبحوا سادتهم اليوم ، وهذا يستوجب جمع الصفوف والمشاركة المكثفة في الانتخابات القادمة ، ذلك الذي بدا في تصريحات كثيرين من أبناء هذه الفئة الذين أخذوا في الإعداد للانتخابات القادمة، تخطيطاً ومشاركة، والتلويح بنتائج الأنتخابات القادمة سنة 2012،التي ستجرف كل ما حدث ، علما بأن الأمريكيين من أقل الشعوب مشا ركة في الأنتخابات. د) الدعوة إلى دراسة الأوضاع والظروف التي أدّت إلى مثل هذه النتيجة ، في أوساط الحزبين الكبيرين ، الجمهوري والديمقراطي، وظهور نزوع قوى في أوساط الجمهوريين لثورة واسعة في الحزب، لمعالجة الأخطاء التي أفقدت الحزب قواعده وناخبيه. وبعد إذا كانت الانتخابات الأمريكية تهمّ دول العالم كلها ، فهل سنفيد نحن في العالم العربي من تغير الرئيس الأمريكي؟ وهل سنتوقع الكثير من أوباما الذي اتهمه خصومه بأنه صديق للإرهابيين العرب؟ وهل ستحلّ القضية الفلسطينية بإعادة الحق لأصحابه؟ يجب علينا إلا نرفع سقف توقعاتنا من العهد الجديد ، فأمريكا دولة مؤسسات، وفيها سياسة استراتيجية ، لايستطيع الرئيس الجديد إجراء تغييرات كثيرة فيها ، وأوباما سينشغل في السنة الأولى بالإصلاح الاقتصادي، الهمّ الرئيسي للأمريكيين ، ثم يبحث في إمكانية سحب جيشه من العراق ، وإذا بقي لديه وقت يمكن أن يقارب القضية الفلسطينية أو يحاول فهمها ، ولا يبدو مما ظهر حتى الآن في تعيين إسرائيلي مسؤولا عن البيت الأبيض (عما نوئيل)، قاتل في الجيش الإسرائيلي سنة1991، كبير أمل للعرب أو الفلسطينيين.... وأنا أعتقد أن قضية فلسطين ستدخل الثلاجة الأمريكية لسنوات ثلاث قادمة على الأقل ، اللهم إلا إذا حدثت معجزة ، أو عمل العرب على تقديم قضيتهم الجوهرية بشكل قوي. عن صحيفة الرأي الاردنية 11/11/2008