الرأي العام الإسرائيلي على أعتاب 2008 حسن البراري لا يبدو أن تغيرا ملحوظا طرأ على مواقف الشارع اليهودي في إسرائيل بعد إطلاق عملية أنابوليس. فتأييد حل الدولتين بقي ثابتا لدى غالبية 62% من الوسط اليهودي، التي ترى في مطلب الفلسطينيين بدولة مستقلة طلبا مبررا. هذا ما كشف عنه استطلاع الرأي الأخير الذي أجراه مركز تامي شتاينمتس بجامعة تل أبيب والذي جاءت أرقامه ومؤشراته مطابقة نوعا ما لاستطلاعات عدة جرت هذا العام.والواقع أن هناك حججا براغماتية تتعلق بالبعد الديمغرافي(الحفاظ على يهودية الدولة عن طريق الانفصال عن الفلسطينيين) أثرت في مواقف المؤيدين لحل كهذا. وترى غالبية 78% أن الحكومة الإسرائيلية مهتمة بالسلام مع الفلسطينيين في حين ترى غالبية80% أن الشعب الإسرائيلي(اليهودي) مهتم بالسلام مع الفلسطينيين. بيد أن موقفهم من دولة مستقلة هو موقف يفتقد الكثير من قيمته إذا ما أخذنا بالاعتبار نظرتهم المتشائمة من إمكانية التوصل إلى حل القضايا الأساسية وتحديدا القدس وحق اللاجئين بالعودة. 39% على سبيل المثال تعتقد أن قضية القدس هي القضية الأصعب للحل. ولكن من المفيد الإشارة إلى أن هناك تراجعا في موقف الوسط اليهودي من إمكانية حل هذه القضية إذ اعتقدت نسبة 57% في عام 1999 أن قضية القدس هي الأصعب. ويمكن تفسير هذا التراجع إلى حدوث شرخ في الإجماع اليهودي فيما يتعلق بمستقبل مدينة القدس. المثير حقا هو الاهتمام المتزايد لمشكلة اللاجئين كعائق أمام الحل النهائي. فارتفعت نسبة الذين يرون في قضية اللاجئين العائق الأكبر من 5% إلى 32%. ولم يبين الاستطلاع لماذا حدث هذا التغير، لكن يمكن إرجاع الاهتمام أو القلق المتزايد لعاملين؛ أولا، طرح موضوع يهودية الدولة وانعكاس ذلك على حق العودة للفلسطينيين. ثانيا، تبرير الانفصال عن الفلسطينيين وبالتالي إقامة دولة فلسطينية للتخلص من الخطر الديمغرافي كمصدر تهديد وجودي للدولة. كانت هذه المقولة السبب الرئيسي لإقناع غالبية الإسرائيليين لتأييد الانفصال الأحادي من غزة وانتخاب حزب كديما. يعكس تقدير الشارع اليهودي للفلسطينيين تناقضا في البنية الذهنية لدى صناع القرار على اختلاف مشاربهم الأيديولوجية والسياسية. فمثلا وعلى الرغم من أن التقدير الإسرائيلي العام يفيد بأن الأغلبية الفلسطينية تريد السلام مع إسرائيل، إلا أن نسبة71% ترى بأنه لا يمكن التوصل إلى تسوية سلمية مع الفلسطينيين من دون موافقة حماس. وحتى لو توصلت إسرائيل إلى تسوية سلمية مع الرئيس محمود عباس، فإن هذه التسوية، بحسب رأي61%، لن تؤدي إلى نهاية الصراع التاريخي للفلسطينيين. ضعف الرئيس عباس(هكذا ينظر له إسرائيليا) يفسر جزئيا سبب تشاؤم الإسرائيليين من إمكانية التوصل إلى تسوية سلمية. والمفارقة هو انه في الوقت الذي ترى فيه إسرائيل أن حماس هي اللاعب الذي يحمل مفاتيح الحل، لم تتبن إسرائيل أي خطوة ملموسة لجر حماس إلى ملعب التسوية. فالمقاطعة والحصار ما يزالان يمثلان المقاربة الإسرائيلية الرسمية لكل من غزة وحماس. ولا يوجد معارضة شعبية لهذه المقاربة إلا من قبل عدد قليل من اليسار الإسرائيلي الذي فقد أهميته في الديناميكية السياسية الداخلية. بإيجاز، يمكن القول إن إسرائيل تدخل عام 2008 برأي عام ما يزال يحتفظ بمواقفه الأساسية التي ميزته في عام 2007. فغالبية إسرائيلية واضحة مع حل الدولتين كإحدى وسائل تحقيق المصلحة الوطنية الإسرائيلية. كذلك، ما يزال التشاؤم يغلف مواقف الإسرائيليين من قدرة الجانب الفلسطيني على الالتقاء مع الإسرائيليين لتسوية تاريخية. لو أجرينا نفس الاستطلاع على عينة من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة لقالوا شيئا قريبا من ذلك: غالبية فلسطينية مع حل الدولتين، وتشاؤم فلسطيني بوجود شريك إسرائيلي يستطيع قيادة إسرائيل لحل وتسوية تاريخيين. عن صحيفة الغد الاردنية 26/12/2007