حكومة سلام فياض تعديل أم تغيير هاني المصري ولدت حكومة الدكتور سلام فياض بعد الانقلاب على الشرعية الذي نفذته حركة حماس في غزة، وبعد اقالة حكومة اسماعيل هنية لانها لم تتخذ موقفا من الانقلاب. وعلى هذا الاساس جاءت الحكومة كإحدى نتائج الانقلاب وحالة الانقسام السياسي والجغرافي، وشكلت برئاسة شخصية مستقلة تنتمي لكتلة الطريق الثالث التي لا تحظى سوى بنائبين في المجلس التشريعي، ومن وزراء مستقلين ينتمون الى ما يسمى المجتمع المدني. ولم يكن ممكناً لمثل هذه الحكومة ان ترى النور لولا الصدمة العنيفة التي كانت تعاني منها حركة فتح بعد الانهيار المدوي والسريع للسلطة في غزة وسقوطها في يد حماس بصورة ادهشت الجميع. لذا من شروط تغيير الحكومة ان تستوعب فتح الصدمة التي مرت بها، وان تتوفر الظروف والارادة لإنهاء الانقسام واسقاط الانقلاب. تشكيل حكومة من المستقلين والمهنيين كان هو القرار الذي استقر عليه الرئيس ابو مازن بعد ان كانت فتح يتنازعها عدة آراء. فمنها من اراد ان تشكل في الضفة حكومة فتح رداً على حكومة حماس في غزة. ومنها من اراد ان تشكل حكومة منظمة التحرير الفلسطينية وتطعيمها ببعض المستقلين، واصحاب هذا الرأي انقسموا حول من يرأس مثل هذه الحكومة شخصية فتحاوية او شخصية مستقلة مثل سلام فياض. ومنها من اراد تشكيل حكومة من المستقلين برئاسة سلام فياض، لان فتح بحاجة الى فترة حتى تستوعب ما حدث وتلملم صفوفها، وحتى تقدم نموذجا أنها استفادت من التجربة، عبر اثبات انها لا تريد الانفراد بالحكم الى حد الامتناع عن المشاركة فيه، وحتى تتحقق الرغبات الاميركية والاوروبية وغيرها التي تجد أن حكومة برئاسة سلام فياض ومن المستقلين، حكومة تستحق الدعم والتأييد أكثر من أي حكومة اخرى. طبعاً كان الاعتقاد الشائع، ان الحكومة الثانية عشرة، ستكون لفترة وجيزة، شهر او عدة اشهر على اقصى تقدير. فالقانون الاساسي يمنح الرئيس امكانية لاعلان حالة الطوارئ لمدة شهر، والرئيس مطالب بعدها بعرضها على المجلس التشريعي. وكان التفكير في تلك الفترة، وفي ظل غياب وتغييب المجلس التشريعي لاسباب اسرائيلية اولاً وفلسطينية ثانياً، بأن الانتخابات المبكرة يمكن ان تكون المخرج وخلال عدة اشهر على الاكثر. لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، وحكومة الطوارئ اصبحت حكومة تسيير اعمال، واقتنع الجميع بأن الانتخابات في ظل الانقسام مغامرة لا يمكن التكهن ولا السيطرة على نتائجها، كما انها قد لا تتيح حرية الحركة التي اصبحت متوفرة ايضاً. وفي هذا السياق دعا بوش لاجتماع دولي في انابوليس تحقيقا لمصلحة اميركية ومحاولة لاستثمار الانقسام الفلسطيني، الامر الذي أطال في عمر الحكومة. فالانظار كلها توجهت الى التحضير لهذا الاجتماع والعمل على انجاحه، لأن القيادة الفلسطينية اعتبرته فرصة تاريخية يجب عدم اضاعتها، كما أن الادارة الاميركية واسرائيل وضعتا شرطا لعقد الاجتماع واستئناف المفاوضات هو عدم تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية. وهذا ايضاً أمد في عمر الحكومة. ومع ذلك، كانت الدعوات لتغيير او تعديل الحكومة مستمرة ولكنها كانت تصطدم بأن القانون الاساسي لا يجيز تعديل حكومة تسيير الاعمال، فإما أن تغير او تبقى. وان التعديل او التغيير بحاجة الى موافقة رئيس الحكومة. فالحكومة ضعيفة نعم، ولكن رئيسها قوي. وتوجد حاجة لاستمراره على رأس الحكومة. ان النتائج المخيبة للآمال لاجتماع انابوليس، رغم كل الادعاءات المخالفة، زادت من قوة المطالبين بتعديل او تغيير الحكومة وتحديداً داخل حركة فتح. ففتح شعرت منذ تشكيل الحكومة، وهذا الشعور يتزايد باستمرار، بأن ما تحققه الحكومة من انجازات في الامن والاقتصاد وغيرهما، يحسب لها ولرئيسها، لدرجة تولد انطباعاً بان حكومة المستقلين حققت ما عجزت عن تحقيقه الحكومات السابقة، التي كانت في غالبيتها حكومات فتح. وان ما تخفق الحكومة بتحقيقه خصوصاً على الصعيد السياسي والمفاوضات، تتحمل فتح المسؤولية عنه، وذلك رغم ان انجازات الحكومة واخفاقاتها يجب ان تتحمل المسؤولية عنه حركة فتح، لان الرئيس الذي عين الحكومة منها، ولان كتلتها حصلت على أكبر عدد من المقاعد بعد كتلة حماس، ولانها العمود الفقري للثورة والسلطة وم.ت.ف والوزارات من فتح والاجهزة الامنية خاضعة لفتح، وزاد الطين بلة، ان العديد من الوزارات والوزراء، تصرفوا وكأنهم جاءوا بوزنهم الخاص وبذراعهم . من حق فتح ان تشارك بالحكومة وان تقودها اذا ارادت ولكن الحكمة تقتضي من فتح ان تستخلص الدروس والعبر من التجربة السابقة، حتى تكون مشاركتها بالحكومة دفعة ايجابية كبيرة وليست اضعافا للحكومة وارتدادا الى المرحلة السابقة، التي كانت فتح رغم المساحة التي تركتها للاخرين، لتهيمن على السلطة وتستأثر بها، لدرجة لم يعد بالامكان التمييز ما بين فتح والسلطة، وبين السلطة والمنظمة. وتشكلت الوزارات والاجهزة الامنية، على اسس حزبية فصائلية، حيث لم تكن المهنية والكفاءة والانتاجية المعايير التي تحظى بالاولوية، ما ادى الى انتشار الصراع على السلطة والصلاحيات والوظائف والنفوذ، وما ادى اليه ذلك من تفشي الفساد والمحسوبية وسوء الاداء والادارة، ومن المساهمة وخلق افضل الظروف لنشوء حالة الفوضى والفلتان الأمني. من حق فتح ان تشارك بالحكومة بصورة لائقة بها، وليس عبر اختيار شخصيات فتحاوية، ولكن من الحكمة ان تختار فتح الشخصيات الوطنية ذات الكفاءة والمهنية والبعيدة عن شبهة الفساد واشاعة الفوضى والتسيب والمحسوبية وسوء الاداء والادارة. من حق فتح وكافة الفصائل ان تشارك بالحكومة، بحيث تكون حكومة م.ت.ف وتضم الكفاءات الوطنية المستقلة (الممثلة للمجتمع المدني والقطاع الخاص والفئات المهمشة والاتحادات...الخ) وليس بوصفها محسوبة على هذا الفصيل او ذاك، او تطبيقاً للكوتا الفصائلية مثلما حصل عند تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، حيث تم الاتفاق بين فتح وحماس على ضم خمسة من المستقلين ثلاثة تختارهم حماس واثنين تختارهما فتح. فلسطين بحاجة الى حكومة وطنية ومهنية معاً. لا يمكن ان تكون الحكومة مهنية غير معنية بالاحتلال وما يقوم به الاحتلال من واجب فتح والرئيس والحكومة الحالية والجميع، ان يتذكروا أنه بدون معالجة الانقلاب، وجذور واسباب الانقسام واستعادة الوحدة بين الضفة وغزة وبين مكونات النظام السياسي الفلسطيني وخصوصا في ظل رياح التوافق التي تهب في العالم، بين اميركا وايران وسورية، وفي لبنان، وفي اماكن اخرى، لا يمكن ان نحقق شيئاً لا عبر المفاوضات ولا عن طريق المقاومة، فالرابح الاكبر من الانقلاب والانقسام هو الاحتلال، الذي رفع سيف الانقسام فوق رؤوس الجميع الفلسطيني لابقاء كل الاطراف ضعيفة وتحت الابتزاز. تأسيساً على ما تقدم، إن الحكومة يمكن ان تعدل او ان تغير، ولكن حتى يتم ذلك بافضل شكل لا بد من توفر عدة شروط: اولاً: توفر قناعة لدى الرئيس بالتعديل او التغيير فهو صاحب السلطة والصلاحية، والرئيس يمكن ان يتخذ هذا القرار في حالة توفر اتفاق فتحاوي على طبيعة التشكيل الحكومي القادم، والى توافق في صفوف م.ت.ف وبصورة تحفظ كرامة الحكومة الحالية، واحتفاظ رئيسها بمنصبه. ثانياً: ضوء اخضر اميركي، وربما اسرائيلي، او توفر الاستعداد للتحدي والاقدام على التغيير وفرضه على الجميع. ثالثاً: تجاوز العقبة الدستورية بشكل قانوني. رابعاً: عدم نسيان أن فلسطين تحت الاحتلال، وأنْ لا تنمية حقيقية ولا اصلاح جوهرياً ولا مؤسسات دولة جدية يمكن ان تبنى تحت الاحتلال. ومن دون مقاومة مثمرة لا يمكن ان تقبل اسرائيل الحد الادنى من الحقوق الفلسطينية. خامساً: اعطاء الاولوية لتوفير مقومات الصمود والتواجد البشري الفلسطيني على ارض فلسطين، وعلى اساس القناعه بأن لا حل وطنياً على الابواب، وان المطلوب الآن افشال الحل الاسرائيلي الذي يقام على الأرض، وتقليل الخسائر تمهيدا لمرحلة اخرى يتم فيها التقدم على طريق تحقيق الحرية والعودة والاستقلال. سادساً: ان أولى مهمات اي حكومة سواء الحالية او التي يمكن ان تشكل يجب ان تكون وضع خطة لاستعادة الوحدة بأي طريقة من الطرق. فاستمرار الانقسام يساعد على تصفية القضية بكل أبعادها، وواهم كل من يعتقد أنه يمكن ان يستثمر الانقسام لحل القضية وطنياً، ومجرم كل من يضع مصالحه وأن يبقى في الصورة والقرار، فوق المصلحة الوطنية الفلسطينية. عن صحيفة الايام الفلسطينية 8/12/2007