مستقبل الحكم في روسيا فلاديمير سادافوي أثار انتصار حزب روسيا الموحدة في انتخابات البرلمان الروسي وحصوله على أكثر من ثلثي مقاعد البرلمان تساؤلات حول مستقبل البلاد.
ومن خلال نظرة سريعة للخريطة السياسية في روسيا، سنجد أن الكرملين بقيادة بوتين حقق نجاحات في إزاحة رموز اليمين الروسي المرتبط برؤوس الأموال الأمريكية والإسرائيلية، وكانت معركة الكرملين قد بدأت ضد أبرز اتجاهات اليمين الروسي الذي تمكن خلال عهد الرئيس الراحل بوريس يلتسين من التحكم في مفاصل الاقتصاد والسياسة الروسية.
وما أن تولى بوتين مقاليد السلطة، حتى تلاحقت الضربات ضد رموز هذا التيار المتمثلة في بوريس بيريزوفسكي وفلاديمير جوسينسكي وميخائيل خدركوفسكى وليونيد نفزلين... الخ، وفسح الكرملين المجال لرؤوس أموال روسية جديدة لتملأ الفراغ بعد إزاحة هذه المجموعات المالية.
واستندت سياسة بوتين- التي لاقت تأييدا في أوساط المجموعات المالية الروسية- لاستعادة مناطق النفوذ السوفييتية لحساب الرأسمال الروسي في العراق وسوريا وإيران وجورجيا..الخ باعتبار أن هذه المناطق أسواق تقليدية للمنتجات (السوفييتية سابقا) الروسية حاليا، ولم يقبل الكرملين بمنطق الغرب الذي اعتبر أن انهيار الاتحاد السوفييتي يعنى بالضرورة إعادة توزيع مناطق النفوذ وميزان القوى في الساحة الدولية مع إسقاط دور ونفوذ قوة عظمى كانت في السابق موجودة و تسمى الاتحاد السوفييتي.
وقد كرست معارك انتخابات البرلمان الأخيرة حقيقة مفادها أن اليمين الروسي ليس لديه أي قاعدة جماهيرية او تواجد في الشارع الروسي تمكنه من المشاركة الفعالة في الحياة السياسية للبلاد، ويقتصر دوره على الشعب وانتقاد السلطة.
لقد سقطت قوى اليمين وخرجت تماما من ساحة الصراع السياسي، ولم يعد لها أي تأثير أو وجود. وترسخ هذه القناعة لدى الكرملين، دفعه إلى توجيه نيران السلطة ضد الحزب الشيوعي لتحجيم نفوذه الجماهيري، ومنذ انتخابات البرلمان الماضية وفى الانتخابات الحالية، والكرملين يدعم ويساهم في إظهار قوى سياسية(عام 2003 حزب الوطن، عام 2007 حزب روسيا العادلة) التي كانت ترفع شعارات الشيوعيين وتعمل على اجتذاب أنصارهم لتقليص قاعدتهم الجماهيرية في الشارع الروسي.
ونجحت تكتيكات الكرملين في الدورتين، حيث انخفض نفوذ الشيوعيين في برلمان 2003 بنسبة 11%، وفى الدورة الحالية بنسبة 3%. ولابد من القول إن شعارات الشيوعيين وأساليب عملهم كان لها اثر كبير في انفضاض قطاعات واسعة من الناخبين الذين شعروا بتخلف سياسات الحزب عن طبيعة المرحلة السياسية التي تعيشها روسيا.
واذا كان من مصلحة الغرب أضعاف نفوذ ودور روسيا بل وحتى تقسيمها، حتى يتمكن من السيطرة على منابع الثروة في القوقاز، والاستيلاء على الأسواق التقليدية للمنتجات الروسية، إلا أنه بالتأكيد لا يهدف لضرب سلطة بوتين، باعتبار أن الغرب لا يريد عودة القوى اليسارية إلى السلطة في روسيا، كما ان الغرب يدرك المخاطر التي قد تنجم عن انهيار سلطة بوتين وأضرار حالة الفوضى التي ستحدث على مصالحه.
وهذا يعني أن الغرب يريد نظام حكم قوي في الكرملين قادر على ضبط الأمور في البلاد وفي مناطق وسط آسيا، على أن لا يشكل هذا النظام معارضة لسياسات الغرب على الساحة الدولية. هذا الوضع لابد أن يجعل الغرب يستهدف تقليم أظافر الكرملين ويدفعه للتخلي عن طموحاته السياسية، ومن المستبعد تماما أن يسعى الغرب لتوجيه ضربات سياسية قاضية للقيادة الروسية.
ويدرك الكرملين هذه الحقيقة، وأنه في ظل غياب البدائل للسلطة الروسية الحالية، لن تتعرض هذه السلطة لضربات قاضية من جانب مراكز صناعة القرار السياسة الغربية، لذا تسعى لإيجاد تسوية لإنهاء حالة الصراع اللا تناحري الدائر الآن والتي يمكن أن تتحول إلى صراع تناحري في حال ظهور قوى ليبرالية روسية قادرة على أن تكون بديلا للقيادة الحالية.
وقد تمكن بوتين خلال السنوات السابقة من مركزة السلطة بعد حالة الفوضى التي عاشتها البلاد في ظل حكم الرئيس الراحل بوريس يلتسين، بل إن الكرملين فرض نفوذه على كافة الأقاليم الروسية والسلطات التشريعية والتنفيذية، وأصبح يحدد تركيبة كل هذه الهيئات ويختار من سيعمل فيها بقوة القانون.
واعتبر بوتين أن أسلوب أدارة البلاد الجديد الذي يمنح الكرملين السلطة المطلقة هو الأداة التي ستمكنه من مواجهة الإرهاب وتطبيق برنامجها لإحلال الأمن في البلاد، إلا أنها في نفس الوقت يمكن أن تهدد هذه الأهداف باعتبار أن تركيبة السلطة الروسية مازالت متناقضة وتتضمن مختلف التوجهات والمصالح، بدءا من ممثلي رجال الأعمال، مرورا برأس المال المرتبط برؤوس الأموال الغربية.
ويبدو واضحا أن نتائج انتخابات البرلمان الأخيرة قد قلصت مساحات التناقض داخل السلطة ، إلا ان الأداة التي يعتمد عليها الكرملين في تكريس نفوذه (حزب روسيا الموحدة) والتي تشكل المحور الأساسي في نظام الحزب الواحد الذي يعود من جديد يصعب القول بأن لديه القدرة على تنفيذ خطة بوتين، باعتبار أن قوامها الأساسي هو مجموعات البيروقراطيين، والذين يتورط بعضهم في عمليات الفساد الحكومي، وهو ما تكشف عنه سلسلة الاعتقالات التي شهدتها روسيا في الشهور الأخيرة في أوساط كبار الموظفين الحكوميين.
بالإضافة إلى أن هذا الحزب ليس لديه أي برنامج اقتصادي، ويفتقد للرؤية السياسية الواضحة، وما يجمع القطاع الأكبر من أعضائه الحرص على البقاء في مناصبهم الحكومية.
هذا الوضع دفع العديد من المراقبين للاعتقاد بأن تصريحات بوتين حول إجراء تعديلات جذرية في تركيبة الدولة والتي أدلى بها قبل الانتخابات، كانت تقصد إجراء تغييرات في صفوف الحزب الحاكم والحكومة، في إطار حملته لمكافحة الفساد، ولتفعيل دور السلطة التنفيذية. ولابد من القول إن التطورات الاقتصادية التي تهدد روسيا بأزمة مع بدايات العام المقبل، والتي يمكن أن تترافق مع التعديلات التي ينوي بوتين إجراءها يمكن أن تقود لصدامات حادة داخل مواقع القرار.
وتفجر أزمة سياسية على خلفية تعقيدات الوضع الاقتصادي. إن سيطرة حزب روسيا الموحدة تضمن لبوتين تنفيذ خطته في تحقيق مبدأ تداول السلطة دون المساس بنفوذه السياسي، بل انها وسعت من دائرة تأثيره عبر تقنين هذا النفوذ بزعامته لكتلة الأغلبية البرلمانية، ولكن هذا ليس كافيا لتجنب الصراعات السياسية التي ستؤدي لإزاحة مجموعات في السلطة تتحكم في مفاصل السياسة والاقتصاد في البلاد. عن صحيفة البيان الاماراتية 6/12/2007