بوش إذ يغادر على صدى كوارث أميركا والعالم نشأت الحلبي نعم، كنا نحبس الأنفاس مع كل ورقة انتخابية يضعها ناخب أميركي في صندوق اقتراع في ولاية أميركية ما لانتخاب رئيس الولاياتالمتحدة الأميركية الرابع والأربعين، أما لماذا نحبس الأنفاس، فلأن العالم مقبل على تغيير جذري إذا ما كان باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة الأميركية ليكون بذلك الرئيس الأسود الأول الذي يسكن البيت الأبيض الأميركي. وهذا ليس بالشيء القليل الذي يمكن لأي كاتب أو مراقب أو حتى مواطن عادي في أي بقعة من الأرض وسواء كان عالي أو متوسط أو ضعيف الجودة، وسواء كان شديد الذكاء أو عديمه في النظر الى القضايا الدولية، أن يدير له الظهر، فتلك حكاية ستترك أثرا على كل العالم من شرقه الى غربه ومن شماله الى جنوبه، وستمس كل إنسان في أقل وأكثر الأمور شأنا في حياته، فأميركا هي القوة الاقتصادية الأقوى في العالم، وأميركا هي القوة العسكرية الأقوى التي لا يمنعها قرار مجلس أمن أو مظاهرات «مليونية» من أن تدمر بلدا ما في العالم سواء بحجة طرد «طاغية» أو تقصي أثر «مغارة» نووية، أو بحجة مطاردة إرهابيين في وديان وأدغال وجبال مثل جبال «تورا بورا» أو حتى بحجة مطاردة «مغلف» في غرفة مسؤول ما في قرية ما في بلد ما قد تكون معلومات «استخباراتية» أفادت بأنه يحوي بودرة «الجمرة الخبيثة» مثلا، أو بحجة «جلب» الديمقراطية لبلد يعاني سكانه من ويلات نظام حكمه، فلهذا كله نهتم ونحبس أنفاسنا مع كل ورقة يضعها مواطن أميركي في صندوق الاقتراع وفي أي ولاية أميركية كانت.وفيما يلتفت العالم الى هوية الرئيس الجديد لأميركا، فإن الكاميرا تنتظر أن تنقل المشاهد الأخيرة للرئيس الأميركي جورج دبليو بوش وهو يغادر البيت الأبيض، وفي هذه الأثناء لا بد وأن تدور في المخيلة كل المشاهد التي مرت بفترة رئاسة هذا الرئيس التي كانت الأكثر «دموية» في التاريخ، فأميركا والعالم لن ينسيا أبدا رئاسة بوش الأولى التي بدأت بصدمة أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، ولن ينسيا أبدا أن رئاسته الثانية انتهت في أجواء قاتمة بسبب أسوأ أزمة مالية تعاني منها أميركا والعالم بأسره والخوف من ركود اقتصادي وبطالة أكثر قساوة من تلك التي شهدها العالم عام 1929. ويخرج بوش أيضا وما زالت اصوات دوي الرصاصات والمدافع تسمع في حربين بدأهما الرجل ولم ينههما في كل من أفغانستان والعراق واللتين أعلنهما جبهة أميركا في الحرب على الإرهاب إثر الاعتداءات على برجي التجارة العالميين في نيويورك وعلى مبنى البنتاغون في بنسلفانيا، فآلاف القبور للجنود الأميركيين لن تنسي الأميركيين أنهم دفعوا الثمن الأغلى لحروب لم يعلموا بعد لماذا تورطوا بها، وآلاف القبور الأخرى في أفغانستان والعراق ستحكي «شواهدها» أن ساكنيها سقطوا في حرب تكشف فيما بعد «كذب» كل دوافعها سواء تلك التي أعلنها وزير خارجية بوش قبيل شن الحرب على العراق كولن باول أمام مجلس الأمن والتي ادعى فيها أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين يملك أسلحة دمار شامل يمد بها تنظيم القاعدة الذي تبنى الهجوم على مانهاتن الأميركية ولربما تستخدم في اعتداءات أخرى مشابهة كان لا بد لاتقائها إشعال تلك الحرب «الوقائية»، أو ذريعة مطاردة ابن لادن في أفغانستان وتقديم «رأسه» على طبق من ذهب للأميركيين، وأضف الى كل ذلك أن آلافا من الأميركيين سيرقبون بوش يخرج من البيت الأبيض وفي آذانهم اصداء اسوأ كارثة بيئية تنزل بهم إثر إعصار كاترينا الذي أخفقت أجهزة الدولة في عهد بوش من معالجتها. كل ذلك يمثل «تركة» بوش الثقيلة للرئيس الأميركي القادم، فتحسين صورة أميركا بات المطلب الأهم لأميركا نفسها قبل كل شيء، ولا نحسب إطلاقا أن الرئيس القادم سينشغل بمطاردة ابن لادن مثلا في جبال تورا بورا من جديد، ولن نحسبه سيبحث عن ضحية أخرى غير صدام حسين ليعلن حربا «مقدسة» أخرى كتلك التي أعلنها بوش لدرجة أنه وصفها فيما فسر بأنه «زلة لسان» بأنها حرب «صليبية» جديدة، ولا نحسب أن الرئيس القادم معني بتوسيع قاعدة العداء لأميركا كما فعل بوش إذ يغادر وحلفاؤه قبل أعدائه «يكسرون» وراءه ألف «جرة» لأنه كاد يشعل فتيل حرب حتى بينهم وبين شعوبهم نتيجة زجهم في كل أخطائه تلك، فانتهاء حياة بوش السياسية في يناير المقبل ليس بالحدث الأقل شأنا من قدوم رئيس جديد حتى لو كان «الأسود» أوباما. عن صحيفة الوطن القطرية 6/11/2008