تركيا والإدارة الأمريكيةالجديدة محمد نور الدين مع وصول رئيس امريكي جديد الى البيت الابيض تستعاد في تركيا النقاشات حول العلاقات التركية - الامريكية ومدى الاختلاف في الرؤى بين الديمقراطيين والجمهوريين. واذا كان من ميزة للرئيس الامريكي المنتهية ولايته جورج بوش فهو انه اكد ان مصالح أمريكا اولا ولو على حساب اقرب الحلفاء. ونستدرك لنقول انه لم يكن يوما لأمريكا حليف بالمعنى الحقيقي للكلمة على امتداد تاريخها الا الدولة العبرية. وما الحديث عن شراكة استراتيجية كانت تتسم بها العلاقات بين انقرةوواشنطن خلال الحرب الباردة سوى استغلال غربي واضح لأهمية تركيا في الصراع مع الاتحاد السوفييتي والكتلة الاشتراكية. ولم يكن رفع شعار محاربة الشيوعية في تركيا سوى فزاعة لضمان وقوف تركيا الى جانب الكتلة الاطلسية. وعندما انتهت الحرب الباردة وضعت العلاقات التركية - الامريكية على محك امتحانات قاسية بانت منها اولوية المصالح الامريكية على ما عداها. وكانت التجربة العراقية أكبر دليل على ذلك عندما ضربت امريكا الحائط بتحذيرات تركيا أولاً بعدم ضرب العراق ثم بعدم تقسيمه الى فيدراليات وهو ما يمس مباشرة الامن القومي التركي في محيط متفجر بالحساسيات الاتنية. وكان من جراء الخلاف التركي مع امريكا حول احتلال العراق انكسار الشراكة “الاستراتيجية" بين البلدين. وانطلاقا من ان “رب ضارة نافعة" امكن لتركيا التحرر من الارتهان للسياسات الغربية وشرعت ببلورة سياسة خارجية جديدة تحمي المصالح التركية. وما كان ذلك ممكنا الا من خلال التعاون مع كل القوى المتضررة من السياسات الامريكية. لقد سعت تركيا، في ظل انكسار العلاقة مع امريكا الى اقامة “شبكة امان" اقليمية من اجل مواجهة التحديات الجديدة. فكان تعزيز العلاقات مع سوريا والعالم العربي وايران ومحاولة منع انفجار الازمات قبل وقوعها. فكان التوسط في لبنان وفلسطين وما بين سوريا و"اسرائيل". واستمرت آلية اجتماعات دول الجوار الجغرافي للعراق. وفي محيطها الشمالي كان العمل لمنع تفاقم الازمة بين جورجيا وروسيا. وقد اثمرت هذه السياسات ثقة في الدور التركي منحها القدرة للقيام بما لا يستطيع القيام به أحد غيرها واكتساب صفات القوة الاقليمية الكبرى التي لا تكون دائما بالقوة العسكرية او الاقتصادية. خرجت تركيا من ان تكون كوكبا يدور في فلك المجرّة الامريكية وهذا هو التحول النوعي الأكبر في سياساتها تجاه الولاياتالمتحدة. اليوم مع قدوم رئيس امريكي جديد ومع بداية انتهاء الاحتلال الامريكي للعراق ستسعى الادارة الامريكيةالجديدة الى اعادة ترميم العلاقات مع تركيا. ولن يكون هذا سهلا. فما كانت تتخوف منه تركيا اصبح واقعا لجهة الكيان الكردي في شمال العراق لكن يمكن لها ان تحصد ذلك في حقل “حزب العمال الكردستاني" أي انهاء نشاطات الحزب مقابل الاعتراف بالواقع العراقي الجديد. وسوف تكون الادارة الامريكيةالجديدة، ان أرادت سلوك طريق آخر غير القوة، امام الحاجة للدور التركي الوسيط في حل النزاعات ومنها ملف البرنامج النووي الايراني. وفي تقرير وقّعه 34 من كبار المسؤولين السابقين ومنهم مادلين اولبرايت وريتشارد ارميتاج اشارة الى اهمية تركيا في العالم الاسلامي والحاجة اليها في حل النزاعات الاقليمية. لقد صاغت تركيا في السنوات الأخيرة سياسة خارجية مستقلة مستفيدة من رؤيتها الجديدة لقضايا الشرق الاوسط والمنطقة التي توجد فيها. وكان المسؤولون الاتراك يقولون للأمريكيين كلما التقوا بهم انهم يوجدون في “جغرافيا صعبة". اليوم لم يعد الاتراك يقولون ذلك. فقد نجحوا في نسج افضل العلاقات مع الجميع ولم تعد التهديدات التي كانت تواجه تركيا، لو استثنينا حزب العمال الكردستاني، مادة ابتزاز من قبل واشنطن ضد تركيا. حتى ارمينيا لا تريد ولا تستطيع حل خلافاتها مع تركيا بالاعتماد على قوى خارجية. مع إدارة امريكية جديدة قد تتغير بعض التكتيكات. لكن كل شيء اصبح واضحاً لتركيا التي صارت تعرف ماذا تريد انطلاقاً من حسابات وطنية صرف. وهو ما نريده ان يكون ايضاً أساس علاقات العرب مع الإدارة الامريكيةالجديدة. عن صحيفة الخليج الاماراتية 4/11/2008